إنتخابات نقابة المهندسين.. خرقٌ يتيمٌ للتغييريين!

أظهرت نتائج الإنتخابات الفرعية في نقابة المهندسين في بيروت، مؤخراً بداية إستعادة السلطة أنفاسها، وبالتالي محاولة وضع يدها على مفاصل نقابات المهن الحرة في لبنان.

لطالما عكست إنتخابات نقابة المهندسين في بيروت المناخات السياسية اللبنانية لأسباب عدة، بينها أنها أكبر نقابة مهنية في لبنان يزيد عدد منتسبيها عن 50 ألفاً، ويشهد تاريخها على معارك ضارية منذ عقود من الزمن. ففي العام 2017 شكّل فوز النقيب جاد تابت على رأس نقابة المهندسين، أول نجاح للقوى البديلة (أو ما يسمى بقوى المجتمع المدني) بوجه تحالف كامل قوى المنظومة السلطوية.

كذلك شكلت انتخابات العام 2021 التي فاز فيها مرشحو ومرشحات “النقابة تنتفض” المدعومة من قوى ومجموعات وأحزاب التغيير، أول فوز كاسح لها، والأهم أنه أعطى أملاً بجدوى الإنخراط الواسع للقوى التغييرية في الانتخابات النيابية عام 2022.

بهذا المعنى، ينبغي التوقف عند نتائج الانتخابات الأخيرة، في فرعية نقابة المهندسين (الأحد في 5 آذار/مارس 2023)، لما تعطيه من إشارات سياسية راهنة ومستقبلية. وهنا تجدر الإشارة الى أن اعتكاف كل من تيار المستقبل والتيار الوطني الحر عن خوض هذه الانتخابات بشكل حزبي منظم وترك محازبيهما يخوضونها بشكل مستقل، يُكوّن إنطباعاً حول أوضاع هذين التيارين اللذين يبدوان الأكثر خسارة في مرحلة ما بعد 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019.

نحتاج إلى تحفيز ثلاثمائة مهندس تغييري معتكف عن التصويت للفوز مجدداً بنقابة المهندسين، فهل هذا الطموح أصبح مستعصياً أيضاً على مئات المجموعات المنضوية تحت مظلة التغيير؟

وفي المقابل، ثمة مؤشر خطير لجهة إستعادة الإنقسام الطائفي العامودي، بدليل تحالف الأحزاب التقليدية المسيحية في بيروت وعلى رأسها القوات اللبنانية في مقابل تحالف إسلامي يضم حزب الله وحركة أمل والحزب التقدمي الإشتراكي ومجموعات تنتمي إلى تيار المستقبل. لائحة وحيدة أتت من خارج هذا الاصطفاف هي المدعومة من قوى التغيير والحزب الشيوعي اللبناني بعنوان “مصممون” وكانت تضم مندوبين ومندوبات فازوا على لائحة “النقابة تنتفض” في العام 2021.

في هذه الإنتخابات، حصد ثنائي حزب الله وحركة أمل ثلاثة مقاعد من أصل خمسة مقاعد في الفرع السادس، فيما حصل كل من الاشتراكي والمستقبل على مقعد لكل منهما بالتنسيق مع “الثنائي”. صحيح أن هذا الفوز كان متوقعاً لأن الفرع السادس في النقابة يخص المهندسين العاملين في القطاع العام، وجرت العادة أن التوظيف مدخله في هذا القطاع الزبائنية الحزبية منذ انتهاء الحرب الأهلية قبل أكثر من ثلاثة عقود، غير أن اللافت للإنتباه هو محافظة قوى السلطة على النسبة العالية من الإقتراع في هذا الفرع وبلغت حوالي 22% وهي قريبة من نسبة الاقتراع في انتخابات الفرع السابقة في حزيران/يونيو 2021. في المقابل، انخفض الاقبال في الفرع الثاني للمهندسين المعماريين والاستشاريين الى ما دون الـ 10%، وهو الفرع التاريخي المحسوب على قوى التغيير والمعارضة ومن بين رموزه النقيب الراحل عاصم سلام والنقيب السابق جاد تابت بالإضافة الى النقيب الحالي عارف ياسين. فقد صوّت حوالي 140 من المهندسين للائحة “مصممون” مقارنة بحوالي 860 في الانتخابات الفرعية الماضية، أي بانخفاض حوالي 6 الى 7 مرات. أما قوى السلطة فلم ينخفض اقبال مرشحيها اسوة بالفرع السادس بل تشتت أصوات السلطة مذهبياً مما أتاح لمرشحة واحدة من “مصممون” بالفوز وهي المهندسة هالة نزار يونس التي خرقت أحد المقاعد الخمسة لعضوية الفرع الثاني. أما المقاعد الأربعة الباقية فتقاسمها بالتساوي حزب القوات اللبنانية مع تحالف “الثنائي” و”الاشتراكي” و”بقايا المستقبل”.

