بين “السيد” وشيّا.. إشتباك بلا حروب

Avatarخاص 18008/07/2020
بينما كان مئات الشبان والشابات يتظاهرون قرب مطار بيروت الدولي منددين بمواقف الولايات المتحدة وسفيرتها في بيروت وزيارة قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي كينيث فرانكلين ماكنزي إلى لبنان، حطّت طائرة خاصة على أرض مطار بيروت، ليخرج منها رجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدين، بعدما قررت الولايات المتحدة الإفراج عنه مؤخراً.

من نطنز إلى بيروت مروراً ببغداد، يرتفع منسوب التوتر. سلسلة تفجيرات في إيران، لعل أخطرها إستهداف منشأة نطنز النووية بعمل أمني لم يعلن الإيرانيون تفاصيله حتى الآن.

التوتر في بيروت يتخذ أشكالاً مختلفة. السفيرة الأميركية الجديدة دوروثي شيا هي سفيرة عادية جداً من المنظور الوظيفي، ولو أنها غير عادية بسلوكها الذي لا يشبه سلوك كل من سبقوها في السنوات الأخيرة، وآخرهم السفيرة اليزابيت ريتشارد التي خدمت لأربع سنوات من دون أي ضجيج سياسي. أما شيا، فتكاد تكون نسخة طبق الأصل عن السفير الأسبق جيفري فيلتمان الذي خدم في بيروت في حقبة إستثنائية، شهد خلالها لبنان سلسلة أحداث أبرزها جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري وإنسحاب الجيش السوري من لبنان، ولكن بفوارق جوهرية، شخصية وسياسية، أبرزها أن فيلتمان كان مجسداً لمشروع أميركي ـ غربي للبنان، بدأ الرئيسان الأميركي جورج دبليو بوش وجاك شيراك، بنسج خيوطه الأولى غداة الغزو الأميركي للعراق في العام 2003 وإكتملت بصدور القرار 1559 في صيف العام 2004. مشروع أُريد له أن يطوي صفحة التلزيم الأميركي لسوريا في لبنان ونقل لبنان إلى الضفة المقابلة.

أما السفيرة الأميركية الجديدة فهي لا تمثل مشروعاً أميركياً محدد المعالم. هي تمثل أولاً وزير الخارجية مايك بومبيو ومتصلة به إتصالاً وثيقاً، ووضعت حدا لكل من كانوا يتجاوزون السفارة في بيروت بالتواصل مع الإدارة الأميركية مباشرة في زمن السفيرة ريتشارد. مهمة دوروثي شيا المركزية، كما تقول للمقربين منها، هي “كسر حزب الله”، وذلك تنفيذاً لقرار محاصرة لبنان بالعقوبات الأميركية، وصولاً لإسقاطه إقتصادياً ومالياً.

ميزة الدبلوماسية دوروثي شيا أنها غير دبلوماسية. تتصرف بطريقة “بولتونية”. تعيش في كوكب آخر. مفرداتها توحي وكأن واشنطن تنشر جيوشها في كل أنحاء العالم وليس العكس. تصول وتجول. تتواصل مع السياسيين والإعلاميين. تحدد مواقفها من كل الملفات اللبنانية. ترسم دوائر حمراء في ملفات عديدة، كان الأكثر نفوراً من بينها تمسكها ببقاء الدكتور محمد بعاصيري نائبا لحاكم مصرف لبنان المركزي أو رئيساً للجنة الرقابة على المصارف. كما أنها تعطي رأيها في موضوع المساعدات الأميركية والخيارات اللبنانية البديلة لصندوق النقد. تتصل برئيس الحكومة فلا يرد عليها، فتتواصل مع نائبته وزيرة الدفاع، لتهدد وتتوعد.

في الوقت عينه، ثمة مهمة معقدة أمام السفيرة شيا. واشنطن تسعى لنقل ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل من رئاسة مجلس النواب إلى رئاسة الجمهورية. من الواضح أن هذا الملف الحيوي يعتبر حجر زاوية في مقاربة الأميركيين للملف اللبناني (إلى جانب موضوع العقوبات)، ولو أنهم لا يجاهرون بذلك علناً، وهم يعوّلون على “دور ما” يمكن أن يلعبه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من أجل إنجاز صفقة الترسيم. اللقاءات التي عقدت بين السفيرة الأميركية والوزير السابق باسيل، وخاصة “لقاء اللقلوق”، تشي بـ”تفاعل الكيمياء” بينهما.

وبرغم حماسة رئيس الحكومة حسان دياب ومعظم فريق 8 آذار لـ”الخيارات البديلة” كالتوجه شرقاً نحو سوريا أو العراق، فإن باسيل وكذلك رئيس الجمهورية، لم يحددا موقفهما بصورة علنية. لعل باسيل كان واضحاً عندما قال في العشرين من حزيران/يونيو المنصرم إن وجه لبنان سيبقى بإتجاه الغرب “وهكذا هو لبنان، وهكذا ورثناه، وهكذا نريده أن يبقى”.

