كيف يؤثر إفلاس “توماس كوك” على السياحة العربية؟
سُياح يسيرون أمام شباك توماس كوك في مطار هيراكليون في جزيرة كريت اليونانية يوم الاثنين. تصوير: ستيفانوس رابانيس - رويترز

في التراث الشعبي المصري، ثمة قصة ذات دلالة على أهمية وقوة ونفوذ شركة "توماس كوك": يُحكى أن الرحالة جورج ستيفنز سأل شيخاً لإحدى القبائل في الأقصر عام 1898 عن رأيه في سياسات اللورد كرومر، المندوب السامي البريطاني، فأجاب الشيخ بأنه لا يعرف من هو كرومر، ليسأله عن جون ماسون كوك، ابن توماس كوك، ليجيب الشيخ فوراً أنّ لا أحد في مصر لا يعرفه.

مثل جبل جليدي، كان متصدعاً ثم هوى، انهارت “توماس كوك” البريطانية، أقدم شركات السياحة والسفر في العالم.

المربك في الأمر أن ما حدث كان متوقعاً بسبب المتاعب التي واجهتها الشركة خلال السنوات الأخيرة، لكن الصدمة كانت في هول المفاجأة، ذلك أن إعلان الخبر جاء بين عشية وضحاها، مخلفاً مئات الآلاف من السياح العالقين حول العالم، بالإضافة إلى آلاف الموظفين المشردين، بل ويشاع أن الطيارين عرفوا الخبر وهم في الجو، فانهار بعضهم في البكاء.

الشركة التي تقدم خدماتها لحوالي 19 مليون مسافر سنوياً، في 16 دولة، كان لديها في لحظة إعلان الإفلاس 600 ألف عميل يقضون إجازاتهم في العديد من الدول حول العالم، في وقت لا يبدو أن العالم العربي سيخرج من هذه “الكارثة” دونما تداعيات مباشرة.

يتوقع خبراء السياحة العربية خسائر مليونية للقطاع السياحي في مصر وتونس والمغرب – مع العلم أنها الأقل تضرراً- وهي أبرز الوجهات العربية لشركة “توماس كوك”.

إرباك في مصر

قبل أسبوعين، لم يكن حسام الشاعر، رئيس مجلس إدارة “بلوسكاي” للسياحة، ووكيل شركة “توماس كوك” البريطانية في مصر، يدري أنه على وشك تكبد خسارة هائلة، وهو يتحدث بثقة للصحافيين قائلاً: نستهدف زيادة عدد السياح القادمين إلى مصر عن طريق شركتنا إلى ما يتراوح بين 30- 35 في المئة.

كان حسام الشاعر قد تمكّن في العام الماضي من جلب حوالي نصف مليون سائح إلى مصر، لكن إفلاس الشركة ضرب خططه في مقتل.

وتسبب إعلان خبر الإفلاس بأثر فوري تمثل في إلغاء 25 ألف حجز سياحي في مصر حتى نيسان/أبريل 2020.

الجدير بالذكر أنّ الحركة السياحية في مصر كانت تنبئ بموسم واعد، بعدما ارتفعت أعداد السياح بشكل هائل عام 2018 بنسبة وصلت إلى 47.5 في المئة، ليصل العدد إلى 9.8 مليون سائح، وهو ما أسهم في ارتفاع عدد الليالي السياحية إلى 102.6 مليون عام 2018، في مقابل 51 مليون فقط عام 2017، وذلك بسبب تراجع المخاوف الأمنية وتحرير سعر الصرف مما خفض من قيمة الجنيه المصري.

وكانت التوقعات تشير إلى أن نسب الحجوزات سترتفع بنسبة تصل إلى 50 في المئة خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر المقبل على شواطئ البحر الأحمر ومنتجعات جنوب سيناء، لكن عوضاً عن ذلك سادت حالة من الارتباك في مدينتي الغردقة ومرسى علم بالتحديد، وبخاصة في الفنادق والمنتجعات التي تتعامل بشكل حصري مع “توماس كوك”، حيث كانت الشركة تسير حوالي 22 رحلة أسبوعية إلى الغردقة، ورحلة إلى مرسى علم، فيما يتواجد حتى الآن حوالي 1600 سائح تابعين للشركة هناك.

