سلاح المقاومة.. ما بين آب ١٩٩٣ وآب ٢٠٢٥

مسلسل القرارات بحصر السلاح بيد الدولة - العبارة الأكثر تداولاً ومتابعةً في هذه الأيام - لم يبدأ الآن عرضه، بل تعود حلقاته لأكثر من ثلاثة عقودٍ خلت.

في ٢ آب/أغسطس ١٩٩٣، اجتمع المجلس الأعلى للدفاع في قصر بعبدا برئاسة الرئيس اللبناني الياس الهراوي، وطلب من الجيش اللبناني الإنتشار في منطقة عمل قوات الطوارىء الدولية (اليونيفيل) في جنوب لبنان.

ما أشبه اليوم بالأمس!

بعد اثنين وثلاثين سنة، وتحديداً في الخامس من آب/أغسطس ٢٠٢٥، يجتمع مجلس الوزراء اللبناني ويُقر بأغلبية الأصوات وضع جدول زمني لسحب سلاح المقاومة أقصاه نهاية العام الحالي، على أن يضع الجيش اللبناني خطة تنفيذية بدءاً من الأول من أيلول/سبتمبر المقبل.

وعلى مدى أيام، صدّح أنصار القرار المتخذ بأصوات ملؤها الثقة بتحقيق الهدف. وكلنا يعلم أنه جرت محاولة لتصحيح الأمر، لكن النتيجة كانت معكوسة، مع موافقة الحكومة اللبنانية على أهداف ورقة الموفد الأميركي توم برّاك في جلسة يوم أمس (الخميس).

 لكن، تعالوا نقارن بين شخصيات قرار آب/أغسطس ١٩٩٣ وشخصيات قرار آب/أغسطس ٢٠٢٥ والظروف والوقائع المحيطة بكلا القرارين.

مقارنة بين الماضي والحاضر

نجد أن كلا القرارين يأتيان بعد عدوان إسرائيلي. ففي عام ١٩٩٣، كان هناك عدوان “تصفية الحساب” لسبعة أيام في تموز/يوليو، بينما في عام ٢٠٢٤، كانت “سهام الشمال” التي استمرت ٦٦ يومًا.

كما أن الأسباب الموجبة بحسب أصحاب القرارين متشابهة: إعطاء المجتمع الدولي إشارة بأن الدولة جديرة بثقته؛ سحب الذريعة التي يتخذها الإسرائيلي للقيام بعدوانه، والتوجه نحو الاستقرار والازدهار الاقتصادي.

علينا أن لا ننسى عبارة وليد جنبلاط الشهيرة خلال التسعينيات الماضية: “علينا أن نختار أي نموذج نريد، هانوي أم هونغ كونغ؟”. كذلك، كان الالتحاق بقطار السلام هدفًا، حيث كان هناك من يضع اللمسات الأخيرة على إتفاقية أوسلو لتُوقّع في أيلول/سبتمبر ١٩٩٣، ونظيرتها الآن هي الاتفاقيات الإبراهيمية قيد التحضير والتوقيع القريب.

الظروف والأدبيات متشابهة، فماذا عن “رجالات” القرارين واللاعبين المحيطين بهما؟ لنقارن!

فرق القوة والنفوذ

الرئيس رفيق الحريري، وبما لا يترك مجالًا للشك، كان أقوى بما لا يقاس من الرئيس نواف سلام. والرئيس الياس الهراوي، باتكائه على اتفاق الطائف الحديث العهد والمعادلة السعودية السورية الأميركية القاضية بتلزيم لبنان لحافظ الأسد، كان أقوى من الرئيس العماد جوزاف عون برغم ما يلقاه من دعم أميركي سعودي.

أما على صعيد قوى الوصاية، فإن اللواء غازي كنعان (رئيس جهاز الأمن والاستطلاع وممثل الأسد في لبنان)، الممسك بالأمن والعسكر والسياسة، واقعًا وحقيقة، أقوى بأضعاف من توم براك ويزيد بن فرحان اللذين لا يملكان أية قوى عسكرية على الأرض.

على المقلب الآخر، كان الإسرائيلي، في ١٩٩٣، يحتل ما يعادل نصف مساحة الجنوب اللبناني، في مقابل احتلاله لخمس تلال الآن. وعلينا ألا ننسى “جيش لبنان الجنوبي”، بقيادة العميل انطوان لحد، بما كان يُضيف من قدرة للعدو الإسرائيلي في التحكم والسيطرة على الأرض.

الأميركي، على الضفة الأخرى، كان في ذروة تسيده للعالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في العام ١٩٩١، في مقابل مصارعته اليوم للصين بالإضافة إلى روسيا وقوى إقليمية أبرزها إيران.

حالة حزب الله في ١٩٩٣ كانت أضعف بكثير مما هو عليه الحال الآن، على الرغم من الضربات القاسية التي تعرّض لها في الحرب الأخيرة. فعلى صعيد التأييد الشعبي وعديد المقاومين وقدراتهم العسكرية والتنظيمية وخبراتهم المتراكمة عبر السنوات، فإنها تتقدم بأشواط على ما كانت عليه في ١٩٩٣.

وعلى الرغم من أن الحال في ٢٠٢٥ أفضل منه في ١٩٩٣، هناك من يُريد أن يُصوّر لنا أن الحالة مزرية وأن القرار الذي اتخذ في آب/أغسطس ٢٠٢٥ حتمًا سيُنفذ على الأرض وسيُنزع سلاح المقاومة. فما هو السبب؟

هناك من يعتبر بأن اللحظة مثالية للاجهاز على المقاومة في لبنان، في ظل زخم أميركي خليجي إسرائيلي غير مسبوق، لكن يغيب عن بال هؤلاء أن المقاومة تلقت ضربات وخسائر كبيرة في العدوان الأخير على لبنان، ولكنها ليست أضعف مما كانت عليه في ١٩٩٣. وإذا كان في آب/أغسطس ١٩٩٣ للعماد إميل لحود الدور البارز في وأد القرار من خلال تلك الهمسة التي همسها في أُذن حافظ الأسد، فإن قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل لا يحتاج الآن – في حال اتُخذ قرار – لكي يكون إميل لحود ثاني (بطبيعته المقاوِمة)، بل يحتاج فقط أن يكون عاقلاً ومتروّيًا، وهو كذلك بالفعل.

لذلك، “ما تاكلولنا راسنا”.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  عودة لُولا.. وصعود اليسار اللاتيني مُجدداً
Avatar

كاتب لبناني

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  عودة لُولا.. وصعود اليسار اللاتيني مُجدداً