مرجعية الكوارث الدينوسياسية، ليست الآيات البينات، بل التاريخ البشري، منذ “أول التنزيل” إلى تسييس التدين. والتدين تاريخياً لم يكن سلوكاً إيمانياً أبداً. كان التدين عنفاً ودماءً وعداوات متناسلة ومتراكمة ومخيفة. المقدس السياسي هو ارتكاب. الله ليس إلهاً وجنداً وعسكراً وسلطة. الظلم الديني مشبع بالكذب ولا يشبع من الدماء. التدين السياسي يتشابه مع التدين القومي والأممي.
السؤال التافه والبسيط: هل الكذب مقدس؟ هل الإبادات شرعية؟ هل الكنيسة أو الكنائس تشبه الأناجيل؟ هل التذابح والتقاتل مأمور بالآيات؟
لذا، رجاءً، نزّهوا القرآن الكريم والإنجيل المقدس من سلسلة الإرتكابات، منذ بدء الآيات الى مرحلة استفحال الدم المسفوك.. هل يصدق قول أحدهم ـ ولن أذكر اسمه هنا خوفاً عليه ـ “أخذوا منَّا الإيمان. وساقونا إلى جهنم”؟ نعم. أخذوا كل حب وإنسانية، ووصمونا بجريمة إفساد الله والدين. راهناً، “نحن لا نمشي، بل نتسكع، وفق آية مؤسفة: نحن نُولد ونتعذب ونُقتل ونموت. لم يتركوا لنا إلا الخوف والدموع”.
نحتاج إلى أدلة وإجابات، لا نجدها في النصوص الدينية التأسيسية، بل عشناها في البدايات، وعشناها على مدى قرون، وهي راهناً عادت لتحتل في السياسة والتربية والتعليم والإعلام مركز الامرة وسلطة المحاسبة: من لم يمت بالسيف، مات بالسيف دائماً. عودة الدين إلى السياسة أمُّ الكوارث. لماذا؟ لأن التدين السياسي هو تدين اتهامي. الصلوات والقيم والدعوة إلى الصلاح، كلها بلا صدى. الآيات الرائجة هي الآيات التي تقبض على الروح، وتُسيّر الجسد على رؤوس الأسنة، كحجة الدفاع عن الدين، أو ـ ويا للهول ـ بدعوى إرضاء الله.
المسيحية تاريخياً انشقت. صارت كنائس وكل كنيسة تدّعي أنها على صواب. شهروا الآيات، ثم شهروا السلاح، ثم تولوا مقام الربوبية، وكتبوا ديناً جديداً، لا يشبه رسالة المسيح الداعية إلى المحبة والسلام والعطاء والرحمة. منع عنهم أن يصيروا ديَّانين: “لا تدينوا لئلا تدانوا”. “من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر”. “من ضربك على خدّك الأيمن فأدرْ له الأيسر”. “أحبوا بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم”. “أحبّوا أعداءكم.. باركوا لاعِنيكم”.
الإسلام لا يختلف كثيراً عن المسار العنفي المسيحي. ولا يختلف عن شعوب ما قبل الإسلام والمسيحية، أي الشعوب الدينية، التي ملأت الأرض حروباً وقتلاً واجتياحاً.. هل نقول لقد فشل الله في رسالاته السماوية، حتى بلغ عنف القبائل والأرحام أوجهُ، في حروب المسلمين ضد المسلمين؟
الأناجيل مفعمة بالمحبة والحب والسلام والعطاء والنقاء. ماذا حفظت الكنائس من ذلك. مراراً تحوّلت الكنائس، على تعدّدها إلى ثكنات عسكرية. السياسة هزمت مسيحية المسيح. صارت تشبه هيرودوس.
اعتدتُ أن أقرأ النصوص الإنجيلية ولا ألتفت إلى ممارسة قلاع الكنائس (وليس كلها) القتل والقتال والتعذيب والاضطهاد والسيطرة والغزو.. والتسويات. كل ما هو ديني في الأساس، يصير لا دينياً في الممارسة. المسيحية مسيحيات، لا أعرف إن كانت عن جد تتشبه بالمسيح، سيرةً وتعليماً.
عبث. المسيحية لا تشبه المسيح أبداً. عاش المسيح يقرأ. الكنائس، هنا وهناك وهنالك، أمس واليوم، تتصرف كأنها سلطة سياسية مالية استملاكية. هم من أتباع: “وقل الروح من أمر ربي”.