لكنّ شركة “أوراسكوم للتنمية – مصر” التي تتعامل مع شركة “توماس كوك” أكدت أنها لن تتأثر بقوة لأن إجمالي الغرف المخصصة للشركة يبلغ 244 من بين 7082 غرفة وهو ما يمثل حوالي 1.4 في المئة من إيرادات فنادق الجونة التابعة لـ”أوراسكوم”.

تونس اكبر المتضريين

الأمر يبدو أكثر جدية بالنسبة إلى تونس، فوزير السياحة التونسي روني الطرابلسي كشف عن أن حوالي 45 فندقاً تأثر بانهيار “توماس كوك”، كاشفاً عن مساعي حكومية لمساعدة هذه الفنادق عبر قروض ميسرة.

وأوضح الطرابلسي أن أن “توماس كوك” مدينة للفنادق التونسية بنحو 60 مليون يورو، موجهاً رسالة طمأنة للجميع بأن نسبة مساهمة الشركة المفلسة في القطاع السياحي لا تتجاوز 3.5 في المئة.

وكشف الوزير التونسي عن اجتماع طارئ عقد مع السفيرة البريطانية في تونس وأصحاب الفنادق المتضررة، تخلله تعهّد من الحكومة البريطانية بدفع ديون “توماس كوك”، بعدما أعادت نحو 1200 سائح بريطاني عبر إرسالها طائرات إلى مطار النفيضة التونسي، بينما لا يزال حوالي أربعة آلاف سائح يكملون عطلاتهم في تونس.

ودخل “اتحاد النزل التونسي” على خط الأزمة معرباً عن قلقه العميق من مصير الفنادق التي كانت تعمل بشكل كامل مع “توماس كوك”، موضحاً أن هناك مئة فندق في مدينة الحمامات وجزيرة جربة تضررت بشكل كامل بعد انهيار الشركة.

ووفقاً للأرقام الرسمية يزور تونس حوالي 205 آلاف سائح عبر شركة “توماس كوك” من بينهم 10 في المئة فقط من السياح البريطانيين، مع العلم بأنّ القطاع السياحي التونسي يساهم بحوالي 8 المئة من الناتج المحلي بالبلاد، وهو يعتبر مصدراً رئيسياً للعملات الأجنبية.

وكان خبراء في القطاع يتوقعون تدفق 50 ألف سائح بريطاني عبر شركة “توماس كوك” حتى نهاية العام الجاري.

ويقول المهدي علاني، وهو مدير فندق سلطان في الحمامات، إنه كان يمتلك عقداً خاصاً مع “توماس كوك” لاستقبال سياح من بريطانيا وألمانيا وبلجيكا، وهو ما يمثل أكثر من ثلث عائدات الفندق السنوية، لكنه حتى الآن لم يستطيع تحصيل فواتير الأشهر الثلاثة الأخيرة، بقيمة تعادل حوالي 900 ألف يورو.

إقرأ على موقع 180  لبنان: إنتهى زمن المعجزات.. إنه زمن العجز

منى بن حليمة، المتحدثة باسم “الاتحاد التونسي للنزل”، كشفت عن مناقشة الاتحاد لإقامة دعوى جماعية في لندن لكي تضمن الفنادق نسبة 20- 25 في المئة من ديونها على الأقل، مؤكدة أن الخسائر تجاوزت 60 مليون يورو من خلال 40 فندقاً على الأقل، لكن هذا على ما يبدو لن يكون أمراً مطروحاً بعد التعهد البريطاني بسداد المستحقات لكن دون تحديد الجدول الزمني.

بيد أن ضربة إفلاس “توماس كوك” ستلقي بظلالها على القطاع السياحي التونسي الذي ما زال يتعافى من آثار الهجمات الإرهابية التي وقعت عام 2015، وأسفرت عن مقتل 60 شخصاً عقب الهجوم على متحف باردو في العاصمة، وأحد فنادق سوسة، فيما يتوقع استقبال حوالي تسعة ملايين سائح بحلول نهاية العام الجاري.

