التحقتم بإدارة الرئيس يلسين في العام1995… اليس كذلك؟
بوتين: لكي نكون دقيقين، بعد العام 1996. والفت الانتباه إلى انني عملت في ادارة التوجيه التابعة للرئيس، في القسم الاداري، وكنت أعمل تحديداً في الشؤون الحقوقية. لكن بالطبع، في يانت بطرسبورغ، كنا نتابع الوضع ونحلله بدقة. تابعنا النقاشات التي دارت بين ممثلين المدارس الاميركية والاوروبية، واقول بصدق، اننا لم نكن مؤيدين للكثير من الطروحات التي قدمها الخبراء الاميركيون، ولا سيما في ما يتصل بالخصخصة وإدارة الاملاك الحكومية. وبكل صراحة، يمكنني القول إننا لم نتمكن من التدخل، أو بالأصح لم نتدخل أصلاً، في هذه العملية. ما طرحه الاوروبيون آنذاك كان موضوعياً وعادلاً، لكن وعود الخبراء الاميركيين بدت وكأنها اكثر اثارة.
اوليفر: اليوم ومن خلال نظرة الى الوراء كيف تقرأ ما حدث. هل كانت تلك مبادرات جيدة، أم أنّ كل شيء قد جرى تحت ضغوط السلطات الاميركية؟
بوتين: اعتقد هذا وذاك. القطاع الخاص طبعاً شارك بشكل نشيط، ولكنه، ومن دون مبالغة، كان تحت متابعة ومراقبة السطات الاميركية .
اوليفر: هل عبّر السيد يلتسين عن شكوكه في ما يتعلق باهتمامات الاميركيين هنا؟
بوتين : إطلاقاً، لم يحدث ذلك.
اوليفر: إطلاقاً؟
بوتين: حسناً، هو لم يكن منشغلاً بالعمق في الامور الاقتصادية، وكان من حيث المبدأ يثق بالحكومة. كان يصدّق اولئك الاشخاص الذين يحيطون به، والذين اعتبرهم من الجيل الجديد.
اوليفر: ماذا قال الأوروبيون؟
بوتين: الاوروبيون اعتقدوا ان صدمة الخصخصة لن تؤدي الى تطور عملي للاقتصاد، ولا سيما الخصخصة التي تتعلق بمفاتيح القطاعات الاقتصادية. هم في الجوهر طرحوا طرقاً اسهل من اجل التحرك نحو اقتصاد السوق. من وجهة نظري، كان ذلك افضل وأكثر عملية، وكان يمكن أن يجنّب البلاد اهتزازات اجتماعية. لا داعي لتقديم التبريرات لمن اتخذ القرار، هم في كل الاحوال قرروا القيام بخطوة اولى، من دونها لما أمكن الانتقال نحو اقتصاد السوق.
رأى الاوروبيون ان صدمة الخصخصة لن تؤدي الى تطور عملي للاقتصاد الروسي
اوليفر: من كان هؤلاء؟
بوتين: ايغور غيدار، شوبايس، وكذلك وزير الاقتصاد انذاك اندريه نيشاييف.
اوليفر: قلت انك تتوافق مع هذه السياسات، ولكن الخطأ كان في سرعة تطبيقها…
بوتين: انا اتوافق مع الاهداف التي وضعوها، ولكنني لست مع مع تلك الوسائل التي تم استخدامها.
اوليفر: عندما كنت في عمر الشباب، ألم تجد أن اتفاق ريغن وغورباتشوف وخروج القوات المسلحة من اوروبا الشرقية كان خطأ؟ ألم يكن خطأً أيضاً هجوم الولايات المتحدة على العراق في كانون الثاني/يناير عام 1991؟
بوتين: لقد اجبت على سؤالك بكل صراحة عندما سألتني عن ذلك. اما في ما يخص اوروبا الشرقية فقد كان يمكن اعتبار الاتفاق بلا معنى وسيئاً وخطيراً لو ان الاتحاد السوفياتي اراد الاستمرار في تقييد بلدان اخرى وشعوبها بنمط توجيهي لتطور المجتمع. كان واضحاً حينها ان نهاية هذا التوجه قد اقتربت. في المطلق كان ذلك واضحاً. الناس لم تعد تتحمل المسائل المعقدة الى الابد. وعلاوة على ذلك، فإنّ اوروبا، بما في ذلك الشرقية، كانت لديها تقاليدها السياسية، وكان ممنوعاً ان تتخطاها او تقفز فوقها.
اوليفر: لنتحدث مباشرة. لقد عايشتُ الحرب الفيتنامية. وقد تم ارسال 500 الف جندي (أميركي) إلى هناك، وادان العالم كله هذا الأمر. بعد اتفاقية غورباتشوف-ريغن أرسلت الولايات المتحدة 500 الف جندي الى السعودية والكويت .
