النيجر ونيجيريا.. التداخل القبلي والجغرافي

3 آلاف قبيلة تتحدث أكثر من ألفي لغة، ويصل عدد أفراد بعضها إلى 12 مليون نسمة. إنها إفريقيا قارة الأزمات والفرص، وبرغم تفردها بميزة تشابه معظم سكانها بلون بشرتهم، إلا أنه ما بين بلد وبلد؛ قبيلة وقبيلة، هناك اختلاف واسع من حيث اللغة، الدين، العادات والتقاليد والأفكار. في هذه القارة، تخطى العامل القبلي حدود القبيلة، فصار جزءًا من نزاعات إقليمية.

تشترك نيجيريا والنّيجر في عدد من الرّوابط التّاريخيّة والعرقيّة والقبليّة؛ فالسّكّان على جانبي الحدود يتحدّثون اللغة نفسها، إضافةً إلى وجود عوامل أخرى تجعل البلدين يتشابهان كثيرًا، كتعدّد القبائل الّتي تشكّل مجتمعاتهما، وتترأّس تلك القبائل “الهوسا”، وهي قبيلة تشكّل أكثر من نصف التّوزيع الدّيموغرافيّ لنيجيريا والنّيجر.

مؤخّرًا حصل إنقلاب هو الخامس في غضون خمسة عقود في النّيجر، وكأيّ انقلاب يحدث في دول عالم الجنوب، حاول الكثيرون رسم ملامحه بقلم التّحوّلات العالميّة، لا سيّما في إطار تشكّل نظام عالميّ جديد. لكن في إفريقيا، موطن الثّلاثة آلاف قبيلة، لا يمكن فصل تلك الأحداث عن تحرّكات القبائل ودورها في كلّ بلد. زدْ على ذلك أنّ معظم شعوب تلك القارّة يحكمها، إلى جانب الدّولة، نظام قبليّ وإثنيّ قد يكون في بعض الأحيان مؤثّرًا أكثر من الدّولة على أفراد القبيلة.

في النّيجر أيضًا، تحوّلت الأنظار إلى محمد بازوم، الرّئيس المُنقَلب عليه، والّذي شكّل انتماؤه الى قبيلة “الميايسة”- وهي أقلّيّة عربيّة في النّيجر- صدمةً بعد انتخابه رئيسًا للبلاد. ولذلك، وأثناء فترة التّحشيد الانتخابيّ، حاول منافسوه استغلال ذلك العامل ضدّه، فشكّكوا بحصوله على الجنسيّة النّيجيريّة. بلغت حدّة المنافسة الّتي كانت تقودها “الهوسا”، حد عدم اعتراف مرشّح القبيلة الآنفة الذّكر “ماهمان عثمان” بنتائج الإنتخابات. ووسط ذلك التّدافع الانتخابيّ، تفجّرت الأوضاع في نيامي من خلال محاولة انقلابية على بازوم عشيّة تنصيبه عام 2021. وبعد كلّ ذلك، ليس من المستغرب أن يكون قائد الانقلاب الأخير ورئيس المجلس العسكريّ عبد الرّحمن تياني، ينتمي إلى قبيلة “الهوسا”. وللمفارقة، كان تياني القائد الّذي أفشل تلك المحاولة قبل سنتين.

رئيس المجلس العسكريّ الحالي في النّيجر، عبد الرحمن تياني، ينتمي الى قبيلة “الهوسا”، وفي حال تمكّنه من السّيطرة على النّيجر، فقد يصبح رئيس نيجيريا أمام خطر موجة مشكّلة من “الهوسا”، ما يُهدّد سلطته في نيجيريا في حال تبادل أفراد تلك القبيلة الدّعم، وتشكيل منطقة أو إقليم خاصّ بهم

منافس آخر في نيجيريا 

برز حرص رئيس نيجيريا بولا تينوبو، منذ حدوث الانقلاب الأخير في النّيجر، على رفض أي محاولة للإستيلاء على كرسي الرّئاسة. وهنا يجب ذكر بعض المعطيات لفهم ما وراء الأكمة؛ فرئيس نيجيريا ينتمي الى قبيلة “اليوروبا”، وهي قبيلة تسكن جنوب نيجيريا، ولها تاريخ مشبع بالأزمات مع قبيلة “الهوسا” التي تتّخذ من الشّمال موطنًا لها إلى جانب قبيلة “الفولاني”. وفي سياق صراع قبيلتي الجنوب والشمال، تبرز حوادث عدّة، ولعل أبرزها ما حصل في 13 آب/أغسطس عام 2004، حين قامت جماعات مسيحيّة من “اليوروبا” بهجمات وسط البلاد، قتل فيها المئات من مسلمي “الهوسا”. ولطالما اتُّهمت الأخيرة بالسّيطرة على الجيش من قبل “اليوروبا”.