وفي عام 2018 ارتفعت أعداد السياح في تونس إلى نحو 8.3 ملايين سائح، أي أكثر من عام 2010، قبيل الثورة التونسية. وتشير الأرقام إلى أنه حتى منتصف شهر آب/أغسطس الماضي زار تونس 6.6 ملايين سائح.

المغرب الأقلّ تضرراً

المغرب هو الأقل تضرراً من بين الدول العربية. وقد شُكلت لجنة طوارئ لمتابعة الأزمة بعد إفلاس “توماس كوك”.

وكانت “توماس كوك” تسهم بنحو 102 ألف سائح سنوياً من إجمالي عدد السياح القادمين إلى المغرب، فضلاً عن حوالي 50 ألف مقعد في رحلات شارتر”.

لكن منذ مطلع العام الحالي، فشلت “توماس كوك في” تنفيذ التزاماتها بحوالي 40 في المئة، وهو ما كان ينذر بخسارة حوالي 40 ألف سائح تقريباً.

وتضررت عشرة فنادق في مدينة أغادير بشكل مباشر، حيث تقدر خسائرها بحوالي ثلاثة ملايين يورو مباشرة، بالإضافة إلى حوالي مليوني ونصف المليون يورو من الخدمات والمنتجات السياحية.

ويسعى المغرب إلى زيادة الدخل من القطاع السياحي ليصل إلى 15 مليار دولار سنوياً. ولا يبدو أن أزمة “توماس كوك” ستعطل هذه الجهود لأن مساهمتها في المغرب المغرب لا تتجاوز 0.8 في المئة.

الإفلاس المفاجئ لـ”توماس كوك” شكل مأساة للعديد من السياح حول العالم، فهناك 150 ألف سائح بريطاني يقضون عطلاتهم في بلدان مختلة من خلال خدمات هذه الشركة، بينما هناك 140 ألف سائح ألماني يعيشون في ذات المعاناة.

وفي فرنسا، أعلن اتحاد شركات السفر أن 10 آلاف سائح تأثروا بإفلاس “توماس كوك”، فيما يواجه 35 ألف سائح من الدول الإسكندنافية المشكلة ذاتها.

وأما في اليونان فأعلنت وزارة السياحية عن 50 ألف سائح عالق حول العالم.

برغم التطمينات الواردة من كل صوب وحدب بشأن تغطية الخسائر الهائلة الناجمة عن إفلاس “توماس كوك”، إلا أن الأضرار التي أصابت القطاع السياحي في مصر وتونس على وجه الخصوص تحتاج إلى جهود هائلة لتجاوزها للاستمرار في الطفرة السياحية التي تم تحقيقها العام الماضي.

لا أثر مباشراً على لبنان

في لبنان، أكد وزير السياحة أفاديس كيدانيان، في حديث إلى إذاعة “سبوتنيك” الروسية، إنّ التأثير المباشر لانهيار توماس كوك على القطاع السياحي ليس كبيرا.

وأوضح كيدانيان: “لا توجد عقود مع الشركة، والحجوزات تأتي إلى لبنان مباشرة مع الشركات اللبنانية الصغيرة، ولا تمر عبر شركة مثل توماس كوك، لكن هناك ارتدادات سلبية على المستثمرين في القطاع السياحي”.

وأكد الوزير اللبناني أن “دول الجوار تأثرت مباشرة، وبشكل كبير”.

وكشف الوزير اللبناني عن “حالة سابقة لتعثر إحدى الشركات في لبنان، ما تسبب في بقاء عدد من المواطنين خارج البلاد، ما دفع الحكومة بالشراكة مع الشركات السياحية لتأمين عودتهم”.

وفي حالة “توماس كوك” قال كيدانيان: “الأمر مختلف نظرا لانتشارها في عدد كبير من الدول، ما يفرض على كل دولة ان تقوم بمقاربة معينة تجاه مواطنيها، سواء عن طريق الحكومات أو هيئات تنشيط السياحة لمساعدة مواطنيها على العودة”.

 

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  ثورة الفيروس.. الثورة الخامسة!