تعرف جون بولتون على لبنان في ثمانينيات القرن الماضي. كان محاميا وجمهوريا متحمسا. تقول شخصية لبنانية خدمت في الولايات المتحدة إن بولتون كان متحمسا لقرار إدارة رونالد ريغان الجمهورية بدعم إجتياح إسرائيل للبنان في العام 1982 لضرب أربعة عصافير بحجر واحد: إخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، القضاء على الحركة الوطنية اللبنانية، إخراج الجيش السوري من بيروت إلى البقاع، إنتخاب بشير الجميل رئيسا للجمهورية تمهيداً لإقامة سلام دائم بين لبنان وإسرائيل.
مسار توغل فيه مع إدارة جورج بوش الأب ثم جورج بوش الإبن وبلغ ذروته في العام 2004 مع صدور القرار الدولي الرقم 1559 الذي وضع لبنان على خط الزلازل. يقول رئيس “التحالف الأميركي الشرق اوسطي لدعم الديمقراطية” طوم حرب لموقع إيلاف السعودي إنه بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، “أطلقنا حركة في الولايات المتحدة للضغط بإتجاه صدور قرار من مجلس الأمن يطلب انسحاب الجيش السوري، وتجريد حزب الله من سلاحه، وتصاعدت وتيرة عملنا اثر صدور قرار معاقبة سوريا من قبل الكونغرس الأميركي”. ساهم عدد من كبار المسؤولين الأميركيين في تعبيد الطريق أمام صدور القرار 1559 وأبرزهم بالإضافة إلى بولتون (وكيل وزارة الخارجية الأميركية للحد من التسلح وشؤون الأمن الدولي، آنذاك)، نائب مستشار الأمن القومي (2003 ـ 2004) اليوت ابرامز، مسؤول ملف الشرق الأوسط في وزارة الدفاع بيتر رودمان، السفير الأميركي في الأمم المتحدة يومذاك جون نيغروبونتي.
منذ تلك الفترة، إكتشف اللوبي العامل على خط القرار 1559 أن بولتون “على إلمام تام بإيران وتصرفاتها في الشرق الأوسط، وكذلك حزب الله ومراكز سيطرته وثقله في لبنان، والعلاقات السورية -الإيرانية وتأثيرها على لبنان من خلال حزب الله والوجود السوري”، ويكشف حرب أن بولتون اعلن في احد الإجتماعات في آذار/مارس 2004 التزامه بالعمل قدر استطاعته وبالتنسيق مع مجلس الامن القومي ووزارة الدفاع ومع المبعوث الأميركي في الأمم المتحدة لصياغة قرار هادف الى انسحاب السوريين من لبنان، ونزع سلاح حزب الله”، ويختم بالقول أننا “كنا قد وضعنا مذكرة للقرار 1559 في ربيع العام 2004 نشرت في الإعلام، ثم صدر القرار الدولي في أيلول/سبتمبر 2004 وتضمن النقاط نفسها التي طالبنا بتطبيقها”.
مع إغتيال رفيق الحريري في شباط/فبراير 2005، إتخذ بولتون موقفا أكثر تطرفا، خصوصا بعد توليه منصب سفير الولايات المتحدة في الأمم المتحدة.
وقعت حرب تموز/يوليو 2006، وكانت كوندوليسا رايس وزير الخارجية الأميركية آنذاك محاطة بفريق متحمس بلا هوادة لتل أبيب. أليوت أبرامز في تل أبيب. بولتون في الأمم المتحدة، وفريق كبير في الخارجية والبنتاغون يعمل للتوصل إلى نتيجة واحدة بالتفاوض أو الحرب. كان بولتون منذ اليوم الأول يريد سحق حزب الله وإصدار قرار دولي تحت الفصل السابع لإدخال أربعين الف عسكري الى جنوب الليطاني ومناطق أخرى في لبنان ونزع سلاح حزب الله، على حد تعبير توم حرب.
وعندما كان بعض وزراء الخارجية العرب يحاولون إنتزاع وقف للنار، بدا الإسرائيليون في الأمم المتحدة أكثر تساهلا من بولتون نفسه، فما أن تأكد الأخير أن الحرب لن تنتهي بالصورة التي إشتهاها (تحطيم عظام مقاتلي حزب الله)، إضطر للرضوخ إلى منطق وقف الحرب الذي تبنته كوندوليسا رايس منذ مطلع آب/ أغسطس 2006 للحد من خسائر إسرائيل.
