إسرائيل “اليمينية”.. تحوّلات إقليمية ودولية
An Ultra Orthodox Jewish man walks past an electoral billboard bearing a portrait of Israel's Prime Minister Benjamin Netanyahu, in Jerusalem, on April 1, 2019. - Israeli general elections will be held on April 9, 2019. (Photo by THOMAS COEX / AFP) (Photo credit should read THOMAS COEX/AFP via Getty Images)

Avatar18008/12/2020
يشهد العديد من دول العالم اندفاعات قومية، ما يزيد من دور الثقافة التقليدية في الحياة اليومية، ويعزز الجهود الهادفة إلى الاستقلال عن الخارج، وتعزيز استقلالية القدرات الدفاعية، فيما يتم التمسك بنظام ما بعد الحرب العالمية الثانية فقط عندما تكون مناسبة.

يدفع جيل الشباب إسرائيل أكثر فأكثر نحو التوجه القومي. في ظل تطور الاتجاهات السياسية لهذه الفئة العمرية، يبرز السؤال عن الحزب القومي الإسرائيلي الذي يمكن أن يتولى زمام الأمور في الدولة العبرية. هل هي الأحزاب التوسعية ذات العقلية الأمنية والتركيز الاقتصادي مثل “الليكود”؟ أم هي الأحزاب الأكثر التزاماً من الناحية الايديولوجية بضم المستوطنات مثل الأحزاب اليمينية المتطرفة؟ أم هي الأحزاب الدينية المحافظة سياسياً والتي تمتلك عضلات ديموغرافية متزايدة مثل حزب “شاس” الأرثوذكسي المتطرف؟ لعل هيمنة أحد هذه الأنماط الحزبية الثلاثة سيكون لها عواقب على الموقف الأمني ​​الإقليمي لإسرائيل، ما يجعلها في بعض الأحيان منسجمة مع بعض الحلفاء الجدد في الخليج، ومجددة للعداء مع كل من إيران وتركيا.

توجهات الشباب القومي

على عكس مختلف الديموقراطيات في العالم، فإن الشباب القومي في إسرائيل يصوّت لمروحة من الأحزاب اليمينية مثل “الليكود”، والأحزاب الصديقة للمستوطنين على غرار “يمينا،” والأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة على شاكلة “شاس”. خلال سلسلة الانتخابات الإسرائيلية في العامين 2019 و2020، والتي يبدو أن لا نهاية لها، منحت شريحة واسعة من الشباب القومي أصواتها لزعيم “الليكود” بنيامين نتنياهو، في مقابل شريحة واسعة من الوسطيين منحت تأييدها لخصمه بيني غانتس (كاحول ليفان أو أزرق أبيض).

جيل الألفية الإسرائيلي، الذي ولد في الغالب بعد عام 1980، نشأ في عصر الصراع المستعصي، الذي تحقق فيه السلام من خلال الردع العسكري، وليس من خلال الدبلوماسية الدبلوماسية، والذي في سياقه ساهمت الضغوط الاقتصادية والشعور الديني المتزايد في جعل مستوطنات الضفة الغربية ورقة رابحة للأحزاب الإسرائيلية، على الرغم من الإدانات الدولية للاستيطان.

بعض هؤلاء الشبان من أحفاد مؤسسي إسرائيل، غالباً ما قدموا من  يسار الوسط. لكن الكثيرين منهم أيضاً يتحدرون من نسل المهاجرين، من يهود ما بعد الاتحاد السوفياتي، والذين زرعوا في إسرائيل تقاليد سياسية واجتماعية يمينية جديدة. إنهم يمثلون ثمرة طفرة المواليد للأرثوذكس المتطرفين، وهي مجموعة انتقلت من 5 في المئة من سكان إسرائيل عام 1990 إلى حوالي 12 في المئة حالياً.

إيران، وبدرجة أقل تركيا، ستظلان منافستين أيضاً من الناحية القومية أيضاً. حالياً تندفع هاتان الدولتان نحو القومية، لكن أيديولوجيتهما القومية تتضمن عنصراً مناهضاً لإسرائيل

يتفق هؤلاء على جوانب واسعة من القضايا القومية، مثل الهوية اليهودية لدولة إسرائيل، وحاجتها إلى تحقيق السلام من خلال القوة، والرغبة في التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة، والاستعداد لتجاوز المعايير الدولية عندما يُنظر إليها على أنها لا تصب في مصلحة إسرائيل.

