الجولة الخامسة: ثلاثون سببًا للمضي بمفاوضات الترسيم
Rosh Haniqra, Israel: Israelis men fish while an Israeli naval boat patrols off the northern Israeli coast, close to the border at Rosh Haniqra, a crossing with Lebanon, 08 September 2006. Israel yesterday lifted an air blockade on Lebanon imposed when it went to war with Hezbollah guerrillas eight weeks ago and a Lebanese airliner landed at Beirut's patched-up airport to mark the moment. But Israel said a naval blockade would continue until an international force was deployed off the coast. .AFP PHOTO/JACK GUEZ (Photo credit should read JACK GUEZ/AFP via Getty Images)

تبلّغ لبنان رسمياً اليوم (الإثنين) من الجانب الأميركي تأجيل جولة التفاوض الخامسة التي كانت مقررة مع الجانب الإسرائيلي في الثاني من كانون الأول/ديسمبر حتى مطلع السنة الجديدة. كالعادة، يلجأ العدو الإسرائيلي قبل كل جولة مفاوضات بشأن الترسيم البحري إلى إطلاق بعض الشائعات والأكاذيب الإعلامية بهدف التأثير على معنويات الفريق اللبناني المفاوض.

قبيل الجولة الرابعة، من مفاوضات الترسيم البحري، التي عقدت في الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، سرّب العدو الإسرائيلي خطيّن حدوديين جديدين أحدهما بزاوية 310 درجات، واعتبر أن هذين الخطين هما ردّا على ما سماه الاستفزاز اللبناني، فردّ الجانب اللبناني برسم خطين جديدين أحدهما امتداد للحدود البرية، وهي طريقة قانونية مستندة إلى قانون البحار، وأوضح أن لبنان لو كان استفزازيّا لكان اعتمد هذا الخط، مؤكّدًا أن لبنان دخل المفاوضات بهدف إنجاحها مع احترامه الكامل للقانون الدولي، فأجبر بذلك العدو الإسرائيلي على سحب خطّيه الاستفزازيين. وغداة إنتهاء الجولة الرابعة، أطلق وزير الطاقة في حكومة العدو الإسرائيلي يوفال شتاينتس أكاذيب واتهامات من خلال تغريدة له اعتبر فيها أن لبنان غيّر موقفه من حدوده البحرية مع إسرائيل سبع مرات، وأن الموقف اللبناني الحالي يتناقض ومواقفه السابقة من حدوده مع سوريا لجهة الأخذ في الحسبان الجزر اللبنانية القريبة من الحدود.

أكّد الجانب اللبناني أن كل ما جاء في هذه التغريدة هو كذب وافتراء، وأوضح أن لبنان لم يغيّر موقفه أبدًا وكل ما قام به هو أنه أبلغ الأمم المتّحدة بحدوده البحرية الجنوبية في تموز/يوليو 2010 ثم أصدر في تشرين الأول/أكتوبر 2011 المرسوم رقم 6433 الذي حدّد فيه حدوده البحرية كاملة من الجنوب والغرب والشمال وأودعه الأمم المتّحدة من دون أي تعديل في الحدود الجنوبية. أما بالنسبة إلى الخط اللبناني الجديد، فقد استندت قيادة الجيش اللبناني إلى المادة الثالثة من المرسوم المذكور التي تجيز للبنان إعادة النظر بإحداثياته في حال ظهور معطيات جديدة وهذا ما حصل فعلًا، فقد تحقّقت قيادة الجيش من نقاط الأساس على الشاطئ اللبناني واستعانت بخبراء في القانون الدولي حيث تبيّن أن إعطاء صخرة تخيليت التأثير الكامل لا يؤمّن الحلّ المنصف وهذا الحلّ يتأمّن بعدم إعطائها أي تأثير كونه لا يجوز أن تتحكّم هذه الصخرة بكامل الخط الحدودي الجنوبي.

