داغان “يُنظّف” جهاز “الموساد”: الإغتيالات الخارجية بأمرتي (118)

في كتابه "انهض واقتل اولاً، التاريخ السري لعمليات الاغتيال الإسرائيلية"، يواصل الكاتب رونين بيرغمان استعراض التغييرات التي اعتمدها مائير داغان في جهاز "الموساد"، والتي ادت الى استقالة اكثر من 300 مسؤول من الجهاز بعد ان تولى رئاسته.

يقول رونين بيرغمان في هذا الفصل بعنوان “جبهة التشدد” إن مائير داغان “امتلك خطة جريئة لمنع إيران من امتلاك التقنية النووية وذلك عبر طلب المساعدة من أصدقاء “إسرائيل” كما من الذين يكنون ظاهرياً العداء لها. فهو كان يعرف أنه في الوقت الذي كانت معظم دول الشرق الأوسط في العلن معادية لـ”إسرائيل”، إلا أنها في الخفاء كانت تستوعب فكرة وجودها”. وينقل بيرغمان عن داغان قوله “هناك تقاطع في المصالح، وهو ليس تقاطعاً صغيراً، بيننا وبين الدول العربية، فمصالح معظم هذه الدول (الأردن ومصر والسعودية والامارات والمغرب وغيرها) لا تتماشى مع هؤلاء الثوار الشيعة الراديكاليين وحلفائهم في دمشق، هذا ان لم نتحدث عن الميليشيات العميلة لهم. هذه الدول العربية كانت أكثر ما تخشاه هو التفكير بأن تمتلك إيران السلاح النووي، وخشيتهم هذه تفوق خشية إسرائيل”.

ومن الزاوية العملياتية، يقول بيرغمان “كانت وكالات الاستخبارات لهذه الدول (العربية) تمتلك عدداً من الميزات تفوق تلك التي يمتلكها الموساد. عملاؤها كانوا عرباً ويتكلمون العربية بصورة مثالية، كما انهم يمتلكون علاقات دبلوماسية مع دول معادية لـ”إسرائيل” (أحيانا علاقات جيدة ايضاً، على الاقل كما يظهر في العلن)، وبامكانهم السفر الى تلك الدول من دون مراقبة نسبياً، وفي عدد من الحالات كان يمتلك البعض منهم جواسيسه في سوريا وإيران ولبنان لسنوات خلت نظراً للصراع الداخلي على السلطة”.

يضيف بيرغمان، “أعطى داغان أوامره للموساد لتكثيف اتصالاته السرية مع أجهزة الاستخبارات الاجنبية”، ويشير إلى أن العديد من انجازات الموساد في السنوات التالية، ومنها القدرة على تحديد ومراقبة وضرب الارهابيين في لبنان وسوريا، والمعلومات عن الخلايا “الارهابية” التي تنشرها إيران عبر سفاراتها في انحاء العالم وعن المشروع النووي الإيراني، “كانت نتيجة التعاون مع هذه الاجهزة. وفيما كانت هذه الدول العربية تدين “إسرائيل” في الأمم المتحدة فانهم كانوا ايضاً يتعاونون مع الدولة اليهودية في المهام الأكثر سرية”.

أدت الاصلاحات التي قام بها داغان إلى معارضة داخلية شرسة ولاحقاً إلى استقالة العديد من كبار المسؤولين في “الموساد”، بحسب ما يقول بيرغمان، “فالموساد منظمة تكون شفاه مسؤوليها محكمة الاقفال واصولية في الاحتفاظ بأسرارها، واي تعاون كان يمكن ان يتطلب افشاء معلومات عن طرق العمل او عن المصادر لوكالات اجنبية وبالاخص للوكالات العربية كان يعتبر نوعاً من تدنيس المقدسات. ولكن بالنسبة لداغان كان ذلك نوعاً من الهراء، وبالتحديد تبريراً للتراجع النظري والعملي للموساد”. وينقل عنه بيرغمان قوله “برأيي فان ذلك كان امراً خاطئاً، لقد كان نوعاً من الغباء ان نرفض التعامل مع عوامل اخرى (وكالات استخبارات شرق اوسطية) كانوا ينظرون الى الامور تماماً كما ننظر نحن اليها. فالموساد كان يحتاج إلى حشد كل ما يستطيع – اي مورد واي حليف – من اجل تحقيق اهدافه. قلت لهم ان يوقفوا الكلام الهراء – دعونا نراكم مواردنا الخاصة، بالازرق والابيض (في اشارة الى علم الدولة الصهيونية، والعبارة هنا تعني موارد صهيونية بحتة) من اجل التشبيك مع وكالات الاستخبارات الاخرى. اعتبرت ان اي شيء لا يعرضنا للخطر او لا يشكل خطراً على مصادرنا بالامكان تبادله والا فان احداً لن يأخذنا على محمل الجد”. ويضيف داغان، بحسب بيرغمان، “تقدم ثلاثمئة شخص باستقالتهم من الموساد بعد ان توليت مسؤوليته، لقد كان عدداً ضخماً يخرج من الجهاز، وللحقيقة فقد كنت سعيداً بان البعض منهم قد غادر”.

