“الموساد”.. الإغتيالات و”الأمن القومي” لإسرائيل!

في مقابلات إستثنائية لمناسبة مرور سبعين سنة على تشكيل "الموساد"، يتحدث ثلاثة رؤساء سابقين للجهاز عن مواقفهم من الإغتيالات كوسيلة لتحقيق اهداف الأمن القومي. يعرض المحلل الإسرائيلي المتخصص بالشؤون الإستخبارية يوسي ميلمان في "هآرتس" بالإنكليزية موجزاً لهذه المقابلات.

“الإغتيالات هي واحدة من أكثر المواضيع حساسية في مجتمع المخابرات الإسرائيلية، وجرت العادة أن هذه المواضيع لا تناقش في العلن كونها تقع ضمن “التابوهات”. برغم ذلك، كانت هناك فرصة نادرة للإضاءة على وجهة نظر ثلاثة اشخاص ترأسوا جهاز “الموساد” سابقاً هم: ناحوم إدموني وداني ياتوم وتامير بردو، وذلك من خلال مقابلات أجرتها معهم صحيفة ناطقة باسم “مركز تراث المخابرات”، في الذكرى السبعين لتأسيس “الموساد”.

يمكن تقسيم الاغتيالات إلى ثلاثة أنواع:

أولاً، الاغتيالات التي تحدث كجزء من العمليات العسكرية في الضفة الغربية وقطاع غزة وسوريا ولبنان؛

ثانياً، الاغتيالات التي تقع على عاتق “الشاباك” (جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي ويتلقى أوامره من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي)، مثل تلك التي نفذت بالجملة، بشكل رئيسي من الطائرات، خلال الانتفاضة الثانية في الضفة الغربية وقطاع غزة؛

ثالثاً، الاغتيالات المنسوبة إلى “الموساد”، إلى الوحدة 504 (تشغيل العملاء) وإلى وحدات خاصة تعمل خارج حدود الكيان العبري. لا تتضمن المجموعة الأخيرة قائمة طويلة جدًا من الاغتيالات المنسوبة إلى إسرائيل في الشرق الأوسط (لبنان، الأردن، إيران، دبي، سوريا)، آسيا (ماليزيا)، إفريقيا (تونس) أو على الأراضي الأوروبية (إيطاليا، مالطا، النرويج، فرنسا وقبرص واليونان وغيرها). ويقدر أن “الموساد” مسؤول عن مقتل 50 إلى 60 إرهابياً من هذه الفئة.

بشكل عام، عندما يحدث اغتيال خارج إسرائيل، تستخدم وسائل الإعلام الإسرائيلية عبارات مثل “وفقًا لتقارير أجنبية” أو “منسوبة إلى إسرائيل” عند مناقشتها. وحتى عندما يتضح للعالم أجمع أن إسرائيل مسؤولة عن عمل معين، فإنها لا تعترف بذلك. لا تؤكد ولا تنفي. كان هذا هو الحال، على سبيل المثال، بعد اغتيال القيادي البارز في “حماس” البارز محمود المبحوح في دبي في أوائل عام 2010.

فقط في حالات نادرة – عادة عندما يحدث خطأ ما – تضطر الحكومات الإسرائيلية إلى الاعتراف بالاغتيالات، أو تقدم المعلومات. حدث هذا عندما اغتال “الموساد” ووحدة العمليات الخاصة في هيئة الأركان العامة “سييرت متكال” نائب رئيس حركة فتح خليل الوزير “أبو جهاد” في تونس في العام 1988. في عام 1996، أعربت إسرائيل عن “أسفها” (دون الاعتراف بالذنب) ودفعت 400 ألف دولار لعائلة النادل المغربي أحمد بوشيكي النروجية، الذي قتل على يد عناصر الموساد في ليلهامر عام 1973 بسبب خطأ في تحديد الهوية. في عام 1997، اعترف “الموساد” بأنه حاول تسميم رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” خالد مشعل في عمان، واضطر إلى إرسال ترياق مضاد مصنوع في إسرائيل من أجل إنقاذ حياته.

التكلفة مقابل الفائدة

رفض ناحوم إدموني، الذي قاد الموساد من 1982-1989، إجراء مقابلات علنية حول عمل هذه المنظمة باستمرار. على مر السنين، رفض العديد من طلباتي لإجراء مقابلة  – وهذا حدث مرة أخرى هذا الأسبوع أيضًا. قال إدموني إن قراره كان مسألة مبدأ وفي سن الـ  91 لم يكن على وشك تغيير رأيه. وبالتالي، فإن التعليقات التي أدلى بها لمجلة “مركز تراث الاستخبارات” لها أهمية خاصة، وربما تاريخية.

