زلزال تركيا وأردوغان.. لمن الكلمة الأخيرة؟

في الساعات الأولى من يوم 6 شباط/فبراير، وبينما كان الناس نياماً، وقع أحد أكبر الزلازل منذ القرن الماضي في نقطة قريبة من الحدود التركية - السورية. كانت قوة هذا الزلزال على خط صدع البحر الميت 7.8 درجات. بعد تسع ساعات، وقع زلزالٌ ثانٍ بقوة 7.7 درجات، ولكن هذه المرة على خط صدع شرق الأناضول.

هذان الزلزالان اللذان أحدثا صدعاً سطحياً بمساحة 400 كيلومتر، ألحقا أضراراً جمّة في منطقة تبلغ مساحتها 110.000 كيلومتر مربع. أيضاً، تعرّضت القشرة الأرضية لانزياح بحوالى 7.3 أمتار على عمق 8 إلى 9 كيلومترات. ويُمكن أن تصل كمّيّة الطاقة المنبعثة نتيجة الزلزالين إلى 30 كوادريون جول، بينما تبلغ الطاقة الناتجة عن قنبلة ذرية 15 تريليون جول.

خلّفت كارثة الزلزال دمار مادياً وبشرياً هائلاً. عدد الضحايا في تركيا تجاوز الـ43 ألفاً. أما في سوريا، فقد قارب عدد الضحايا الـ 7000، ليصل الإجمالي في كلا البلدين إلى حوالي الخمسين ألفاً. مئات الآلاف من الناس أصيبوا. أكثر من مليونَي شخص تهجّروا من مناطق الزلزال إلى مدن مختلفة. بعض المدن زالت عن الخريطة. أنطاكيا التاريخية، نقطة التقاء حضارات متعددة، هي المدينة التي دفعت أثقل فاتورة، إذ بين كل مبنيَين دُمّر مبنى بالكامل.

أردوغان لا يزال أقوى فاعل سياسي في تركيا. ويرجع ذلك أساساً إلى سياساته القومية التي تعِد ناخبيه بمستقبل جيوسياسي مشرق، ونجاح في تحسين الأوضاع المعيشية للجمهور التركي

أما عمليات الإنقاذ، فلا تزال جارية والجرح لا يزال ملتهباً. بالمقابل، فإن السؤال المطروح هو الآتي: في ضوء هذه الكارثة، ما هي الفاتورة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي ستدفعها تركيا التي تريد أن تكون قوة جيوسياسية في المنطقة؟

التكلفة الاقتصادية

في تقرير عن الأكلاف الاقتصادية الكلية المحتملة لزلزالَي تركيا الضخمين، قالت شركة “Morgan Stanley” الأميركية إن تكلفة الأضرار المباشرة للمنازل قد تصل إلى 38 مليار دولار. ومن المتوقع أن تُمثّل تكاليف إعادة الإعمار والإغاثة 3.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وفقاً للتقرير، فإن عنصر الاستيراد المطلوب لعملية إعادة الإعمار بعد الزلزال يمكن أن يُضخّم عجز الحساب الجاري بمقدار 9 مليارات دولار. الحسابات الأولية للخبراء الأتراك متقاربة. إذ يقدّرون تكلفة الاحتياجات العاجلة القصيرة الأجل بين 25 و30 مليار دولار. أما الدولارات المطلوبة لإعادة بناء المنازل المدمرة، فمن المتوقع أن تمثّل حوالي 2 إلى 3٪ من الناتج المحلي الإجمالي. كلّ هذه الأرقام والمساعدات الخارجية المتوقعة ليس من شأنها أن تدقّ ناقوس الخطر بشأن أزمة سيولة قصيرة الأجل، بل انها تؤكد على مرونة الهيكل الاقتصادي لتركيا والسرعة التي يمكن أن يتكيّف بها مع الصعوبات والأزمات، برغم التحدّيات المقبلة.

السجل السياسي

كيف سيؤثر هذا الزلزال سياسياً على سلطة الرئيس رجب طيب أردوغان؟

عمليّاً، أردوغان متّهم من قِبل الصحافة الغربية والمعارضة في البلاد بعدم الإستعداد جيداً لهذا الزلزال المتوقع. سوء تنظيم عمليات الإغاثة وتأخر المساعدة بعد وقوع الكارثة كانا عنوان مشهدية 6 شباط/فبراير ومن ثم الأيام التي تلت ذلك التاريخ المشؤوم.

