جولدا مائير تُغطي فشل إغتيال سلامة.. و”الحربة” تضرب في روما (31)

في الحلقة الأخيرة (30) من سلسلة "انهض واقتل اولا، التاريخ السري لعمليات الاغتيال الاسرائيلية" عرضنا للمطاردة "الإسرائيلية" للقيادي الفلسطيني "أبو حسن سلامة" أحد المتهمين بالوقوف وراء الهجوم الذي أدى إلى مقتل لاعبين "إسرائيليين" في أولمبياد "ميونيخ 1972". مطاردة إنتهت بقتل مواطن مغربي في النروج، إشتبه رجال "الموساد" بأنه سلامة!

يقول رونين بيرغمان مؤلف كتاب “انهض واقتل اولا، التاريخ السري لعمليات الاغتيال الاسرائيلية” نقلا عن احد المشاركين في عملية القتل المتعمد للمواطن المغربي احمد بوشيكي في مدينة ليلهامر النروجية، إن التداعيات الأمنية والقانونية لتلك العملية على وحدة الاغتيالات “الحربة” بدأت تظهر تباعاً، فمسؤول الشؤون اللوجستية فيها (رجل الأعمال الدانماركي) دان أربيل إشترى مباشرة بعد العملية حنفيات وامور اخرى للمنزل الذي كان يبنيه في “اسرائيل” ووضع كل الحاجيات التي اشتراها في سيارة “فولفو” رمادية اللون كان منفذو عملية الاغتيال استخدموها، وكانت زوجة المغدور بوشيكي قد نجحت في كتابة رقم لوحة السيارة وسلمتها للشرطة النروجية. وخلافاً لتعليمات قائد وحدة “قيسارية” مايك هراري، فإن دان أربيل لم يتخلص من السيارة بل استخدمها لنقل حاجياته الى مطار اوسلو مع زميلته في العملية جلادينكوف حيث كانت الشرطة تنتظرهما في مكتب تأجير السيارات وهناك اعتقلته وزميلته.

خلال التحقيق معه، إنهار دان أربيل سريعاً لأنه كان يعاني من رهاب (فوبيا) الاماكن المغلقة. وينقل بيرغمان عن شاوول (احد المشاركين في العملية) قوله “لم يقرأ احد في التقرير الشخصي لأربيل عن خوفه من الاماكن المغلقة ومدى تأثير ذلك عليه في حال الامساك به، وهذا سلوك غير احترافي ابدا من قبل وحدة قيسارية، فقد كتب الرجل تقريرا صادقا لم يكلف احد نفسه عناء قراءته، فلو حصل ذلك لكان ألغي دوره في العملية فوراً”.

يضيف بيرغمان أن أربيل أخبر الشرطة النروجية عن مكان وجود أفراهام غيمير وسيلفيا رافاييل، وادت حملة بحث عنهما الى اعتقالهما ايضاً مع اثنين آخرين من المشاركين في العملية، واصبح واضحا للشرطة النروجية ان العملية هي عبارة عن قتل متعمد من تنفيذ “الموساد”، ووجدت الشرطة بحوزة المعتقلين وثائق، كان قد طُلِبَ منهم التخلص منها فور قراءتها، ويستدل منها على البيوت السرية الآمنة لـ”الموساد” في معظم أنحاء أوروبا بالإضافة إلى أسماء المتعاونين معهم وقنوات الإتصال التي يستخدمونها وطرق تنفيذ العمليات، كما ساعدت المعلومات التي حصلت عليها الشرطة من هذه الوثائق والتحقيقات مع الموقوفين في كشف السلطات الامنية الفرنسية والايطالية عن عمليات قتل متعمد نفذها “الموساد” على اراضي فرنسا وإيطاليا. واحتل توقيف العملاء الستة وتقارير التحقيق معهم عناوين الصحف في العالم اجمع، ما شكّل إحراجاً كبيراً لدولة “إسرائيل”.