قال إدموني: “في ما يتعلق بالنشاط العدائي من تونس، رأينا أن أبو جهاد كان يدير الانتفاضة الأولى من هناك وقررنا تصفيته. لقد خططنا لعملية اغتياله. جلبنا “سييرت متكال” الإسرائيلية بقيادة “بوجي” (موشيه يعلون)، إلى هذه العملية. لا أعرف لماذا فعلنا ذلك. من الموسف للغاية أن قال لي شبتاي شافيت – نائب إدموني ثم خليفته)، “لماذا لا يستطيع فريقنا تنفيذ عملية القتل؟ لقد أحضرنا الناس من سييرت متكال الإسرائيلية إلى الهدف”. أخبرني رئيس قسم “قيصرية” (قسم العمليات في الموساد) أنه يفضل أن تقوم متكال الإسرائيلية بهذه المهمة. في وقت لاحق، لا أعتقد أن مقتل أبو جهاد قد غير أي شيء في سياق الانتفاضة. كانت هناك عمليات اغتيال جديرة. العديد منها كانت غير جديرة. البعض الآخر لم يحقق أية فائدة”.

إن مسألة التكلفة مقابل الفائدة – أي مدى مساهمة الاغتيالات في حماية الأمن القومي – هي مسألة يتصارع حولها رؤساء المخابرات. ليس لديهم إجابات نهائية. من المحادثات التي أجريتها مع عدد كبير من كبار مسؤولي المخابرات، أود أن أقول أنهم يعتقدون أن هذه أداة محدودة. يعترف معظمهم أيضًا بأن عددًا قليلًا جدًا من الاغتيالات قدم مساهمة استراتيجية حاسمة للأمن القومي.

أوري ساغي: “الشخص الذي انتخب ليحل محل الموسوي كزعيم لحزب الله هو (السيد) حسن نصرالله الموهوب والجذاب، الذي يواصل جعل حياة الإسرائيليين صعبة حتى يومنا هذا”

اعترف رئيس المخابرات العسكرية السابق الميجور جنرال (متقاعد) أوري ساغي، الذي روج لمؤامرة قتل زعيم حزب الله (السيد) عباس الموسوي في عام 1992، أنه في وقت لاحق كان قرارًا سيئًا. وقال ان العملية أثارت رداً وإنتقاماً قاسيين من قبل المنظمة الشيعية (حزب الله) (بمساعدة المخابرات الايرانية) وهو مسار بلغ ذروته بتفجيرعام 1992 للسفارة الاسرائيلية في الارجنتين وتفجير عام 1994 لمركز الجالية اليهودية في بوينس ايرس. قُتل مائة وأربعة عشر شخصًا وجُرح نحو 500 في هذين الهجومين. علاوة على ذلك، فإن الشخص الذي انتخب ليحل محل الموسوي كزعيم لحزب الله هو (السيد) حسن نصرالله الموهوب والجذاب، الذي يواصل جعل حياة الإسرائيليين صعبة حتى يومنا هذا.

إقرأ على موقع 180  لماذا التحقيق مع خلية قصر الأليزيه الديبلوماسية؟

من ناحية أخرى، يتفق معظم رؤساء المخابرات على أن هناك عمليتين على الأقل كانتا ضروريتين وكان لهما أثر كبير: الأولى، كانت إغتيال فتحي الشقاقي، مؤسس وزعيم حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني، في مالطا قبل 25 سنة؛ والثانية،  كانت إغتيال وزير دفاع حزب الله عماد مغنية، في دمشق في العام 2008، في عملية نسبت إلى الموساد ووكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه).

من يوصي ومن يوافق؟

في حديثه للمجلة، قدم تامير باردو، الذي قاد “الموساد” من 2011 إلى 2016، رؤية أخرى مثيرة للاهتمام بشأن الاغتيالات. قال باردو: “عارض إفرايم هاليفي (رئيس الموساد من 1998-2002) عارض الإغتيالات بادعاء أن لها قيمة محدودة وبحق. والفهم هو أنه في الإغتيالات المحددة أنت تعمل في عدة مجالات. أنت المحقق وأنت الذي يتهم وأنت الذي تنفذ ايضاً. من المهم التوضيح بأن الهدف من الاغتيال المستهدف ليس معاقبة شخص على جرائمه، ولكن لمنع الأعمال المستقبلية. إنه ليس عقاباً! في الوقت نفسه، هناك حالات استثنائية يمكن فيها قياس القيمة الاستراتيجية الحقيقية للعملية بشكل مباشر. هناك عامل حاسم آخر يتم أخذه في الاعتبار هو (الفرصة) لتعطيل الوقت الفعلي لعملية معادية معروفة سيتم ارتكابها.