بالنسبة إلى الكثيرين في تركيا وخارجها، كان أردوغان مهندس تعزيز وتوسيع المجال الجيوسياسي لأنقرة. وهو وسّع نطاق النفوذ العسكري والسياسي والدولي لبلاده. من ناحية أخرى، هناك إجماع على أن أردوغان أنشأ نظاماً للحكم الفردي وذلك عبر ممارسة سياسية بعيدة عن القيم الغربية وأحياناً مناهضة لها. يُعتبر أردوغان ديكتاتوراً من قِبل المعارضة في الداخل. وهو في نظر الغرب شيطان يعارض القيم الغربية. كلّ هؤلاء يأملون أن يطيح الزلزال بأردوغان وأن يسلبه السلطة في الانتخابات الرئاسية في مطلع الصيف المقبل، غير أن سيناريو الإطاحة بأردوغان ليس أكثر من أمنية، إن لم يُقرّر الناخبون محاسبة المسؤولين المتخاذلين الذين لم يقوموا بدورهم في حماية الناس.

صورة أردوغان

في الحقيقة، إن الهزة الأرضية تُعبّر عن الحاجة والتوق إلى الإنبعاث وإستعادة التعافي، وكذلك تُعبر عن ردات فعل ضدّ المسؤولين الذين لم يتّخذوا الإجراءات المناسبة ومعهم الحكومة. بعبارة أخرى، ستكون الحكومة مسؤولة عن العواقب وستكون عرضة للنقد. ومع ذلك، فإن إحتواء الأوضاع عقب الهزة الأرضية سوف ينعكس في سلوك الناخبين ونتائج الإنتخابات.

حتى لو خسر أردوغان الانتخابات، فمن غير المرجح أن تتراجع تركيا أو تخرج عن إطار بنود أجندتها الجيوسياسية وخططها التوسّعيّة، خصوصاً وأن سياسة أردوغان في الأصل هي سياسة وطنية تحظى بدعم الدولة والجيش

لا شكّ أنّ صورة أردوغان كلاعب سياسي قوي ورجل دولة ستؤدي دورها هنا. ولا ينبغي أن ننسى أنه برغم تراجع شعبيته السياسية منذ بعض الوقت، وِفقاً لاستطلاعات الرأي، فإن أردوغان لا يزال أقوى فاعل سياسي في تركيا. ويرجع ذلك أساساً إلى سياساته القومية التي تعِد ناخبيه بمستقبل جيوسياسي مشرق، ونجاح في تحسين الأوضاع المعيشية للجمهور التركي. بالإضافة إلى ذلك، فإن الجيوبوليتيك التركية تشكل عاملاً حاسماً في عمليّة الحكم الداخلي والسلوك السياسي لنصف البلاد تقريباً.

لذلك يمكن أن يتأثر أردوغان سلباً بالزلزال لكن بوسعه أيضاً الخروج من المعركة الانتخابية دون خسارة أي من أصوات ناخبيه.

إقرأ على موقع 180  محسن صالح لـ"180post": المقاومة أذهلتنا بصمودها.. والأنظمة العربية متآمرة

في الحقيقة، فإن الرئيس التركي قادرٌ على متابعة استراتيجية التخفي وراء السمة الطبيعية للزلزال ودرجة قوته مُركّزاً على القدرة على الصمود والتحمل في مواجهة الكارثة.

لكن حتى لو خسر أردوغان الانتخابات، فمن غير المرجح أن تتراجع تركيا أو تخرج عن إطار بنود أجندتها الجيوسياسية وخططها التوسّعيّة، خصوصاً وأن سياسة أردوغان في الأصل هي سياسة وطنية تحظى بدعم الدولة والجيش.

(*) محلل سياسي وعالم إجتماع تركي

Print Friendly, PDF & Email
علي بيرم أوغلو

محلل سياسي وعالم إجتماع تركي

Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
online free course
إقرأ على موقع 180  من "الدفشرمه" العثماني إلى أطفال غزة.. حضارة القتل والإبادة!