
أؤمن بأن النسيان فضيلة. الثمانون تساعدني كي أتغاضى عن ذاكرتي. أن أكون مُطمئناً إلى أن الماضي مضى حقاً. كان عليَّ أن أفرح وأحتفل، غير أنني أرى الأمل أبعد من السماء. ثم أنني مستسلمٌ لأوان المغادرة.
أؤمن بأن النسيان فضيلة. الثمانون تساعدني كي أتغاضى عن ذاكرتي. أن أكون مُطمئناً إلى أن الماضي مضى حقاً. كان عليَّ أن أفرح وأحتفل، غير أنني أرى الأمل أبعد من السماء. ثم أنني مستسلمٌ لأوان المغادرة.
إنه عصر الظلمات. هو زمن الإرتكاب. العنف لعبة السياسة الأولى. الإعلام خادم لعقيدة السيطرة. العالم مسرحٌ أنيقٌ لهمجية متمادية. الكذب رأسمالٌ لا ينفذ. السياسة لعبةُ قمار يفوز فيها حثالات "العقائد" و"المبادئ" و"القيم". الإعلام الكوكبي ميليشيا مسيطرة و"مُقنّعة". الرأي العام، ممسوكٌ ومطيعٌ ويعبرُ بهمجَية عن غرائزه الشهوانية. أهم غرائز الكون راهناً تحقيق ثروات الفحش والإغتصاب.
لن أرثيك. أنت باقٍ. فرادتك تحميك من النسيان. كنت ملء الثقافة وراهب المعرفة وحارس القيم. انتماؤك صافٍ. وتواضعك لغة حياة. لم تسقط أبداً. لا إغراء يجذبك. كنت أنت. قليلون مثلك. أنت من القلة التي بتواضعها ارتفعت.
فُرجت. التقى "العرب" في قمة "الأعدقاء". تم تكنيس العداوات. الماضي؟ كأن شيئاً لم يكن. سوريا عادت أو أعيدت الى الاحضان "العربية" المطعمة بدول "التطبيع" جلسوا كلهم. علكوا كلاماً "موزوناً" خرجوا ليعودوا إلى ممارسة "سلطاتهم" بالحياد الظاهر.
انتهى الإنسان العربي إلى إقناع نفسه بأن النسيان منجاة. الخريطة المترامية الأطراف، من المحيط إلى الخليج، ليست إلا تجسيداً مستداماً للعنف والقمع والمنع. قتل الذاكرة مريح. من يأكل طعاماً جديداً بوعاء ذاكرته القديمة، يُصاب بالخوف والأرق والتسمم. الذاكرة العربية الشعبية تتخثر، وإن شعباً يقتل ذاكرته يموت. الأموات عندنا.. أحياء يرزقون.
عيب. اللاجئ إنسان. النازح السوري إنسان. أنت أيها اللبناني إنسان. فلماذا التفريط بقيمة الإنسانية، أعلى مرتبة في سُلم القيم والأخلاق. لماذا التعامل مع حاملي المأساة بهذه اللعنات اللبنانية؟ لماذا التعامل معهم كأنهم أشياء؟ أو كأنهم مرمى سياسي؟ أو كأنهم وباء بشري؟
في البداية، أكتب الخاتمة: السلطة تكره الفكر وتطارده. السلطة تخشى المثقف وتنفيه. نجحت القوى الظلامية والعسكرية في وأد الحرية، وفازت في تحويل ناسها الى نعاج، وتفوَّقت في إنجاب متفوقين في انتاج انسان مطيع، يأكل ويشرب وينام. إنسان بأفق ثقافي هو الآتي: المستقبل غداً يصنعه العبيد. الأحرار والحرية مجرد طوباوية ومثالية. القطيع يُدرك أن الحرية مرتعها وخيم.
مسلسل الانتحار العربي مزمن. عمره مئة عام ونيف. الحرب في السودان، أداء نموذجي لحروب "الأخوة الأعداء". تراث العنف يكاد يكون أيديولوجيا السياسة. عالم عربي مترامي الأطراف، يعيش على إيقاع التوجس. افدح ما فيه، انه يخاف من شعبه، ويلهيه بحروب "الأخوة الأعداء".
الثأر، هو الذي يخيفني. هو الذي لا أستطيع ان أكتب عنه بقلمي. تغيب عني الكلمات. أجد اللغة قاصرة. أدخل في صمت. أُصاب بذهول وعجز. ألم يشبه عتمة. موت مقيم، ونحيب عائلات تدخل في حزن مديد.