حزب الله مربكاً في مواجهة الحراك.. إلى أين

Avatar18025/10/2019
أعفى حزب الله جمهوره من كل ميادين وساحات الحراك الشعبي.. ما لم يدركه خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أن ثقة الشارع اللبناني بالطبقة السياسية في لبنان معدومة، لذلك، تبدو إستعادتها مهمة شاقة وطويلة وبحاجة إلى صدمات متتالية وليس إلى مسكنات. أقله هذا ما يشي به حراك الشارع منذ ثمانية أيام حتى الآن، والمنتظر أن يتسع أكثر فأكثر في الساعات المقبلة، حسب تقديرات مجموعات الحراك.

هي الإطلالة الثانية للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في أسبوع واحد، وعلى وقع حراك شعبي غير مسبوق في تاريخ لبنان منذ الإستقلال حتى يومنا هذا.
في الشكل، بدا أن هناك قوة سياسية وحيدة تملك شجاعة أن تقول للبنانيين، ما تعتقده خطأ أم صوابا، وهذه نقطة تسجل للحزب، بمعزل عن نظرة الآخرين للصح والخطأ في الخطاب نفسه. أيضا بدا حزب الله من خلال خطاب نصرالله، منحازا للحراك الشعبي، أقله في بداياته، بتأكيده أنه كان حراكا عفويا وصادقا وعابرا للطوائف والمناطق ويعبر عن هموم الناس وآلامها وآمالها. ماذا عن أبرز نقاط الخطاب؟
أولا، أقر نصرالله بأن الحراك هو صاحب الفضل الأول والأخير في فرض موازنة جديدة خالية من ضرائب ورسوم تطال الفقراء، للمرة الأولى منذ سنوات طويلة، وكذلك فرض رزمة إجراءات إقتصادية إصلاحية أقرتها الحكومة اللبنانية، يوم الإثنين الماضي، تحت ضغط الشارع، بينما كان حزب الله على مدى سنة ونصف السنة كالصوت الصارخ في البرية. ينادي بمحاربة الفساد ويهدد بتقديم ملفات ولا أحد يتجاوب معه، بسبب تجذر منظومة الفساد وشمولها المفاصل الرقابية المالية في الدولة اللبنانية.
ثانيا، أخذ نصرالله على عاتقه أن حزب الله سيشكل الرقيب والحسيب في ما يخص تنفيذ الورقة الإصلاحية، عبر ملاحقة الحكومة في ما يتصل بالمراسيم والقرارات التي تعتبر في صلب مسؤولياتها وصلاحياتها، وكذلك تحويل مجلس النواب إلى خلية نحل من أجل تحويل بعض القرارات إلى مشاريع قوانين، ولا سيما ما يتصل بإسترداد الأموال المنهوبة، وكل ذلك في سياق برنامج زمني محدد.

“كي الوعي”، هذا المصطلح درجت العادة أن يستخدمه الإسرائيليون في معرض تقديس قوتهم العسكرية وجعلها تحفر عميقا في وعي جمهورهم