حلفاء وأعداء إقليميون

بالنسبة إلى إسرائيل، تُرجم التوجه القومي من خلال الانجراف نحو سياسات الصقور ضد خصوم مثل إيران ووكلائها، وضد ضم الأراضي في فلسطين.

الآن، صار لدى إسرائيل حلفاء إقليميون في سعيها لتحقيق بعض هذه الأهداف، ولا سيما مواجهة إيران، والتملص من الالتزامات المتصلة بحقوق الإنسان، والقواعد الدولية التي يمكن أن تقيد سياساتها.

في موازاة ذلك، يبدو أن لدى السعودية والبحرين والإمارات ومصر أهدافاً متشابهة، وإن بشكل متفاوت، وهذه القواسم المشتركة هي التي تساعد في دفع التطبيع الحالي للعلاقات العربية مع إسرائيل.

مع انجراف إسرائيل إلى اليمين، من المرجح أن تتوطد هذه العلاقات، لا سيما في ظل تنامي الروابط الاقتصادية بين الدولة العبرية وبين هذه الدول العربية.

وفي وقت يعيد هؤلاء الحلفاء الجدد تفسير مصالحهم الوطنية، فإنهم سيشهدون مستوى أدنى من التهديدات في حال انجراف إسرائيل نحو حل الدولة الواحدة، حيث أن القضية الفلسطينية – التي كانت ذات يوم الدعامة الأيديولوجية للدول العربية – تنخفض إلى ما دون الضرورات الوطنية الجديدة مقارنة بالصراع مع إيران والتنوع الاقتصادي والاستقلال العسكري.

لكن إيران، وبدرجة أقل تركيا، ستظلان منافستين أيضاً من الناحية القومية أيضاً. حالياً تندفع هاتان الدولتان نحو القومية، لكن أيديولوجيتهما القومية تتضمن عنصراً مناهضاً لإسرائيل.

لم تظهر إيران أي مؤشر على أنها ستبتعد عن برنامجها المناهض لإسرائيل.

وعلى الرغم من أن تركيا لديها معاهدة مع إسرائيل، فإنها تنجرف أيضاً نحو القومية التركية الإسلامية التي تنظر إلى إسرائيل بعين العداء.

لكن الأقرب إلى الإسرائيليين هم الفلسطينيون. يتجه القوميون الإسرائيليون ضمنياً نحو حل الدولة الواحدة للقضية الفلسطينية. مع نمو المستوطنات الإسرائيلية، وعمليات الضم – سواء بحكم القانون أو بحكم الأمر الواقع – يتم تقطيع أوصال الضفة الغربية، وستزداد التساؤلات حول ما سيحدث للفلسطينيين الذين يعيشون في الجيوب. هناك حلول مختلفة، تتراوح بين عمليات الضم بالجملة، وبين “تأميم” الفلسطينيين على نحو سيؤدي الى انقلاب في التركيبة السكانية، وهو ما يستدعي إجراءات محتملة من شأنها تهدئة المخاوف الأمنية الإسرائيلية، ومن بينها منع الفلسطينيين من دخول قوائم الناخبين في إسرائيل.

لا يُظهر اليهود الأرثوذكس المتشددون سوى القليل من الدلالة على استعدادهم للتخلي عن المبادئ العزيزة عليهم والانضمام إلى الجيش الإسرائيلي، وهو ما ينذر باحتمال أن تذهب  فصائل أخرى نحو هذا التوجه، ما سيؤدي إلى تقويض فعالية الجيش الإسرائيلي بمرور الوقت

التوجه شرقاً

إقرأ على موقع 180  الصراع الأذري – الأرمني.. أبعد من ناغورنو قره باخ

التأثير على انجراف إسرائيل نحو اليمين في علاقاتها مع أوروبا والولايات المتحدة هو أيضاً موضع تساؤل. في أوساط هؤلاء الحلفاء الغربيين، يظهر المد المتصاعد للجيل الشباب من اليساريين الساعين لتعزيز المعايير التي تكرّست بعد الحرب العالمية الثانية، ولا سيما قضايا حقوق الإنسان، التي يبقى التزام اليمين الاسرائيلي بها محاطاً بالشكوك.