وعندما وجه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مؤخرا برقية إلى وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف يبدي فيها تضامنه مع شخصه بعد إعلان الإدارة الأمريكية فرض عقوبات عليه، إستحضر كلاما لمسؤول عربي نقلا عن بولتون.
المسؤول العربي هو حمد بن جاسم وزير الخارجية القطري السابق الذي كان يقود المفاوضات باسم المجموعة العربية في نيويورك، بينما كان بولتون حينذاك مندوب الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي.
قال غيلرمان لمجلة ديلي بيست: “اتصل بولتون بي عند الساعة الثامنة مساء آنذاك، أي الساعة الثالثة فجراً بتوقيت إسرائيل، وقال لي: إتصل برئيس وزرائك (أولمرت) وأخبره أنّ كوندي رايس باعتكم للفرنسيين”.
قال بولتون للمسؤول العربي (حمد بن جاسم) أن “لا مجال للعمل الدبلوماسي، لأن الحرب لن تتوقف إلا بسحق حزب الله أو استسلامه”. بعد أسابيع قليلة، قال بولتون للمسؤول العربي نفسه (بن جاسم): “علينا أن نوقف الحرب الآن”. فقال له المسؤول العربي (بن جاسم): وهل سحقتم حزب الله؟ فقال بولتون: لا. سأله المسؤول العربي (بن جاسم): وهل استسلم حزب الله؟ فأجاب بولتون: لا. سأله المسؤول العربي (بن جاسم): إذا لماذا توقفون الحرب؟ قال بولتون: “إسرائيل ستتعرض لكارثة كبيرة إذا استمرت الحرب”.
في السياق نفسه، كشفت مجلة ديلي بيست الأميركية قبل سنوات أنّ بولتون وعندما كان سفيرا في الأمم المتحدة “زوّد الإسرائيليين، إبان حرب تموز/يوليو 2006، بمعلومات حساسة بشأن الخطط الأميركية في مجلس الأمن من دون معرفة وزارة الخارجية الأميركية”.
ونقلت المجلة عن سفير اسرائيل وقتذاك لدى الأمم المتحدة دان غيلرمان أن بولتون اتصل به مرات عدة “وحذرني من أنّ بعثته، أي بعثة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة، توشك على التصويت ضد إسرائيل (رفض وقف الحرب)، وطلب مني أن أبلغ رئيس الوزراء آنذاك، إيهود أولمرت، بذلك، واتصل رئيس الوزراء بالرئيس الأميركي جورج بوش الإبن آنذاك مرات عدة وتمكّن من إبطال قرار وزارة الخارجية”.
وقال غيلرمان لمجلة ديلي بيست: “اتصل بولتون بي عند الساعة الثامنة مساء آنذاك، أي الساعة الثالثة فجراً بتوقيت إسرائيل، وقال لي: إتصل برئيس وزرائك (أولمرت) وأخبره أنّ كوندي رايس باعتكم للفرنسيين”.
وعندما سألت المجلة إيهود أولمرت عن صحة رواية غيلرمان، أجاب أن الرواية صحيحة، موضحا أن “المساعدة” التي قدمها بولتون لإسرائيل في حرب 2006 “مذكورة في كتاب First Person الذي يروي سيرته الذاتية.
وذكّرت المجلة أن رايس أكدت في كتاب سيرتها الذاتية في العام 2011 أنّها علمت بعد مرور “عدة سنوات” من إنتهاء عملها في وزارة الخارجية، أنّ بولتون “كان يشارك الإسرائيليين معلومات عبر مندوبهم لدى الأمم المتحدة من دون إذن يمنحه حقاً بذلك”.
وقد علّق بولتون على تصريحات رايس بالقول “كنت أبقي الإسرائيليين على إطلاع على وضع المفاوضات بالطبع. فهكذا تتم معاملة الحلفاء المقربين”.
بولتون لم يخف، في حديث مع محطة “بي بي سي” حقيقة المشاعر الأميركية ازاء هزيمة اسرائيل بقوله إن “الولايات المتحدة أرادت ان تقوم اسرائيل بالقضاء على القدرات العسكرية لحزب الله قبل اعلان اي هدنة. وقررت الانضمام الى جهود انهاء الازمة، حين اتضح لها بأن الحملة العسكرية الاسرائيلية لم تكن تعمل، اصيبت (واشنطن) بالإحباط بسبب فشل اسرائيل في التخلص من تهديد حزب الله وغياب اي مسعى لنزع سلاحه”.