في سياق متّصل، عاد التّوتّر بين القبيلتين إلى الواجهة، وكان ذلك أثناء الانتخابات الأخيرة الّتي أجريت في نيجيريا. وشكّك الكثير من الشّماليّين – معقل “الهوسا” و”الفولاني” – بديانة رئيس نيجيريا تينوبو، إذ اتُّهم بأنّه مرتدّ عن الإسلام، وهي ديانة القبيلتين آنفتي الذّكر. وتمدّد الخلاف إلى حين حصول الانقلاب في النّيجر. فبعد موقف الرّئيس تينوبو الحازم تجاه الانقلاب العسكريّ، انطلقت مسيرات في ولاية كانو في شمال نيجيريا ذات الغالبيّة “الفولانيّة”، تخلّلتها دعوات إلى عدم التّدخّل العسكريّ في النّيجر. ويُعدّ تينوبو من أبرز الدّاعمين للتّدخّل العسكريّ في النّيجر، وقد دعا إلى ذلك من خلال عضويّة بلاده في المجموعة الاقتصاديّة لغرب إفريقيا (إيكواس).

إضافةً إلى ذلك، وفي سياق العلاقة الوثيقة بين قبيلة “الهوسا” الّتي ينتمي إليها تياني، وقبيلة “الفولاني” الّتي شهدت مناطقها مظاهرات مندّدة بقرار التّدخّل العسكريّ، كانت لافتة للإنتباه الزيارة المهمّة التي قام بها شيخ الطّريقة التّيجانيّة في نيجيريا الشّيخ محمد السّنوسّي إلى عاصمة النّيجر نيامي، حيث التقى هنالك برفقة الشّيخ “أبو بكر أومالو” قائد الانقلاب الجنرال عبد الرّحمن تياني. وقد كان السّنوسّي أميرًا لولاية “كانو”، وهو من قبيلة “الفولاني”.

على المقلب الآخر، كان من اللّافت للنظر أيضًا استقبال قادة الانقلاب في النّيجر وفدًا من رجال دين النيجيريين، أتى من شمال نيجيريا (ينتمي إلى قبيلة “الهوسا”)، وعلى رأسه الشيخ عبدالله بالا لاو. حصل ذلك في 11 آب/أغسطس، أي بعد ثلاثة أيّام من رفض المجلس العسكريّ استقبال وفد مفاوض من “ايكواس”.

لماذا تبدل موقف “إيكواس”؟

وبهدف فهم سبب رفض “الهوسا” و”الفولاني” التّدخّل العسكريّ، يجدر التّذكير بأنّ رئيس المجلس العسكريّ الحالي في النّيجر، عبد الرحمن تياني، ينتمي الى قبيلة “الهوسا”، وفي حال تمكّنه من السّيطرة على النّيجر، فقد يصبح رئيس نيجيريا أمام خطر موجة مشكّلة من “الهوسا”، ما يُهدّد سلطته في نيجيريا في حال تبادل أفراد تلك القبيلة الدّعم، وتشكيل منطقة أو إقليم خاصّ بهم، من الممكن أن يكون لتدخّل “إيكواس” أثر على تضامن الرّوح القبليّة بين جانبي الحدود، وبخاصّة أنّهم يقطنون في مناطق حدودية شمال نيجيريا وجنوب النّيجر.

إقرأ على موقع 180  أثر إعتذار مصطفى أديب على مسار تشكيل الحكومات

وفي سرد زمنيّ لتطوّر مواقف “إيكواس” حيال الحدث في النّيجر، يمكن إيراد الآتي: بعد حدوث الانقلاب في النّيجر، اتّسم موقف “إيكواس” بالصّرامة والتّصميم على التّدخّل العسكريّ في النّيجر، وكان قادة “إيكواس” قد حدّدوا موعدًا كمهلة للمجلس العسكريّ في النّيجر لإعادة السّلطة إلى الرّئيس بازوم، وبعد انتهاء المهلة المحدّدة، سارعت دول “إيكواس” إلى تجديد المهلة، ولكنّها أبقت قرارها القاضي بالتّدخّل العسكريّ. ولكن سرعان ما تبدّل هذا الموقف بعد تتالي الزّيارات الّتي قام بها أفراد قبائل “الهوسا” و”الفولاني”، حيث أضيفت عبارات “الإبقاء على التّدخّل العسكريّ مع فتح المجال أمام المفاوضات السّياسيّة”. من هنا تبيّن مدى التعويل على تلك الزّيارات، إذ أنها أحدثت خرقًا في جبهة “إيكواس” بعدما صار مرجحًا أنّ الطّريق مسدود أمام إحتمال التّدخّل العسكريّ، فيما يستمر تدحرج الإنقلابات في القارة الإفريقية.. وآخرها إنقلاب الغابون.

Print Friendly, PDF & Email
عباس طالب عثمان

صحافي لبناني

Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  هكذا أُعمي بصر إفريقيا بوعود إسرائيل