حالياً، تسعى هذه المجموعة اليسارية إلى تشكيل ادارة جو بايدن المقبلة، حيث من المرجح أن تأخذ حقوق الإنسان أولوية أعلى مما كانت عليه في عهد الرئيس دونالد ترامب. ولكن في الوقت ذاته، فإن اهتمام أوروبا والولايات المتحدة يبقى دون المستوى حين يتعلق الأمر بالإدارة التفصيلية للشرق الأوسط، فالمحاولات المتكررة لإيجاد سلام دائم بين إسرائيل والفلسطينيين أربكت رئيساً بعد رئيس، ولا يبدو أن الأمر يمثل أولوية قصوى للادارة الأميركية الجديدة.

وعلى عكس ما حدث في التسعينيات، والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما كانت الولايات المتحدة قادرة على تنفيذ استراتيجيات أحادية الجانب في الشرق الأوسط، فإن لدى إسرائيل اليوم طرقاً لمواجهة بعض هذا الضغط، اذ يمكنها أن توسع علاقاتها الاقتصادية والأمنية مع حلفائها العرب الخليجيين الجدد، وهم أنفسهم يشعرون بالقلق ازاء التغييرات المحتملة في السياسات الأميركية.

لكن اسرائيل يمكن أن تذهب أبعد من ذلك: روسيا والصين. بعد عقود من النمو العسكري والاقتصادي يمكن أن تشكل هاتان الدولتان لإسرائيل تعويضاً حقيقياً لنفوذ الولايات المتحدة، سواء اقتصادياً أم عسكرياً.

قد يكون مجرد التلويح بهذا المحور، سواء كان موسكو أو بكين أو كليهما، كافياً لإحباط بعض المحاولات الأميركية لإعادة تشكيل السياسات الإسرائيلية.

في غضون ذلك، هناك الكثير من الخلافات بين المكونات اليمينية الإسرائيلية الثلاثة. على سبيل المثال، لا يُظهر اليهود الأرثوذكس المتشددون سوى القليل من الدلالة على استعدادهم للتخلي عن المبادئ العزيزة عليهم والانضمام إلى الجيش الإسرائيلي، وهو ما ينذر باحتمال أن تذهب  فصائل أخرى نحو هذا التوجه، ما سيؤدي إلى تقويض فعالية الجيش الإسرائيلي بمرور الوقت.

من جهة ثانية، يرغب المزيد من المستوطنين الايديولوجيين ليس في الالتفاف على الأعراف الدولية فحسب، بل كسرها والتحرك نحو الضم الرسمي للضفة الغربية، في حين أن العديد من أحزاب يمين الوسط لا تريد المخاطرة بعلاقاتها مع العالم الخارجي بمثل هذا السلوك المفاجئ.

مع احتمال أن يصبح الجناح اليميني قوة مهيمنة أكثر فأكثر في إسرائيل، ستعطي الائتلافات اليمينية ورؤساء حكوماتها شكلاً لكيفية تأثير هذه الأيديولوجيات على سلوك إسرائيل الإقليمي. سيتم انتخاب بعض رؤساء الوزراء على أساس برامج متشددة، ولكنها محافظة في الأساس، ويخاطرون في السعي وراء المبادئ الدولية عندما يناسبهم الأمر سياسياً ودبلوماسياً، تماماً مثلما حقق نتنياهو مسيرة سياسية. قد يكون البعض الآخر على شاكلة نفتالي بينيت من “يمينا”، الذي أكد أنه سيواصل توسيع المستوطنات والضم على الرغم من رد الفعل الدبلوماسي والأمني ​​المحتمل. وبالتالي، فإن أكثر ما سيحدد السلوك الإسرائيلي عندما يتحول إلى اليمين، ليس الضغط الخارجي لحلفاء إسرائيل، بل الديناميات بين الفصائل اليمينية نفسها.( المصدر: مترجم عن “ستراتفور”)

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  الإسرائيلي يسأل: "حماس" تخطط لتسوية.. أم لأمر آخر؟