في أواخر سنة 2021، فازت زيومارا كاسترو في الانتخابات الرئاسية في هندوراس، وفاز غابرييل بوريك في تشيلي، وتسلما منصبيهما بداية سنة 2022. وبعدها حصل الأمر الأكثر أهمية في القارة، وهو فوز المرشح الرئاسي اليساري، غوستافو بيترو، في كولومبيا، بينما اختُتمت السنة بفوز المرشح اليساري، والرئيس الأسبق، لولا دا سيلفا في الانتخابات الرئاسية في البرازيل.
يُعدُّ وصول اليسار إلى الرئاسة في كولومبيا، وفوز لولا دا سيلفا، من الحوادث الأكثر أهمية في المنطقة، وربما العالم. ويعود السبب في ذلك إلى خسارة اليمين للمرة الأولى في تاريخ كولومبيا الحديث مع وصول يساري إلى الحكم، والذي كان مقاتل حرب عصابات يساري سابق، نشط ضد الحكومات المتعاقبة خلال عضويته في حركة التمرد اليسارية، حركة 19 أبريل (M-19)، غير أنه نبذ العنف بعد ذلك، وتبنى مبدأ الديموقراطية للوصول إلى الحكم. أما الشق الآخر من الأهمية فيأتي من هزيمة جايير بولسونارو، الرئيس الشعبوي الذي يُمثل اليمين المتطرف، والذي كان مدعوماً من الولايات المتحدة، ومن رئيسها السابق، دونالد ترامب، شخصياً.
ومع هذه الدول الأربع التي انضمت لليسار حديثاً، يصبح عدد الدول التي يحكمها رئيس يساري في أميركا الشمالية والوسطى وأميركا الجنوبية، عشر دول، إضافة إلى كوبا. لذلك، ومع هذا المد الوردي الجديد، بتنا نرى خطاً وردياً لا ينقطع، يبدأ من المكسيك في أميركا الشمالية، ويمر في هندوراس ونيكاراغوا في أميركا الوسطى، ليصل إلى كولومبيا وفنزويلا وبيرو والبرازيل وبوليفيا والأرجنتين، لينتهي في تشيلي في أقصى جنوب أميركا اللاتينية.
أما أهمية انتصار اليسار في هذه المنطقة، فتأتي من كون جميع هؤلاء الرؤساء اليساريين، قد وصلوا إلى الحكم عبر انتخابات ديموقراطية، وتحت إشراف مراقبين دوليين. وهذا ما يعزز ثقافة الديموقراطية التي تُكرِّس الفكرة القائلة إن الوصول إلى الحكم يكون عبر انتخابات حرة، وليس عبر انقلابات دموية، كما كان يحصل في هذه المنطقة طوال عقود من الزمن. كما أن وصولهم ساهم، خلال السنوات الثلاث السابقة بوقف تراجع اليسار في القارة، والذي بدأ سنة 2015، يوم بدأ بانتخاب رئيسين يمينيين في الارجنتين والبرازيل، ومحاكمة دا سيلفا وخليفته ديلما روسيف باتهاماتٍ ثبت بطلانها فيما بعد.
مع هذا المد الوردي الجديد، بتنا نرى خطاً وردياً لا ينقطع، يبدأ من المكسيك في أميركا الشمالية، ويمر في هندوراس ونيكاراغوا في أميركا الوسطى، ليصل إلى كولومبيا وفنزويلا وبيرو والبرازيل وبوليفيا والأرجنتين، لينتهي في تشيلي في أقصى جنوب أميركا اللاتينية
من جهة أخرى، تأتي أهمية انتصار اليسار من كونه يساعد في وقف تدخل الولايات المتحدة في الحياة السياسية والاقتصادية وتقرير شكل الحكم في هذه البلدان، وهي السياسة التي درجت عليها طوال القرن الماضي وبدايات القرن الحالي، عندما كانت تدعم الانقلابات وتُنصِّب الديكتاتوريات فيها. لذلك، فإن هذه البدان ستصبح أخيراً قادرة على اختيار طريق تطورها المستقل ووضع استراتيجياتها بنفسها بما يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية لشعوبها.
لكن وعلى الرغم من انتصاره، هنالك مشكلة تواجه اليسار في القارة، وتمنع هذه الدول من التعاون والتنسيق والعمل المشترك لمواجهة التحديات التي تقف في وجهها بشكل جماعي. يكمن هذا الأمر في حقيقة وجود يسارَين اثنين في المنطقة، الأول هو يسار ديموقراطي منفتح يتمثل بالأحزاب الحاكمة في تشيلي وكولومبيا والبرازيل. وهم معروفون بنموذجهم المسمى “ديموقراطي اشتراكي”، والذي يرى أن العمل على زيادة التجارة الخارجية مع كافة الدول هو السبيل من أجل تحقيق النمو الضروري لزيادة البرامج الاجتماعية التي تساهم في القضاء على الفقر. أما اليسار الثاني فهو المتمثل في الأحزاب الحاكمة في فنزويلا ونيكاراغوا وبوليفيا، وهو يسار يُجسّد نموذج السلطوية الشعبية التقليدية وأحزابه قومية مغلقة لا تبالي بالمعايير الديموقراطية. وبسبب ذلك، وبسبب تهورهم الإقتصادي، لم يستطيعوا تحقيق نمو اقتصادي لبلدانهم، هذا النمو الذي يحقق الهدف النهائي، أي التطور والعدالة الاجتماعية.
ومع ذلك، على هذه الدول أن تتعلم من أخطاء الموجة اليسارية الأولى التي دشّنها هوغو تشافيز وتابع فيها من بعده، خليفته، نيكولاس مادورو في فنزويلا، إضافة إلى إيفو موراليس في بوليفيا، للتركيز على النمو الاقتصادي وانتشال الناس من الفقر وتلبية حاجاتهم. ويجب عليه أيضاً أن يحارب الفساد والعمل جدياً لتعميق الديموقراطية، ثقافةً وممارسةً، لأن هذا الأمر سيجعلهم جاهزين لمواجهة التحديات القائمة والمقبلة، والتي تظهر بسبب الفقر وتدخل الغرب في الشؤون الداخلية لبلدانهم.
(*) يُنشر بالتزامن مع “حصاد العام” الذي أعدته اذاعة “صوت الشعب” لنشرتيها باللغتين الفرنسية والانجليزية.