ثمة استثمارات ومصالح اقتصادية لا يمكن الاستهانة بها، تشكل جزءاً لا يمكن إغفاله من حروب إسرائيل مع قطاع غزة. فمن هي الأطراف الإسرائيلية المؤثرة التي لا ترغب بوضع حد للتهديدات الصاروخية من قطاع غزة؟
عادة ما يتم النظر إلى الصدامات بين إسرائيل وغزة على أنها نتيجة صراع سياسي – قومي بين إسرائيل والفلسطينيين. وعلى الرغم من صحة هذه النظرة، فإنها تغفل حقيقة أن هذه الحروب تنطوي أيضا على شبكة معقدة من المصالح الاقتصادية والسياسية التي تلعب دوراً حيوياً في استمرار الصراع. أحد اللاعبين الرئيسيين في هذه الديناميكية المعقدة هو “شركة رفائيل” الإسرائيلية، وهي شركة مملوكة للحكومة الإسرائيلية متخصصة في تطوير تكنولوجيا الدفاع.
نمت “شركة رفائيل” منذ إنشائها في العام 1948 لتصبح حجر الزاوية في صناعة الدفاع الإسرائيلية، وقد حظي منتجها الأبرز- “منظومة القبة الحديدية للدفاع الصاروخي”- بالثناء في جميع أنحاء العالم لفعاليته في اعتراض الصواريخ التي يتم إطلاقها من غزة.
في العام 2021، وصلت مبيعات الشركة إلى نحو 3.3 مليار دولار، بينما وصل ربحها الخالص في العام نفسه إلى نحو 133 مليون دولار أميركي.
في العام 1993، تم إعادة تأسيس الشركة وهيكلتها لتبدو أكثر ملاءمة لتسويق منتجاتها، من خلال الانتقال على ما يبدو من شركة تسد حاجة أمنية إسرائيلية إلى مشروع ربحي يسعى إلى الهيمنة على، أو احتلال مكانة مرموقة في سوق الصناعات الدفاعية في العالم. منذ تلك اللحظة، نجحت الشركة في إنشاء وتطوير العديد من الشركات.
إن نظرة مسحية للشركات الاستثمارية التي تملكها “شركة رفائيل” وتشرف عليها، من شأنها أن توسع فهمنا لدور الشركة المؤثر عالميا وإسرائيليا. فالشركة تملك بداخلها شركة R-jet لتطوير وصناعة محركات طائرات صغيرة، وشركة Vision map الإسرائيلية لتطوير أنظمة خرائط، وشركة “أفوغال” لتطوير صناعات طبية، وشركة RUSA للتسويق والعناية بالممتلكات الحربية في الولايات المتحدة.
كما أن “رفائيل” تستحوذ على شركة Rafa Latino البرازيلية للصناعات الحربية، وشركة Dynamit Nobel Defence الألمانية لصد الصواريخ المضادة للدبابات، وشركة ERCAS المسؤولة عن عمليات “رفائيل” التسويقية في أوروبا، وشركة “بيروسون” البريطانية المختصة في إنتاج هندسيات حربية، وشركة Pine Telecom الكورية الجنوبية للاتصالات، بالإضافة إلى شرائها عشرات الشركات التكنولوجية الإسرائيلية والعالمية. كما أن “رفائيل” تقوم بتطوير وتصنيع وتجربة العديد من منتجاتها بالشراكة مع إحدى شركات الصناعات الجوية الإسرائيلية والتي تدعى “آلتا”- Elta Systems Ltd. والتي يصل دخلها السنوي إلى مليار دولار وتقيم مصانع واستثمارات كبرى في قارة أميركا الشمالية (الولايات المتحدة، كندا، والمكسيك).
في هذا السياق، فإن إنتاج وتطوير منظومتي “القبة الحديدية” و”مقلاع داود”، تحديدا، من بين تقنيات دفاعية أخرى، يضمن تدفقاً ثابتاً لإيرادات الشركة، كما أن التهديد المستمر من صواريخ غزة يساعد في الحفاظ على ارتفاع الطلب على منتجات “رفائيل” عالمياً.
يثير هذا الوضع سؤالاً نقديا حول مصلحة شركات مثل “رفائيل” في استمرار الصراع بين إسرائيل وغزة. وبالنظر إلى الصورة الأوسع، تعتبر الصناعة العسكرية الإسرائيلية عنصرا أساسيا في الاقتصاد الإسرائيلي. وفقاً لمعهد SIPRI، كانت إسرائيل ثامن أكبر مصدر للأسلحة في جميع أنحاء العالم في العام 2020. لذلك، لا تساهم شركات مثل “رفائيل” في الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي فحسب، بل توفر أيضاً الآلاف من الوظائف ذات الأجور المرتفعة في أنحاء العالم (عدد موظفيها نحو 8000 موظف)، إذ يرتبط نمو صناعتها وازدهارها، بطريقة ما، بحالة الصراع الدائمة مع غزة.
تتطلب العلاقة بين “رفائيل” والحكومة الإسرائيلية أيضاً التدقيق، خصوصاً أن الشركة مملوكة من قبل الدولة؛ بمعنى أن أرباح “رفائيل” تتدفق في نهاية المطاف إلى خزائن الحكومة الإسرائيلية. أما الحكومة، بدورها، فتخصص جزءاً كبيراً من ميزانيتها للإنفاق الدفاعي، وبالتالي إنشاء حلقة مفيدة للطرفين (السوق والدولة). هذه العلاقة تحفز، بشكل أو بآخر، استمرار حالة من الصراع الدائم، حيث ستستفيد الشركة والحكومة اقتصادياً، بالطبع في حال حيدنا هذه الجزئية (صناعة الدفاعات ضد الصواريخ) عن باقي أجزاء اللوحة الأوسع للحرب. ويبقى أن نشير إلى أن قدرات إسرائيل التكنولوجية – العسكرية، المتمثلة في أنظمة الدفاع المتطورة لـ”شركة رفائيل”، هي عنصر مهم في سياسة إسرائيل الخارجية حيث تحصل على الدعم من حلفائها الأقوياء مثل الولايات المتحدة.
تترك هذه المقالة أسئلة حساسة، ليس من السهل الإجابة عليها:
-كيف يؤثر الاقتصاد السياسي لتطوير منظومات الدفاع ضد الصواريخ (وتحديدا لاعبين أساسيين في رأس المال الإسرائيلي والأميركي والمنشغل في الصناعات الحربية) على قرارات الجيش الإسرائيلي في وضع نهاية حاسمة للتهديد الصاروخي القادم من غزة، في حال كان لدى الجيش الإسرائيلي هكذا خطط؟
-كيف ساهمت شركات كبرى في الصناعات العسكرية بإعادة صياغة وعي الجمهور الإسرائيلي حول مفاهيم أساسية مثل “التهديد الصاروخي”؟
-هل ساهمت هذه الشركات في تحويل الوعي الإسرائيلي تجاه صواريخ غزة إلى “حالة روتينية”، وإلى جزء أساس من الحياة الإسرائيلية، دون أن يعني الأمر قبولها؟
-هل يشارك فنيو ومهندسو هذه الشركات في ميدان الحرب، وهل يساهمون في إطالة أيام المواجهة لإجراء تجارب لا غنى عنها؟
(*) راجع التقرير كاملاً على موقع “مدار“.