لحظة نصرالله التاريخية.. أوكرانية بإمتياز!

لن يكون مفاجئاً مع تطور الحرب الأوكرانية أن يُزج بإسم حزب الله فيها. ليس على طريقة الطرائف التي أطلقت مع بداية هذه الحرب، بل هذه المرة من زاوية النتائج التي يُمكن أن تفضي إليها ومردودها دولياً وإقليمياً ولبنانياً.

صحيح ان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لم يُعلن دخول حزب الله الحرب في اوكرانيا، لكنه ليس خافياً أنه يبني على نتائج هذه الحرب، وهذا من حق أي سياسي في العالم. من هنا يمكن فهم التهديد العالي النبرة في وجه الولايات المتحدة وحلفائها على مسافة ساعات من زيارة الرئيس الامريكي جو بايدن الى الشرق الاوسط، فالقراءة الهادئة لخطابي الذكرى السنوية لعدوان تموز 2006 وخطباء المجالس العاشورائية، تفيد أن حزب الله قرر استخدام كل ما يعتبرها اوراق قوة، من اجل تحقيق ما يراه مصلحة وطنية للبنان، في لحظة لبنانية وإقليمية ودولية مؤاتية. كيف؟

حرب أوكرانيا هي ورقة قوة غير معلنة بيد السيد نصرالله، بدليل أن خطابه العالي النبرة تزامن مع تعالي صرخة العواصم الاوروبية جراء التداعيات الاقتصادية لهذه الحرب على شعوب القارة العجوز، وذلك نتيجة تراجع ضخ الغاز الروسي الى اوروبا المهددة ليس فقط بشتاء بارد بل ايضا باقفال الاف الشركات فيها وتسريح ملايين العمال، وما الدليل على ذلك سوى تصريحات المسؤولين الاوروبيين انفسهم والارقام التي تنشرها مراكز الدراسات حول نسب التضخم غير المسبوقة ليس فقط في القارة الاوروبية بل في الولايات المتحدة نفسها التي وصلت فيها نسبة التضخم إلى اعلى مستوى منذ اربعين عاما، وهذا ما حدا بالرئيس بايدن ان يتوجه الى المنطقة العربية، اكبر خزان للغاز والنفط في العالم لحث زعمائها على زيادة انتاجهم من هاتين المادتين الحيويتين لمعالجة ازمة نقصهما في اوروبا.

اذا ما حصلت الحرب سيكون كل الشرق الاوسط ميدانا لها وسيطبق المثل القائل “لا محرمات في الحرب والحب”، ولكن ماذا سيكون الموقف الروسي من استخدام المسرح السوري في هذه الحرب من قبل حزب الله؟

ان كل ذلك جعل السيد نصرالله يستخدم لغة التهديد بالحرب في منطقتنا، وفي هذا التهديد فان نصرالله يشير مواربة، ولكن بلغة يفهمها الغرب جيدا، الى ان الاستقرار المطلوب في المنطقة لمعالجة ازمة الطاقة في اوروبا لن يكون متوفرا ان لم تسارع الولايات المتحدة لوقف كل اشكال المماطلة والابتزاز والضغط في تعاطيها مع الدولة اللبنانية في ملفي استخراج الغاز وترسيم الحدود البحرية.

ان الحرب، اذا ما وقعت، لن تكون هذه المرة على غرار عام 2006، فحزب الله في العام 2006 هو غير حزب الله في العام 2022، والحزب اليوم، ناهيك عن تطوير نوع وكم الاسلحة التي يملكها، لديه قوات عسكرية بشكل مباشر في سوريا، وبشكل غير مباشر في العديد من ساحات الإقليم، واذا ما حصلت الحرب سيكون كل الشرق الاوسط ميدانا لها وسيطبق المثل القائل “لا محرمات في الحرب والحب”، ولكن ماذا سيكون الموقف الروسي من استخدام المسرح السوري في هذه الحرب من قبل حزب الله؟

ان لروسيا مصلحة كبرى في استنزاف الغرب في حرب اخرى تخفف الضغط عنها في اوكرانيا، وبمجرد حصول حرب في الشرق الاوسط، فان صادرات النفط والغاز من المنطقة ستتعطل كليا مما سيعمق ازمة الطاقة في اوروبا اكثر فاكثر كما انها ستساهم في اعتماد المزيد من الدول على النفط والغاز الروسيين. من هنا فان تهديد السيد نصرالله بالحرب ليس مجرد كلام يطلق في الهواء بل هو يستند الى قراءة دقيقة لاوضاع المنطقة والعالم ولتداعيات الحرب الاوكرانية على موازين القوى الدولية.