أما بالنسبة للموقف اللبناني في ترسيم الحدود الشمالية مع سوريا، فقد أوضح الجانب اللبناني أن إعطاء أو عدم إعطاء التأثير الكامل للجزر يتعلّق بعدة عوامل أهمها مدى تأثير هذه الجزر على اتجاه الخط الحدودي. لذا، لا تجوز المقارنة بين الترسيم في الجنوب والترسيم في الشمال، كونه لا توجد جزر لبنانية مقابلة لصخرة تخيليت في الجنوب، وبالتالي فإن إعطاءها التأثير الكامل تسبّب بانحرافٍ كبير للخط الحدودي بشكل يخسّر لبنان مساحة حوالي 1800 كلم2. أما في الشمال، فهناك جزيرة رامكين اللبنانية مقابل جزيرة أرواد السورية لذا لم يكن هناك مشكلة في إعطاء الجزيرتين التأثير الكامل أو عدم إعطائهما أي تأثير كون ذلك لا يتسبّب بانحراف هام في الخط الحدودي كما هو الحال بالنسبة لصخرة تخيليت في الجنوب. هذا إضافةً إلى أن القانون الدولي لا يُلزم لبنان باعتماد نفس الطريقة في الشمال والجنوب. لذا لكل منطقة خصوصيتها الجغرافية وهناك الكثير من الأمثلة في العالم. وعلى سبيل المثال، اعتمدت الولايات المتّحدة الأميركية في ترسيم حدودها البحرية مع كندا عند خليج ماين طريقة مختلفة عن الطريقة التي اعتمدتها في ترسيمها لحدودها البحرية مع المكسيك في خليج المكسيك.

إن لجوء العدو الإسرائيلي إلى التضليل الإعلامي هو أمرُ متوقّع كونه يفتقر إلى الحجج القانونية، ولكن يجب أن لا يستفزّنا هذا الأسلوب ويدفعنا إلى اتخاذ مواقف مضرّة بلبنان، لا بل يجب على السلطات اللبنانية الاستنفار لدعم الفريق اللبناني على جميع المستويات

لماذا يعتمد العدو الإسرائيلي هذا الأسلوب المضلّل؟

بكل بساطة لأنه يفتقر إلى الحجج القانونية لاستخدامها خلال جولات التفاوض فيلجأ إلى الكذب والتضليل للتأثير أولاً على معنويات الفريق اللبناني المفاوض وثانيًا للتأثير على موقف فريق الأمم المتّحدة والوسيط الأميركي بهدف تأليبهما على الفريق اللبناني من خلال تشويه صورة لبنان وإظهاره بمظهر البلد غير الموثوق وغير الثابت على موقفه. كل ذلك لحرف تركيزهما على النقاشات القانونية التي يعتمدها الفريق اللبناني المفاوض ودفعهما لاتخاذ موقف معاكس لهذا الفريق ظنّا من العدو أن الاستفزاز قد يدفع الفريق اللبناني إلى وقف المفاوضات وبالتالي تحميله نتيجة الفشل وتأليب المجتمع الدولي عليه.

لا أحد يستغرب هذا الأسلوب من عدوّ تاريخه معروف بالاحتيال والخداع، ولكن ما هو غير مفهوم هو صدور بعض الاراء اللبنانية الداعية إلى وقف المفاوضات مع تحديد بعض الأسباب التي أقل ما يقال فيها أنها غير دقيقة وغير مبنية على معرفة بتاريخ الحدود. فاذا وجد البعض أن هناك ثلاثة أسباب لوقف المفاوضات فإنا أرى ثلاثين سببًا لعدم وقف هذه المفاوضات أو على الأقل عدم الوقوع في فخّ العدو الإسرائيلي وتحمّل مسؤولية إفشال هذه المفاوضات. سأحاول جمع هذه الأسباب تحت عشرة عناوين رئيسية على الشكل التالي:

أولاً، إن لبنان طلب رسميًا من الولايات الأميركية لعب دور الوسيط والمسهّل وقد وافقت على ذلك وتعهّدت بانهاء المفاوضات بأسرع وقت ممكن. لذا، كل عرقلة من لبنان ستجعل الوسيط الأميركي ينقلب ضده وطبعًا سينقلب معه المجتمع الدولي.

ثانياً، إن الفريق اللبناني قوي جدًا كونه يتسلّح بالقانون الدولي وبإيمانه بحقّه وبوطنيته العالية التي تدفعه للاستماتة في الدفاع عن الحقوق اللبنانية. لذا فالمصلحة الوطنية تقضي بمواصلة الدفاع عن حقوقننا حتى آخر ثانية.

ثالثاً، إن المهلة المعطاة للمفاوضات هي ستة أشهر، وما زلنا في الأسبوع السادس، لذا فإن تمترس كل فريق على موقفه هو أمر طبيعي وخاصةً عندما يكون التفاوض مع العدو الإسرائيلي المعروف بخداعه ومحاولاته استغلال أية ثغرة لتحقيق مكاسب على حساب لبنان.

رابعاً، إن لجوء العدو الإسرائيلي إلى التضليل الإعلامي هو أمرُ متوقّع كونه يفتقر إلى الحجج القانونية، ولكن يجب أن لا يستفزّنا هذا الأسلوب ويدفعنا إلى اتخاذ مواقف مضرّة بلبنان، لا بل يجب على السلطات اللبنانية الاستنفار لدعم الفريق اللبناني على جميع المستويات وخاصةً على مستوى سفراء لبنان لدى الدول المؤثّرة في مجلس الأمن وتحديدًا سفير لبنان في واشنطن والبعثة اللبنانية لدى الأمم المتّحدة لإظهار الموقف اللبناني الحقيقي ودحض أكاذيب العدو الإسرائيلي ومنعه من تشويه صورة لبنان.