ثالثا، ركز نصرالله على نقطة بالغة الأهمية، وهي “كي الوعي”، وهذا المصطلح درجت العادة أن يستخدمه الإسرائيليون في معرض تقديس قوتهم العسكرية وجعلها تحفر عميقا في وعي جمهورهم، وفي المقابل، تكريس وعي الهزيمة عند الفلسطيني وكل “عدو” آخر. هذا المصطلح صار بعد العام 2000 وحتى يومنا هذا في صلب إستراتيجية المقاومة في لبنان وفلسطين بتركيزها على كسر أساطير حفرت عميقا في ذاكرة الإسرائيليين، بدليل التركيز على كيفية تحول الجيش الذي لا يقهر من قوة هجومية لا يقف بوجهها أحد إلى قوة دفاعية صارت تحسب ألف حساب للمقاومة.
هذه المرة، جاء إستخدام “كي الوعي” للدلالة على حالة الهلع التي أصابت وتصيب معظم الطبقة السياسية التي شاركت أو إستفادت من منظومة فساد عمرها من عمر إتفاق الطائف من العام 1989 حتى يومنا هذا.
رابعا، لامس نصرالله نقطة معنوية هامة بتشديده على إستعادة ثقة الناس بنفسها وقدرتها على التغيير، بدليل من جاء من المغتربات للمشاركة في حراك الميادين والساحات. ثقة جعلت اللبنانيين يستعيدون إيمانهم ببلدهم وأن الهجرة ليست نهاية المطاف وأن الواقع المرير ليس أبديا بل يمكن تحسينه لا بل تغييره.
خامسا، ركز نصرالله في بداية خطابه، كما في نهايته، على قضية إشكالية، عبر دعوته المعتصمين في الساحات إلى تشكيل وفود تنوب عن ساحاتهم لمحاورة رئيس الجمهورية وعرض مطالبهم عليه، وذلك تحت ضغط إستمرار الحراك والإحتجاج، لكن شريطة إنهاء ظاهرة قطع الطرق، لما تتسبب به من ضرر على الناس الموجوعين أصلا، فضلا عن التحذير من فئات تريد أن تتسلق الحراك، فتعمد من خلال قطع الطرق وإقامة الحواجز إلى فرض خوات على المواطنين أو إضفاء طابع ميليشياوي يذكر بأيام الحرب الأهلية، من خلال الطلب من العابرين إبراز هوياتهم. وإستخدم في نهاية خطابه جملة حمالة أوجه كثيرة، بقوله إنه إذا رفض الحراك تشكيل وفود للتفاوض مع رئيس الجمهورية “عندها يكون وراء الأكمة ما وراءها”!
سادسا، أبرز نصرالله نقطة حساسة عبر مطالبته الجيش اللبناني بحماية المتظاهرين في الساحات والميادين أولا، نافيا أن يكون هدف حزب الله هو دفع الجيش للإصطدام بالمتظاهرين، وأعطى أمثلة على ذلك، عندما إستشارته قيادة الجيش اللبناني (في زمن قائده ميشال سليمان) في العام 2005، حيث كان رده عليها برفض أية محاولة للتعامل بعنف مع تظاهرة الرابع عشر من آذار/مارس 2005، وإصراره على تحمل الجيش مسؤوليته في حماية هؤلاء المتظاهرين.

ذهب أبعد من ذلك عندما عبر عن خشية من “أخذ البلد إلى الحرب الأهلية”

هذه النقاط التي يصح القول عنها إنها ليست قضايا إشكالية في خطاب الأمين العام لحزب الله، لكن ماذا عن العناوين الإشكالية:
أولا، طرح نقطة كان قد أشار إليها في خطابه قبل ستة أيام، عندما حذر من محاذير وخطورة الفراغ السياسي، لكنه إستعمل هذه المرة مفردات أكثر قوة، إذ أنه إعتبر أن الفراغ “قاتل”، وقد يوصل في ظل التوترات السياسية في لبنان والإقليم والوضع الإقتصادي والإجتماعي إلى الفلتان ثم الفوضى فالإنهيار، لا بل ذهب أبعد من ذلك عندما عبر عن خشية من “أخذ البلد إلى الحرب الأهلية”.
ثانيا، حدد نصرالله، ومن موقع القوة السياسية القادرة والمقتدرة، سقف الممكن والمستحيل أمام الحراك الشعبي، فرسم خطين أحمرين حيال العهد والإنتخابات النيابية المبكرة، وذلك إستكمالا لخطابه السابق الذي قال فيه إن محاولة إسقاط العهد الحالي خط أحمر، وأن إجراء إنتخابات نيابية اليوم سيعيد إنتاج المجلس النيابي الحالي بمعظم وجوهه مع تعديلات طفيفة.
واللافت للإنتباه أن نصرالله إستخدم تعبيرا ملطفا في الموضوع الحكومي، إستكمالا لنبرة خطابه السابق، بحيث قال إنه لا يؤيد إسقاط الحكومة، مثلما قال قبلها إن ورقة الإجراءات ستكون مسؤولية الحكومة الحالية والمسؤولون الحكوميون الذين سيأتون من بعدها، تاركا الباب مفتوحا، في هذه النقطة بالذات، أمام ما يمكن أن يتفق عليه أهل السلطة أنفسهم، خصوصا بعد أن كان رئيس الجمهورية ميشال عون قد فتح الباب، أمس الخميس، بقوله إنه بات من الضرورة إعادة النظر بالوضع الحكومي، قبل أن يلاقيه الحريري ومن ثم يطلق البطريرك الماروني بشارة الراعي مبادرة في إتجاه تغيير الحكومة كلها لمصلحة حكومة مصغرة غير سياسية.