وعندما تحدث نصرالله عن الاوضاع الداخلية اللبنانية فانه لم يرسم صورة سوداوية بقدر ما انه وصّف الواقع كما هو، انهيار اقتصادي ومالي غير مسبوق، شلل في الادارة الرسمية لم يحصل في تاريخ لبنان ولا حتى في اوج الحرب الاهلية بين العامين 1975 و1991 وتبخر الطبقة الوسطى وازدياد نسبة الفقر والبطالة مع ارتفاع نسبة الهجرة لمن استطاع اليها سبيلا. ومع ذلك فان تهديد السيد نصرالله بالحرب كان رسالة إلى واشنطن وحلفائها انه لم يعد لدى اللبنانيين ما يخسرونه وان كان لا بد من السقوط في الهاوية نتيجة الضغوط الامريكية والمماطلة في السماح للبنان باستخراج غازه ونفطه فلتسقط كل منطقة الشرق الاوسط معه. ومع ذلك لم يقل السيد ان الحرب على الابواب، بل هو ببساطة قال انه لم يعد لدينا ما نخسره وبالتالي رمى الكرة في الملعب الامريكي وذلك في اللحظة التي كان فيها الرئيس بايدن يحاول عرض عضلاته الشرق اوسطية في زيارة كانت نتيجتها لزوم ما لا يلزم بحسب وصف الاعلام الامريكي لها. كما ان كل ما كان يقال عن ان الزيارة كانت ستنتج ناتو شرق اوسطي ذهب ادراج الرياح.

بمجرد حصول حرب في الشرق الاوسط، فان صادرات النفط والغاز من المنطقة ستتعطل كليا مما سيعمق ازمة الطاقة في اوروبا اكثر فاكثر كما انها ستساهم في اعتماد المزيد من الدول على النفط والغاز الروسيين

ان المأزق التي تتخبط فيه الادارة الامريكية وحلفاؤها هو ان استمرار الحرب في اوكرانيا يستنزف اقتصاديات هذه الدول ويزيد من الاحتياطي المالي لروسيا التي عرفت خلال الاشهر الاربعة الاخيرة كيف تتحايل على العقوبات وتفرض ايقاعها على الاوضاع الحياتية في كل اوروبا، وبالتالي فان امكانية ذهاب صانعي القرار في الادارة الامريكية الى خيار “التطنيش” في التعامل مع خطاب نصرالله يعني بشكل اكيد انهم قرروا الذهاب الى حرب واسعة النطاق قد يعرفون متى واين تبدأ ولا يعرفون متى واين وكيف ستنتهي؟

إقرأ على موقع 180  الدولار الجمركي.. قصة "اللقيط" و"الساقطة"!

(ملحوظة: في الايام الاخيرة التي سبقت إنهيار منظومة الدول الاشتراكية في نهاية ثمانينيات القرن الماضي سرت نكتة تحاكي الوضع في دولة بلغاريا حينها، مفادها انه خلال اجتماع للمكتب السياسي للحزب الشيوعي البلغاري الحاكم لمناقشة السبل لمعالجة الازمة الاقتصادية الخانقة في البلاد، طرح احد المشاركين في الاجتماع فكرة اعلان الحرب على الولايات المتحدة الامريكية وبالتالي ستكون نتيجتها احد امرين، اما ان تحتل بلغاريا الولايات المتحدة وبالتالي تفتح اسواقاً كبيرة وجديدة تكون كفيلة بمعالجة الازمة الاقتصادية واما ان تحتل الولايات المتحدة بلغاريا ويصبح حل الازمة الاقتصادية بيدها)! 

Print Friendly, PDF & Email
Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  هنا بغداد.. دفاعاً عن وزارة الدفاع