طرح قيادة الجيش هو طرحُ قانوني متقدّم جدًا لأنه يمنح لبنان مساحة 1430 كلم2 جنوب النقطة 23 وبالتالي يجب دعمه والتفاوض على أساسه وعدم المزايدة على قيادة الجيش في هذا المجال

خامساً، ضرورة التمسك بحدودنا البرية التي تم ترسيمها في العام 1923 بواسطة لجنة بوليه – نيوكومب، كون هذا الترسيم هو الأول المثبّت دوليًا وقد اعتمد عليه الفريق اللبناني المفاوض للانطلاق من نقطة رأس الناقورة بالنسبة للحدود البحرية ولاستخدام كامل الخط عند التفاوض على الحدود البرية. أما محاولة إظهار وجود فوارق بين حدود 1923 وحدود 1920 فهي غير دقيقة كون القرار رقم 318 تاريخ 31 آب/أغسطس 1920 الذي تم بموجبه إعلان دولة لبنان الكبير حدّد الحدود الشمالية والشرقية بواسطة الوصف واعتمد بصورة عامة على الحدود الطبيعية وعلى حدود الأقضية، أما بالنسبة للحدود الجنوبية فقد ذكرها بعبارة “كما هي معيّنة في الاتفاقات الدولية” والمقصود هنا الاتفاقية بين فرنسا وبريطانيا والتي بموجبها تم تكليف لجنة بوليه – نيوكومب بترسيم الحدود بين الانتدابين الفرنسي والبريطاني. وقد قامت هذه اللجنة بوضع 71 نقطة من رأس الناقورة حتى الحمه السورية من ضمنها 38 نقطة على الحدود اللبنانية – الفلسطينية ولم يشمل عملها الحدود البحرية. أما العودة إلى عهد الأمير فخر الدين فهي غير منطقية لأنه لم يكن يوجد حينها مفهوم قانوني للحدود وكانت تتعلّق بقوة وضعف الأمير.

إقرأ على موقع 180  حزب الله مربكاً في مواجهة الحراك.. إلى أين

سادساً، إمتداد الحدود البرية هو طريقة من مجموعة طرق لترسيم الحدود البحرية: اعتمد الفريق اللبناني هذه الطريقة كردّ على طرح العدو الإسرائيلي للخط 310 درجات ولكن هذه الطريقة ليست الوحيدة وغير قابلة للموافقة من قبل العدو الإسرائيلي وبالتالي لا يمكن تطبيقها إلاّ في مجال الضغط خلال التفاوض. أما طرح قيادة الجيش فهو طرحُ قانوني متقدّم جدًا لأنه يمنح لبنان مساحة 1430 كلم2 جنوب النقطة 23 وبالتالي يجب دعمه والتفاوض على أساسه وعدم المزايدة على قيادة الجيش في هذا المجال وهي التي كان لها الجرأة لاتخاذ هذا القرار بعد أن ارتكب متابعو هذا الملف أخطاءً مميتة بين العامي 2007 و2011.

سابعاً، التفاوض لا يعني التطبيع: استند بيان الإطار على اتفاقية الهدنة للعام 1949 وعلى تفاهم نيسان/أبريل عام 1996 وعلى القرار 1701 (2006) للتأكيد على أن التفاوض الذي يتم الآن هو تقني وغير مباشر وهو ليس بالأمر الجديد فقد سبق وأجرى لبنان مفاوضات مماثلة ولم يصل إلى التطبيع وآخرها الاجتماعات الثلاثية التي تُعقد في رأس الناقورة منذ العام 2006 والتي ساهمت بمعالجة العديد من المواضيع المتعلّقة بتطبيق القرار 1701 ولم تصل إلى التطبيع. لذا فإن استغلال هذا الأمر ليس سوى فزّاعة يستعملها البعض للتخويف من التفاوض لغاياتٍ مختلفة.