بوتين: أعلم أنك ناقد دقيق لعمل الحكومة الاميركية في كثير من الاتجاهات، ولكنني لا اتقاطع دائماً مع وجهة نظرك. بصرف النظر عن أن علاقاتنا مع الولايات المتحدة حيت ليست دائماً على مايرام، وهي غير متطابقة في الكثير من الأحيان، ولكن يمكنني القول إن ثمة قرارات ضرورية ينبغي اتخاذها وإن كانت لا تعجب المجتمع. ومن الاجدى اتخاذ بعض القرارت بدلاً من عدم اتخاذ أي قرار، ومن ابرزها القرارات المتعلقة محاربة الارهاب.
اوليفر: يعني ذلك أنك لا تدين الولايات المتحدة بارسالها 500 الف جندي إلى الشرق الاوسط؟
بوتين: أعتقد انه ليس من الصواب، لا من الخطأ، ان تفرض طريقة ونموذجاً على بلدان اعتادت على نمط معيّن. طبعاً هذا الأمر يتعلق بنموذج ما يسمى ” الديموقراطية”. الديموقراطية لا يمكن ان تفرض فرضاً، فهي تولد من رحم المجتمع، ويجب مساعدة المجتمع على أن يذهب باتجاه هذا الطريق. ولكن تنفيذ ذلك بالقوة أمر خطير وسيء وغير مثمر. وفي ما يخص استعمال القوة بما في ذلك القوة المسلحة، احياناً هذا الأمر مطلوب، ولكن بالطبع اذا تم ذلك بشكل مباشر بطلب من الحكومة المعنيّة، او في اطار القانون الدولي، بقرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة .
الديموقراطية لا يمكن ان تفرض فرضاً، فهي تولد من رحم المجتمع
اوليفر: تماماً. اريد ان اقول ان غورباتشوف قد قام بخطوة لاحلال السلام في العالم. وبعد عدة اشهر من سقوط جدار برلين، قامت الولايات المتحدة بارسال جنودها الى بنما بطريقة غير شرعية، ومن دون موافقة العديد من الدول، مع تنديد كبير من جانب دول اميركا اللاتينية .
بوتين: في هذا التصرف، ليس هناك ما هو جيد، طبعاً. كان على غورباتشوف، قبل ان يقوم بخطوة احادية، أن يحدد كيف ستكون ردة فعل الشركاء. كان من الممكن بكل بساطة ان يقوم بخطوة ما، ولكن كان يجب التفكير ماذا بعد ذلك. لقد سألتني عن العراق، واقول ان ذلك كان خطأ – دخول القوات الاميركية الى العراق، واسقاط نظام صدام حسين.
اوليفر: هذا حصل لاحقاً. انا اتحدث عن بداية المجموعة في 1991، بعدما هاجم العراق الكويت…
بوتين: آنذاك لم تذهب الولايات المتحدة بعيداً. لم يقوموا باسقاط الحكومة (العراقية). اعلم أن ثمة نقاشاً حول هذه المسألة. هناك من يقول إنه كان من الواجب القضاء على صدام حسين، واخرون قالوا ان ما حصل كان صحيحاً، أي كان ينبغي التوقف. الرئيس الاميركي بوش- الأب- فعل كل شيء بشكل دقيق، ومدروس. ردَّ على الهجوم وتوقف.
اوليفر: بالنسبة إلي، تبدو وجهة نظرك مفهومة، ولكنني لا أتوافق معها. أن ترسل الولايات المتحدة 500 الف جندي الى مكان ما، فهذا يعني ان ثمة شيئاً جدياً، ومصالح جدية. اليوم الولايات المتحدة لن تخرج من منطقة الشرق الاوسط نهائياً.
بوتين: على الارجح، نعم . المؤسف والاكثر خطورة هي محاولة تغيير الانظمة في هذه المنطقة من العالم، على امل النهوض في اليوم التالي، والشكر الكبير لاستقبال الديموقراطية بحسب النموذج الاميركي. هذا غير ممكن، ونرى اليوم، ماذا يحصل في المنطقة. من اين ظهر” داعش”؟ لم يكن هناك اي وجود للارهابيين. حالياً ظهر الإرهابيون هناك واحتلوا مساحة العراق محتلاً. والشيء عينه جرى في سوريا. ليبيا اصبحت غير موجودة كدولة موحدة. لقد فرحوا كيف تم القضاء على القذافي. ما هو المفرح؟ نمط الحياة في ليبيا كان اقرب الى متوسط الحياة في اوروبا. هل كان يجب النضال من اجل الديموقراطية هناك؟ كان يجب. ولكن بهذه الاساليب؟ إطلاقاً! النتائج كانت كارثية.
ترجمة: فؤاد خشيش