ويقول بيرغمان، “قبل تولي داغان مسؤولية الجهاز، لم يكن هناك ما يكفي من جوازات السفر وبطاقات الائتمان ووسائل التواصل الآمنة لعمليات ما كان مُقدراً لعدد كبير منها أن تُلغى بسبب البروتوكولات الأمنية. ولكن ذلك لم يستمر مع داغان”، وهنا ينقل بيرغمان عن أحد الأشخاص الذي كان حاضراً في مناقشات جرت في مكتب رئيس الموساد قوله “كان يستدعي الشخص المسؤول عن وحدة جوازات السفر والذي يكون قد ارسل انذارا بان الجوازات المعتمدة غير آمنة ولا تراعي الشروط الامنية المطلوبة، ويقول له، في صباح اليوم التالي، إن لم تكن هناك خمسة جوازات سفر جاهزة على مكتبه فعليه ان يترك رسالة استقالته بدلاً منها”. لقد ثبّت داغان الحقائق وابعد كل اشكال القلق، وينقل عنه قوله “اذا حفرت عميقا بما يكفي فانك دائما ستجد الهراء، انها كلها نوع من الخرافات التي تستخدم لعدم القيام بالعمل”.

يضيف بيرغمان ان داغان “كان يؤمن بأن القتل المتعمد هو سلاح مهم وضروري، ولكن فقط ان إستخدم بصورة دائمة كجزء من من ترسانة تتضمن تدابير اخرى – السرية والدبلوماسية والمالية. فاي عملية قتل منفردة يمكن ان تجعل العدو يعتقد انها نتاج سوء حظ لمرة واحدة، وحتى عمليات الاغتيال المتقطعة يمكن تجاهلها لانها قد تكون نتيجة ظرف او نتيجة قاتلة لعدم الحماية الكافية او لارتكاب اخطاء. وكي تكون عمليات القتل المتعمد فعالة استراتيجياً لا بد ان تكون خطراً مستمراً”.

وينقل الكاتب عن داغان قوله “التصفية العشوائية لا تساوي شيئاً، فتصفية كبار الطاقم العملياتي والضرب على مستوى القيادة كسياسة متواصلة ودائمة هي امر جيد للغاية.. لكن هل اختار دائماً ان اقتل الرقم واحد؟ ليس بالضرورة. فانا اختار من الهرمية العملياتية للقتل الشخص الذي يدير الامور، الذي لديه التأثير الاكبر والمسيطر على الارض”.

إقرأ على موقع 180  "قصّة عن الحبّ والظلام".. سردية صهيونيّة لتصدير المظلومية (1)

وضع جهازا “الموساد” و”أمان” لائحة مرشحين من “جبهة التشدد” للمعالجة السلبية (التعبير الاستخباري “الإسرائيلي” للاغتيال والقتل المتعمد). ولكن كانت المشكلة انهم كلهم في دول معادية، وكقاعدة معتمدة، لم يكن الموساد ينفذ هكذا عمليات، ولكن داغان قرر تغيير هذه القاعدة ايضاً. وينقل عنه الكاتب بيرغمان قوله “عندما توليت مسؤولية الموساد لم يكن هناك قدرات عملياتية حقيقية في الدول المعادية (يصفها الكاتب الدول المستهدفة)”، ولتصحيح هذا الامر كان عليه ان يخلق في الموساد نظاماً خاصاً للوثائق (جوازات السفر وقصص غطاء وغيرها..) من اجل ان يؤمن للعملاء الصمود في اي تحقيق يخضعون له في حال الاشتباه بهم”.

وعكس داغان أيضاً السياسة التي كانت سائدة لوقت طويل، كما يقول بيرغمان، والتي كانت تفيد بان من ينفذ عمليات الاغتيال يجب ان يكون من طاقم الجهاز، ان يكون ـ ازرق وابيض ـ (أي “إسرائيلي”)، ولكن داغان فضّل استخدام العملاء من خارج طاقم الجهاز مستندا الى خبرته السابقة من العدد الذي لا يحصى من عمليات التصفية التي نفذها خلال خدمته العسكرية في غزة ولبنان، وينقل عنه قوله “انا جاهز للبكاء على نعش اي عميل او متعامل آخر من خارج الجهاز يموت وتعود روحه الى خالقها، صدقني يمكنني ان اذرف دموعاً حقيقية عليه، ولكني افضل ان اراهم موتى على ان يكون عملائي (الإسرائيليين او اليهود) موتى”.