قدّم نصرالله ما قال عنها إنها معلومات قطعية (لديه أسماء وبرنامج ومن يتولى الإدارة في الخارج)، وترك الباب مفتوحا أمام التحفظ عندما قال إنه يعبر بالحد الأدنى عن خشية بأخذ الحراك ومعه البلد إلى مقلب مختلف

ثالثا، أثار نصرالله قضية بالغة الخطورة سياسيا، لا تتعلق بحزب الله وحده، بل بمجمل الحراك الشعبي. قال إن ما بدأ عفويا وشعبيا ولا حضور للأحزاب والسفارات فيه لم يعد كذلك. قدّم نصرالله ما قال عنها إنها معلومات قطعية (لديه أسماء وبرنامج ومن يتولى الإدارة في الخارج)، وترك الباب مفتوحا أمام التحفظ عندما قال إنه يعبر بالحد الأدنى عن خشية بأخذ الحراك ومعه البلد إلى مقلب مختلف، داعيا إلى عدم تصديق ما تقوله السفارات بل ما تفعله، داعيا أهل الحراك الحريصين إلى طمأنة اللبنانيين إلى حاضرهم وغدهم.
رابعا، إنتقل حزب الله من مربع غض النظر إلى مربع تحريم نزول جمهوره إلى الساحات في بيروت والضاحية والجنوب والبقاع وبعض المناطق الأخرى. عمليا، رفع الغطاء السياسي عن أي مجموعة أو أفراد يمكن أن يشاركوا بصفة حزبية، أو يمكن أن يستخدموا وقودا في أية أعمال، وبالتالي، صار إحتمال رد بعض “المتحمسين” في الساحات على الشتائم، إن تكررت، لا يحظى بغطاء سياسي حزبي، على قاعدة أنه لا يريد أن يضعه أحد لا في موضع الإتهام ولا الإستثمار، فإذا خرج الحراك بنتيجة إيجابية، لن يكون حزب الله معنيا بالوقوف ضد ما تحقق، وإذا أخفق، يكون قد رفع المسؤولية مسبقا.
في الإستراتيجيا، ماذا فعل حزب الله؟
وضع حزب الله نفسه في مواجهة كتلة شعبية كبيرة عابرة للطوائف من أقصى الجنوب إلى أقاصي عكار مرورا بالعاصمة والجبل والبقاع. هي كتلة مليونية أو أقل أو أكثر، ولكنها كتلة موجودة في الشارع.
في أكثر من خطاب سابق، ولا سيما في خطاب الثامن من آذار/مارس الماضي، رفع الأمين العام لحزب الله سقف حربه ضد الفساد والفاسدين، مشدداً على أن المقاومة التي منعت سقوط لبنان في مواجهة الخطرين الإسرائيلي والتكفيري، لن تسمح بسقوطه في معركة محاربة الفساد.

لقد نجح حزب الله في منع إسقاط لبنان في آتون الخطرين الإسرائيلي والتكفيري، ولكنه يبدو مربكا في التعامل مع قضية محاربة الفساد

يشي خطاب الأمس بأن إستراتيجية حزب الله قد تبدلت أو أنها في طور التبدل. صحيح أنه أعلن أن الحزب ماض في محاربة الفساد وملاحقة كل المشاريع التي تندرج في هذا السياق، لكنه قدم مقاربة تعفيه من محاولة إستثمار دور كتلة تاريخية في كل ساحات وشوارع لبنان، إذا نجحت في إفراز قيادة وبرنامج وخطة تحرك، ستكون أكبر ضامن للحرب ضد الفساد وضد محاولات إسقاط لبنان إقتصاديا وماليا..
لقد نجح حزب الله في منع إسقاط لبنان في آتون الخطرين الإسرائيلي والتكفيري، ولكنه يبدو مربكا في التعامل مع قضية محاربة الفساد.
للحزب أن يتذكر أن ساحة النور في طرابلس لم تشهد حشدا شعبيا كالذي تشهده اليوم إلا في العام 2000 عندما إستقبلت المقاومين وهم يجرون غنائم الحرب الإسرائيلية غداة التحرير، يسري ذلك على كل المحتشدين والمحتشدات في ساحات لبنان التي إحتفلت بالتحرير وهي تواقة اليوم وأكثر من اي وقت مضى لأن تستعيد ثقتها بذاتها وناسها وبلدها.. والأهم بمستقبلها.
قبل حوالي عقدين من الزمن، قال أوري لوبراني منسق أنشطة الإحتلال في لبنان (كان يحلو له تسميته بـ”مستر ليبانون”) إن إسرائيل ستهزم حزب الله “فقط عندما تصيبه عدوى منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان”.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  مبادرة ماكرون اللبنانية.. أممية بإدارة فرنسية
Avatar

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  حكومة لبنان خارج الإشتباك الإقليمي.. وعبد المهدي عَلِمَ بالغارة الأميركية قبل حدوثها