ثامناً، أهمية الوقت: إن الأزمة البحرية بدأت في العام 2006 أي منذ أربع عشرة سنة، كما أن الوساطة الأميركية بدأت في العام 2012 أي منذ ثماني سنوات، لذا أليس للوقت قيمة عندنا؟ هل لدى المطالبين بوقف المفاوضات خطّة بديلة واضحة مرتبطة بمهل زمنية منطقية؟ لو سألنا أي شخص عاقل إذا كان لديه مشكلة شخصية هل ينتظر كل هذا الوقت أم أنه يُسارع إلى معالجتها بالطريقة الأفضل للحد من خسائره؟ فلماذا لا ينطبق هذا المنطق عندما يكون الأمر متعلّقًا بالمسائل الوطنية؟ هل لأن الخسارة هي من جيب الوطن؟

القرار الصحيح هو بممارسة التصلّب الواعي الذي يؤمّن أقصى الممكن من الحقوق اللبنانية والابتعاد عن التعنّت الأعمى الذي يتسبّب كالعادة بخسارة كل الحقوق

تاسعاً، أهمية التوقيت: إن لبنان اليوم هو بأمس الحاجة لاستثمار ثرواته للخروج من أزمته الإقتصادية، فأين هي مصلحته في التأجيل؟ ليس صحيحًا أن هذا الوضع يجعله في موقف ضعف بل العكس لأن اللبنانيين اعتادوا على مواجهة الأزمات بعكس المجتمع الإسرائيلي الهش وهذا يساعد الوفد اللبناني على ممارسة المزيد من التصلّب لتحصيل الحد الأقصى الممكن من الحقوق اللبنانية.

عاشراً، وقف التفاوض هو انسحاب من المعركة: يخوض جيشنا البطل معركة حقيقية مع العدو الإسرائيلي وقد نجح في اختراق دفاعاته الأمامية من خلال فرض خطّه الجديد للتفاوض على أساسه بدلاً من خط النقطة 23. والدليل على ذلك متابعة جلسات التفاوض برغم محاولات العدو الإسرائيلي الالتفاف وممارسة عمليات الخداع والتضليل. جيشنا اليوم هو في خضم المعركة، والانسحاب يتم عادةً في حالتين: الحالة الأولى هي الخسارة وجيشنا ليس بخاسر، والحالة الثانية هي تحقيق الهدف النهائي وهذا لم يتم لغاية الآن لكن جيشنا يتقدّم بإصرار نحو هذا الهدف. لذا فإن وقف المفاوضات في هذا التوقيت هو خطأ كبير وجريمة بحق الجيش اللبناني وبحق الوطن.

إن الرسم البياني للمراحل التاريخية التي مرّت بها حدودنا الجنوبية يدلّ على تراجع مستمر وخساراتٍ متتالية آخرها كانت الخسارة الناتجة عن الخط الأزرق في العام 2000. لذا يجب وضع حدّ لمسلسل الخسائر وتركيز الجهود الوطنية للإستفادة من الرعاية الأممية والوساطة الأميركية للمفاوضات الجارية حاليًا. علينا أن نقدّم كل الدعم للفريق اللبناني المفاوض وعدم إطلاق أي موقف غير مدروس قد يستغلّه العدو الإسرائيلي. المعركة في بدايتها ويجب علينا متابعتها بكل عزم، علينا وضع ثقتنا الكاملة بالجيش اللبناني ودعم أي قرار يتّخذه الفريق المفاوض. القرار الصحيح هو بممارسة التصلّب الواعي الذي يؤمّن أقصى الممكن من الحقوق اللبنانية والابتعاد عن التعنّت الأعمى الذي يتسبّب كالعادة بخسارة كل الحقوق.

أخيراً، ليس هناك مصلحة للبنان بوقف أو تأجيل المفاوضات بهدف التوصّل الى الحلّ المنصف والعادل والذي يسمح باستثمار ثروته النفطية في المنطقة الحدودية الجنوبية، ويجب أن يعلم العدو الإسرائيلي أيضاً أن ليس من مصلحته وقف هذه المفاوضات كون الجانب اللبناني سيلجأ الى تعديل المرسوم رقم 6433/2011 الذي كان فخامة رئيس الجمهورية بصدد طرحه على جلسة مجلس الوزراء بتاريخ 21 تموز/يوليو 2020، ليتم بعد ذلك إيداع الإحداثيات الجديدة للحدود البحرية اللبنانية الجنوبية الدوائر المعنية في الأمم المتّحدة، فيكون هذا التعديل الأول وليس السابع، كما يزعم وزير الطاقة الإسرائيلي، وبالتالي يصبح حقل كاريش من الناحية القانونية ضمن منطقة متنازع عليها مع لبنان مما يُجبر شركات النفط التي تعمل في هذا الحقل على وقف أنشطتها البترولية لحين التوصّل إلى الحل المنصف على أساس القانون الدولي.

Print Friendly, PDF & Email
أنطون مراد

عميد ركن متقاعد

Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  من بيروت إلى بغداد.. "تجييش" و"صفقات"!