لا أعتدي على المسيح، بل أقيم الحد اليسوعي على المسيحية التي تم تداولها خلال حروب دامت مئات الأعوام. الظلامية سادت عصوراً. الحروب تم تمويلها وقيادتها من السلطات العليا. حروب “الأخوة الأعداء”. دامت ذات عصر، قرناً كاملاً.
غريبٌ. الإنسان غلب الله. إنه يعبد ربين: السلطة والمال. وتاريخ المذابح والتنكيل والتعذيب مرعب. المسيح، قال: “سلاماً أعطي”. أي سلام عرفه المسيحيون، في ما بعد المسيح. عقيدة السفك المسيحي – المسيحي، كانت أولاً. كانت العقيدة “الدينية” المعمول بها.
أخيراً. إنه لمن العار أن تُسمى “الحروب الصليبية” وتُكنى بالمسيحية. الصليب رمز الألم وليس آفة الرعب.
نقطة، انتهى الكلام هنا. الكتب تفضل الإرتكابات السياسية التي لا تمت بصلة إلى روحانية المسيحية: “سلامي أعطيكم”.
الإسلام لا يختلف كثيراً عن المسار العنفي المسيحي. ولا يختلف عن شعوب ما قبل الإسلام والمسيحية، أي الشعوب الدينية، التي ملأت الأرض حروباً وقتلاً واجتياحاً.. هل نقول لقد فشل الله في رسالاته السماوية، حتى بلغ عنف القبائل والأرحام أوجهُ، في حروب المسلمين ضد المسلمين؟
أول قوانين الوجود هو ما يلي: الحروب أولاً. ما بعدها ولد منها. قايين قتل هابيل وهلم جراً، حيث كان القتال المستدام بين “أهل البيت” وبين “أهل السلطة”.. حتى عصرنا الحاضر.
معه حق. المتنبي جريء:
السيف أصدق إنباء من الكتب/ في حدّه الحد بين الجد واللعب
المسلمون لم تجمعهم كلمة الله. تعصبوا لغير الإيمان. رفعوا السيوف والقبضات في “السقيفة”، والرسول لمّا يُدفن بعد. لم يلتقوا لوداع محمد، رسولهم ونبيهم. أسرعوا إلى السقيفة كي لا تكون الخلافة إلا للأقوى. الأنصار أصحاب حق. ممكن. لكن الخلاف، لم يكن حول الدين، إنما في السياسة فقط. المبايعة لم تكن إقناعاً. كانت بالقوة. كانت سياسة. لم يتدخل الدين فيها وسرعان ما أدخل الدين في السياسة، ففازت السياسة وخسر الدين. معاوية الذي انتصر على عليّ بالتحكيم، كان مؤيداً من جماعات إسلامية بالإسم، سياسية بالفعل. لقد أسيء الى الإسلام في عهد عليّ أكثر من أي إساءة، في الزمن الوثني. ثم كانت سلسلة الفتك والقتل بسلالة عليّ. عاشوراء، لم تكن مقتلة دينية، بل ذروة الإستقواء السياسي، على المقدس الموروث، من سلالة الرسول. أما عائشة، فقد خرجت للقتال، وهي زوجة محمد، كي تمنع تولي عليّ صهر الرسول، الخلافة.
واشهدوا أن هذا الخلاف المعمر، منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة، ما زال مستقلاً حتى اللحظة. أشد أعداء الإسلام للقوى السياسية الحاكمة والمتحكمة، هم المسلمون. لا تحصى المعارك والانشقاقات والاغتيالات والإبادات بينهم.
من العار أن تُسمى “الحروب الصليبية” وتُكنى بالمسيحية. الصليب رمز الألم وليس آفة الرعب
الشعوب التي ارتدت عن العقلانية التنويرية، تعيش إيمان التحشيد. المؤمن يصير آلة عداء واعتداء. أخجل من تسمية نوع الخلاف بين السنة بكل فرقهم، وبين الشيعة بكل تراثهم من المظلومية.
ما علاقة الأحداث بالآيات؟
لا شيء.
خلاصة القول: التدين يفسد الدين حتماً. السياسة تفسد الدين والآلهة.
الأحقاد الدينية أشد فتكاً من الاستعمار والاحتلال.
باسم الله يُقاد “الأتباع” إلى الجحيم.
الله ليس سلعةً ولا سيفاً وحساباً مصرفياً.
أنقذوا الله من أتباعه.