وتابع باردو قائلاً “عند تقييم السؤال على مر السنين، تبدو القيمة الاستراتيجية لهذه العمليات محدودة. لنكن واضحين حول كيفية عملها: في معظم الحالات، يقترح الموساد العمليات من خلال وضع المبررات وتقديمها إلى رئيس الوزراء. إما يوافق عليها أو لا يوافق. رئيس الوزراء لا يكلف الموساد بمهمة اغتيال. هو ليس صاحب المبادرة. هذه هي الطريقة الصحيحة والصحية للنظر في هذا الموضوع “.

تثير تصريحات باردو تساؤلات حول ما حدث لداني ياتوم، الذي قاد “الموساد” لمدة عامين فقط (1996-1998)، مع محاولة اغتيال خالد مشعل الفاشلة.

وقال ياتوم لمجلة “مركز تراث المخابرات”: “الموساد لم يوص بالهجوم على مشعل”. “عندما أعطى نتنياهو التعليمات، وأنا لا أنفي أية مسؤولية ذاتية لأنه كان يمكنني القول لبيبي كيف يمكن لكونك رئيس الحكومة أن تقرر اعادة المقاتلين الذين سبق وارسلتهم الى دولة اخرى (القصد هو أن التعليمات الاصلية لياتوم كانت اغتيال شخصية اخرى من حماس في دولة اخرى باتجاه معاكس من الاردن وعلى بعد آلاف الكيلومترات من اسرائيل)، وتقول لي اعدهم الى البلاد، نحن ذاهبون نحو واحد من رؤساء حماس الاربعة في قيادة حماس العالمية في عمان. لقد استغرقت يومين أفحص هل هناك امكانية لذلك، وتوصلت الى استنتاج بأن هذا ممكن”.

“فاراش”.. و”الموساد”

وكشف ياتوم، الذي تحدث عن الموضوع عدة مرات في السابق، أنه بالإضافة إلى موافقة رئيس الوزراء على مهمة اغتيال مشعل، هناك هيئة أخرى متورطة في مثل هذه القرارات: لجنة التنسيق بين رؤساء أجهزة المخابرات (المعروفة بالإسم المختصر “فاراش” في اللغة العبرية) ومهمتها  تنسيق الإجراءات بين مختلف وكالات الاستخبارات. رئيس الموساد يترأس اللجنة. تأسست “فاراش” في نيسان/أبريل 1949 باعتبارها اللجنة العليا للتنسيق بين الأجهزة بعد إعدام الميجور مئير توبيانسكي بمبادرة من رؤوبين شيلوح، مؤسس “الموساد”.

خلال فترة ولاية إدموني، تقرر إنهاء مشاركة مفوض الشرطة في مناقشات “فاراش”، ومنذ ذلك الحين كان لديها أربعة أعضاء: رؤساء المخابرات الثلاثة والسكرتير العسكري لرئيس الوزراء. يقول إدموني، إنه خلال ولايته “لم تساهم “فاراش” بأي شيء. ظل جهاز الشاباك يبقي نشاطه مخفيًا دائمًا. المخابرات العسكرية – خاصة عندما قادها إيهود باراك – كانت مهتمة فقط بالطعام في الاجتماعات (الطعام المقدم في الموساد يعتبر الأفضل بين أجهزة المخابرات).

وفقًا لإدموني، تمحورت خلافات “فاراش” بشكل أساسي حول تقسيم السلطة، خاصة بين الموساد والمخابرات العسكرية في ما يتعلق بـ(التنصت). وقال: “أرادت المخابرات العسكرية أن تكون المسؤولة عن عمليات التنصت على المكالمات الهاتفية وزرع وسائل التنصت، وكنا نعارض بشدة”.

ومنذ ذلك الحين، تم إنشاء عدة لجان مختلفة لمعالجة مسألة تقسيم السلطة والمسؤولية بين أجهزة المخابرات، لكن الخلافات لا تزال قائمة.

يتفق ياتوم مع إدموني على أن التعاون بين الوكالات لا يزال غير مرضي.  “في وقتي، بالكاد ساهم “فاراش” بشيء – بصرف النظر عن التأكيد على أن بعض الأشخاص الذين تم ذكر أسماءهم من قبل الشاباك والموساد يمكن اغتيالهم” (المصدر “هآرتس”).

Print Friendly, PDF & Email
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  "فورين أفيرز": بالاغتيال والعقاب الجماعي.. لن ينهار حزب الله!