ويتابع بيرغمان القول بان داغان “دفع باتجاه تحديث التكنولوجيا التي كان الموساد يمتلكها. لم يكن يفهم الكثير عن هذا العالم ولكنه عرف بانه عالم لا يمكن الاستغناء عنه وان الموساد كان متخلفاً كثيراً بالمقارنة مع عدد من وكالات الاستخبارات العالمية، وحتى من وكالات في “إسرائيل” نفسها. لذلك عيّن “ن” (اكتفى الكاتب بوضع حرف من اسم الشخص المعني) مسؤولاً عن قسم التكنولوجيا، وهو مسؤول عملياتي رفيع كان يعرف حاجات العملاء في الميدان”.

ويشير بيرغمان إلى أنه “سرعان ما بدأت التغييرات التي وضعها داغان تظهر فعاليتها. اعتبر داغان ان الوقت حان لأن يبدأ جهازه عملياته وحاجج بالقول انه من الان فصاعدا فان كل عمليات القتل المتعمد في الخارج يجب ان تكون تحت امرته المباشرة وان تتم ادارتها من قبل نائبه المباشر تامير باردو. لكن جهاز امان رفض الاقتراح، فنشب خلاف كبير بين الموساد ورئيس امان زئيفي فاركاش ونائبه رونين كوهين. فاتخد شارون قراره: سوريا من صلاحية داغان وكل عمليات الاغتيال في لبنان تبقى تحت سلطة جهاز امان”.

في موازاة هذه العملية البيروقراطية السرية، أدى اغتيال الشيخ احمد ياسين في مارس/آذار عام 2004 إلى ازالة كل القيود العملانية في التعامل مع إيران، وينقل بيرغمان عن مسؤول “الشين بيت” اسحاق ايلان قوله “من اللحظة التي أُخرج فيها ياسين من اللعبة تحول مركز الثقل لحماس من المناطق التي تسيطر عليها “إسرائيل” الى قيادة الحركة في كل من سوريا ولبنان واصبح خالد مشعل رجل التنظيم القوي”. وقد اعطى مشعل تعليماته إلى رجاله بقيادة عز الدين الشيخ خليل لان يعلموا الإيرانيين ان حماس باتت جاهزة لتلقي اي مساعدة وكل مساعدة ممكنة منهم. وقد اسعد ذلك الإيرانيين اذ اصبحت حماس كاملة العضوية في جبهة “المقاومة”. وتحت قيادة الشيخ خليل اخذت إيران ترسل اجزاء الصواريخ الى قطاع غزة في اطار سعيها لزيادة المدى والقدرة المدمرة للصواريخ التي باتت في ترسانة الحركة، كما ذهب الى قطاع غزة خبراء من الحرس الثوري الإيراني ايضاً”، على حد تعبير بيرغمان.

في السادس والعشرين من سبتمبر/ايلول 2004، ركب عز الدين الشيخ خليل (الصورة أعلاه مع الشيخ ياسين) سيارته قرب منزله في جنوب دمشق، وما ان جلس حتى رن هاتفه الجوال وجاءه صوت يقول “ابو رامي، هذا انا رمزي من توباس (قرية في الضفة الغربية) فاجاب نعم، كيف يمكنني ان اساعدك؟” انقطع الاتصال وبعدها بثانية انفجرت السيارة وقتل الشيخ خليل.

وكان الثاني على لائحة الاغتيال محمد المجذوب، المسؤول الاول في حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين (فرع لبنان). في 26 مايو/ايار عام 2006 عند الساعة 10:30 صباحا غادر المجذوب مركز حركة الجهاد الاسلامي في مدينة صيدا جنوبي لبنان يرافقه شقيقه نضال الذي كان مرافقه الشخصي ايضا، وما ان فتح نضال باب سائق السيارة حتى انفجرت عبوة تم تفجيرها من خلال مُفجّر عن بعد يحمله احد المارة فقتل الشقيقان المجذوب.

ينقل بيرغمان عن داغان قوله “عندما تتعامل إسرائيل مع تحدٍ مثل حماس او الجهاد الاسلامي في فلسطين او الارهاب الانتحاري فبالامكان التصور ان الموساد سيضع كتفه لدفع العجلة الى الامام”. شكّلت الضربات على الوحدة 1800 (في حزب الله اللبناني) وحركة الجهاد الاسلامي وحركة حماس خسائر فادحة لهذه المنظمات ولكنها لم تغير في الصورة بشكل عام. فقد بقيت “جبهة التشدد” تشكل تهديداً جدياً وكانت تواصل تنسيق اعمالها ضد إسرائيل”، يختم بيرغمان.

Print Friendly, PDF & Email
Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  كيف دمّرت إسرائيل مفاعل أوزيريس العراقي في الريفييرا الفرنسية؟ (66)