هل يمكن أن يقال كلام أوضح من ذلك؟

بهذا المعنى، يصبح مفهوماً كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في إطلالته أمس (الثلاثاء)، وما تضمنه من توضيحات وضعها العديد من أهل السياسية في خانة “الخطوة إلى الوراء”، ذلك أن حزب الله يدرك أن معضلة الخيارات البديلة، بمعزل عن واقعيتها أو جدواها، أن معظم حلفائه لا يتعاملون معها بجدية، بل يناورون بهذه الورقة ويستخدمونها من أجل إستدراج الأميركيين والأوروبيين، لعلهم يفرجون عن بعض الفتات للبنان. الأهم من ذلك أن جبران باسيل تحديداً لن يقدم على هكذا مغامرة إلا إذا وضع الأميركيون إسمه على لوائح العقوبات. من دون ذلك، يدرك أن أية ترجمة فعلية لـ”الخيارات البديلة” من شأنها أن تهدد حظوظه الرئاسية.. أميركياً.

لقد أعاد السيد نصرالله تأكيد المؤكد في خطاباته السابقة. دعوته التأسيسية للإقتصاد المنتج ببعديه الزراعي والصناعي، وإن كانت متأخرة، إلا أنها تحتاج إلى بلورة مختلفة، حتى لا يكون مصيرها التخبط، كما جرى في التعامل مع الخطط الإقتصادية والمالية للحكومة الحالية، ناهيك عن تجارب أخرى لا تشي بالجدية، ولا سيما التعامل مع قضية مياه نهر الليطاني التي طرحت منذ خمس سنوات تقريباً، حكوميا ونيابيا، ولم تصل حتى الآن إلى خواتيمها، بل إلى المزيد من التردي، بدليل عطش القرى والبلدات والحقول المحيطة بضفاف النهر من منبعه في البقاع إلى مصبه في الجنوب.

إقرأ على موقع 180  العالم يتغير، أوزان الكبار تتغير.. الذكريات تتحدث

ومن حسن حظ اللبنانيين أن الأميركيين لا يملكون مشروعاً في لبنان أبعد من العقوبات، على خطورة نتائجها. لكن كل ما قيل عن مخاوف من حرب أهلية أو حرب إسرائيلية ـ لبنانية، إنما هي أقوال ـ هواجس لا تعبر عن الوقائع. كل التقارير الأمنية والعسكرية تشي بزيادة التسلح في لبنان في الأشهر الأخيرة. هذا الأمر صحيح، لكن الأمر لا يتعدى التسليح الفردي من أجل الحماية الذاتية، ويكاد كل من وضع خزنة حديدية في منزله ووضع فيها رزمة من العملات الصعبة، يضع رشاشاً أو مسدساً بقربها، مخافة السرقة أو الإستهداف. الأرجح، أن الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية لا تملك مشروعاً ولا أسباب موجبة لتفجير الواقع الداخلي اللبناني. لا ينفي ذلك أن إحتمالات التوتير وقطع الطرقات والفوضى، ستزنّر الواقع الجغرافي اللبناني من الشمال إلى الجنوب، لكنها ستبقى على الأرجح في حدود قدرة اللاعبين على الضبط.

هكذا تنعدم إحتمالات الحرب في لبنان حتى الآن، لكن في المقابل، يزداد القلق على العراق بفعل تحوله منذ سنوات إلى ساحة التجاذب المركزية بين الأميركيين والإيرانيين.

إطار

قضية تاج الدين: التسويات بين الحروب

تندرج قضية الإفراج عن رجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدين، في ما يمكن تسميتها “التسويات بين المعارك”، على طريقة “المعارك بين الحروب”. ثمة نافذة إنسانية فتحت بين الإيرانيين والأميركيين، وأمكن عبرها إطلاق سراح سجناء أميركيين وإيرانيين في الأشهر الأخيرة، وبينهم اللبناني ـ الأميركي نزار زكا. الأكيد أن تاج الدين رفض منذ لحظة إعتقاله في آذار/مارس 2017، أن توضع قضيته في سياق أي مسار سياسي أو أمني أو إستخباراتي يتصل بإيران أو حزب الله. طلب من فريق من المحامين الأميركيين بالتعاون مع عائلته وبإشراف المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم أن تعالج قضيته ضمن المسار القضائي الطبيعي، وعلى هذا الأساس، دفعت عائلته المبالغ التي تم تغريمه بها وتقدر بنحو خمسين مليون دولار، ولم يبق من محكوميته سوى حوالي ثلاث سنوات سجنية تنتهي في نهاية العام 2022، وإستفاد فريق المحامين من الإستثناءات المتصلة بفيروس كورونا ومن المناخ الإيراني الأميركي، لأجل الإفراج المبكر عنه.

Print Friendly, PDF & Email
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  إدارة أزمة كورونا بالـ"ديليفيري".. مكانك راوح!