يعني ذلك أن جمهور قوى التغيير أصيب بإحباط كبير مقارنة بانتخابات 2021، وهنا يمكن وضع الإستنتاجين الآتيين: الأول؛ عدم قدرة قوى التغيير على استكمال ما كانت قد بدأته ونجحت فيه. يكفي أن نتذكر كيف هلّلت وسائل الإعلام قبل سنتين لنجاح “النقابة تنتفض” كمثال صارخ لنجاح هذه القوى في الائتلاف وحسن التنظيم والوصول الى نتائج أذهلت السلطة. مجلس النقابة الحالي يتألف بأغلبيته من قوى التغيير، فكيف أضاعت هذه القوى فرصها وأبعدت مناصريها؟ وهل “النقابة تنتفض” تتحمل المسؤولية أم أن الإحباط أبعد من ذلك وهو سياسي بالدرجة الأولى وهل له علاقة بنتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة في العام 2022، ولا سيما أداء قوى المعارضة والتغيير في كل لبنان؟

بعد الأمل الكبير الذي بعثت به “النقابة تنتفض”، أتت الانتخابات النيابية الأخيرة لتقضي على هذه التجربة النقابية الفتية. معظم المجموعات والناشطين الذين عملوا في “النقابة تنتفض” فشلوا في تكرار هذه التجربة في الانتخابات النيابية التي انتجت نواباً عاجزين عن الإتفاق حتى على الأمور الأساسية والإستراتيجة.

واللافت للإنتباه في تجربة قوى التغيير في الانتخابات النيابية أنها لم تفشل فقط في انشاء تحالف في ما بينها بل حتى أن النواب المنضوين ضمن مجموعة واحدة تفرقوا. وخير مثال على ذلك بقاء النائب نجاة صليبا منذ أكثر من شهر معتكفة في مجلس النواب فيما زميلها النائب مارك ضو له رأي آخر وهما الوحيدان المنتميان الى حزب واحد. كذلك الأمر بالنسبة إلى نواب بيروت المعارضين الذي يزداد الخلاف بينهم يوماً بعد يوم. هذه التجربة في الانتخابات النيابية وما تلاها بدل أن تتعلم من تجربة “النقابة تنتفض” قررت أن تنقض عليها رافضة كل أسس التنظيم والبرنامج المشترك والمصداقية امام ناخبيها، وذلك لمصلحة تكريس المحاصصة والاتفاقات تحت الطاولة، فكانت النتيجة إصابة العمل النقابي في الصميم، فعادت نقابة المهندسين الى سطوة أحزاب السلطة.

اللافت للإنتباه في تجربة قوى التغيير في الانتخابات النيابية أنها لم تفشل فقط في انشاء تحالف في ما بينها بل حتى أن النواب المنضوين ضمن مجموعة واحدة تفرقوا

هل هناك فرصة لتصحيح الأداء؟

إقرأ على موقع 180  مجدداً.. الأمن المطلق وهم مطلق!

أمام المهندسين التغييريين فرصة لاستعادة زمام الأمور في انتخابات المرحلة الثانية لانتخاب عضوين لمجلس النقابة خلال شهر من الآن. الخرق الذي جسدته هالة نزار يونس أبقى شعلة الأمل متقدة. لا بد من إعادة الاعتبار لتجربة “النقابة تنتفض” والعودة الى الأسس التي ارتكزت عليها ورفض كل المتسلقين والمجموعات الصورية التي لم تعمل يوماً في النقابة، والتركيز على نجاحات النقابة الحالية بقيادة النقيب عارف ياسين وتمييز العمل في النقابة عن التشرذم النيابي كضرورة لاستعادة زمام المبادرة.

باختصار نحتاج إلى تحفيز ثلاثمائة مهندس تغييري معتكف عن التصويت للفوز مجدداً بنقابة المهندسين، فهل هذا الطموح أصبح مستعصياً أيضاً على مئات المجموعات المنضوية تحت مظلة التغيير؟

Print Friendly, PDF & Email
طارق عمّار

مدير شركة آراء للبحوث والاستشارات، لبنان

Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  عندما يرحل الكبار.. سليم الحص نموذجاً