
في السياسة، الخريطة أهم من الخطاب. الكلمات، مهما حملت من وعود، تظلّ أدوات تزيين لأجندات تُدار في العمق بمعايير جيوسياسية صارمة، حيث تُعاد صياغة الخرائط وفق ميزان القوة لا وفق منطق الشعارات.
في السياسة، الخريطة أهم من الخطاب. الكلمات، مهما حملت من وعود، تظلّ أدوات تزيين لأجندات تُدار في العمق بمعايير جيوسياسية صارمة، حيث تُعاد صياغة الخرائط وفق ميزان القوة لا وفق منطق الشعارات.
إذا صحّ أنّ قمة آلاسكا أرست تفاهمات أبعد من أوكرانيا، فإن الشرق الأوسط يصبح ساحة الاختبار الحاسمة لمدى صلابة أي “تقاسم نفوذ مرّن” مُرتقب بين واشنطن وموسكو. جوهر المشهد أنّ القوى الإقليمية الأربع الأكثر تأثيراً (إيران، تركيا، إسرائيل، ومنظومة الخليج) لن تتلقّى الخرائط الجديدة بصورة سلبية، بل ستسعى إلى إعادة التموضع على خطوط تماس الطاقة والأمن والممرات البحرية، مع أكبر قدرٍ ممكن من المكاسب، وبأقل قدر ممكن من الاصطدام المباشر مع الرعاة الدوليين.
في الميثولوجيا الإغريقية كان "يانوس" هو "إله البوابات". حارس المفترقات الكبرى. ينظر إلى الماضي والمستقبل معًا من دون أن ينتمي إلى أي منهما. لم يكن إلهاً للحرب أو للسلام لكنه لم يكن غريباً عن الإثنين معاً. كان صاحب الكلمة الفصل عند التحول من عهد إلى عهد، ومن نظام إلى آخر. وكما يقول الكاتب السوري عماد فوزي شعيبي "لمنطقتنا بوابة شبيهة بيانوس اسمها بلاد الشام".
وقّع رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان ورئيس أذربيجان حيدر علييف في البيت الأبيض اتفاق سلام برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أصبح بموجبه "ممر زنغزور" يخضع لإدارة الولايات المتحدة، ما يجعل الأخيرة دولة جوار لإيران، كما كان الحال أثناء احتلال أفغانستان.
غبتُ عن الكتابة في السياسة شهراً عامداً متعمداً. غبتُ عن الكتابة ولم أغب عن السياسة. عشتُ شهراً أتابع أنواعاً من السياسة لم ألاحظ لها مثيلاً على امتداد عمر لا شك صار مديداً. عشتُ شهراً أناقش بيني وبين نفسي أو بيني وبين أقران مارسوا السياسة أو الدبلوماسية عمراً أو عقوداً في العمر، أناقش ما كان يجمع ويفرق بيننا، أنا ونفسي أو أنا وأقراني، نناقش الشرق الأوسط الذي نعيش فيه، نقارن خرائطه الأحدث بخرائط رسمها الأقدمون، وخرائط رسمناها وقد استعرنا حدودها وخطوطها ومعانيها من أحلامنا، وخرائط بالعشرات من رسم كل عابر سبيل.
خمسون يوماً مرّت علی الاعتداء الذي شنّه الكيان الإسرائيلي علی إيران في 12 يونيو/حزيران الماضي لكن تداعيات هذا الاعتداء ما زالت مستمرة، وسط حالة ترقب لما سيأتي من تطورات إستناداً إلی الدور الذي أوكلته الولايات المتحدة لـ"إسرائيل"، سياسياً وأمنياً، وصولاً إلی "شرق أوسط جديد"، يلوّح به رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
كشفت الأحداث الدامية في السويداء، عن مدى هشاشة الأوضاع الأمنية والسياسية في سوريا برغم الاحتضان الغربي والتركي والعربي للنظام الجديد برئاسة أحمد الشرع، وأثارت في الوقت نفسه احتمال الانزلاق مجدداً إلى الحرب الأهلية.. والمجهول.
فرضت أحداث السويداء الأخيرة على مراكز القرار في تل أبيب إعادة تقييم لشخص الرئيس السوري أحمد الشرع، وضرورة التقليل من التفاؤل بخصوص فرضية التطبيع بين "إسرائيل" وسوريا. والسبب ليس فقط لأن النظام في دمشق ضعيف وغير قادر على ضبط الأوضاع والسيطرة على عشرات الفصائل الجهادية، بل خشية من تداعيات الفوضى الحاصلة اليوم ونذر اندلاع حرب أهلية جديدة على "إسرائيل"، بحسب ما جاء في الصحافة العبرية.
بينما كان مقاتلون من "حزب العمال الكردستاني" التركي يُحرقون أسلحتهم في حفرة بكهف في السليمانية بشمال العراق، فإن هذا الحدث لا بد وأنه، كان باعثاً على قلق شديد لدى قائد "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) مظلوم عبدي.
برغم التوضيحات الصادرة عنه، إلا أن توم برّاك ليس موفداً أميركياً عادياً. هو الناطق باسم دونالد ترامب. وعندما يقول إن لبنان إذا لم يتحرك بسرعة كبيرة، كما هو حال سوريا، "فقد يصبح بلاد الشام مرة أخرى" فهو يعني ما يقول جيداً. لم يكتفِ بهذه العبارة بل أضاف إليها: "يقول السوريون لبنان منتجعنا الساحلي. لذا علينا أن نتحرك. وأنا أدرك مدى إحباط اللبنانيين. وهذا الأمر يُحبطني أيضاً".