وتمثل الإحراج الأكبر في أن أربيل سلّم المحققين كل ما لديه، حتى رقم هاتف المقر الرئيسي لـ”الموساد” في تل أبيب. ومع ذلك لم تقر “إسرائيل” بمسؤوليتها عن قتل المغربي أحمد بوشيكي لكنها قدمت المساعدة القانونية للدفاع عن المعتقلين، وقد وجدت المحكمة النروجية ان جهاز “الموساد” كان مسؤولاً عن عملية القتل وادانت المحكمة خمسة من المعتقلين الستة وحكمت عليهم بالسجن لمدد تراوحت بين سنة وخمس سنوات ونصف السنة لكن اخلي سبيلهم بعد وقت قصير من سجنهم عبر اتفاق سري بين حكومتي النروج و”اسرائيل” وعادوا الى البلاد حيث استقبلوا استقبال الابطال.

مايك هراري: عرضنا لجولدا (مائير) إستقالتنا الفورية من منصبينا لكنها قالت لنا انها لا تريد ان تسمع هذا الكلام ابداً وان هناك امورا مهمة يجب القيام بها وهناك حاجة كبيرة لنا. لذلك يجب ان نبقى، ثم دعتنا الى بيتها المتواضع في تل ابيب وصنعت لنا الشاي بيدها في مطبخها وعملت جاهدة إلى رفع معنوياتنا

وعن تداعيات كل ذلك على وضع قيادة “الموساد”، يقول رونين بيرغمان ان رئيس الجهاز زفي زامير وقائد “وحدة قيسارية” مايك هراري احتفظا بمنصبيهما، غير ان حلم هراري بوراثة زامير بعد انتهاء ولايته تلاشى، وينقل عن احد العملاء المخضرمين في وحدة “قيسارية” موتي كفير قوله “لقد كانت عملية ليلهامر فشلاً ذريعاً بدءاً من الذين كانوا يتعقبون الهدف الى الذين اطلقوا النار.. ومن جهاز “الموساد” الى كل دولة اسرائيل، وبمعجزة ما، نجا المسؤولون الفعليون عما حصل من اي اذى او مساءلة”.

يقول رونين بيرغمان إن هذه المعجزة اسمها جولدا مائير (رئيسة الوزراء) التي كانت من اشد المعجبين بجهاز “الموساد”، وينقل عن هراري زعمه انه اقر وزامير “بالمسؤولية عما حصل وعرضنا لجولدا (مائير) إستقالتنا الفورية من منصبينا لكنها قالت لنا انها لا تريد ان تسمع هذا الكلام ابداً وان هناك امورا مهمة يجب القيام بها وهناك حاجة كبيرة لنا. لذلك يجب ان نبقى”. يضيف هراري انه في الاسابيع التي تلت العملية، دعته جولدا مائير الى بيتها المتواضع في تل ابيب “وصنعت لي الشاي بيدها في مطبخها وعملت جاهدة إلى رفع معنوياتي”.

يقول بيرغمان ان فشل عملية ليلهامر رفع من منسوب الحذر في سياسة القتل المتعمد التي تعتمدها وحدة “قيسارية” ففي الرابع من سبتمبر/ ايلول (عام 1973) كان هراري يتولى قيادة عملية واسعة النطاق لوحدته ووحدة “قوس قزح” (تعمل كلا الوحدتين في القتل المتعمد) في روما حيث كان وعملاء الوحدتين يتتبعان مجموعة من “منظمة ايلول الاسود” يقودها امين الهندي، وهو من ضمن لائحة الأحد عشر إسماً في لائحة القتل لدى “الموساد” ممن يُعتقد انه لهم نصيب من المسؤولية عن عملية ميونيخ (قتل الرياضيين “الاسرائيليين”) وكانت (مجموعة روما) تعمل بتوجيهات من الزعيم الليبي معمر القذافي الذي جهّزهم بست صواريخ مضادة للطائرات من طراز “ستريلا اس اي 7” التي تطلق عن الكتف وهي دقيقة جدا في اصابة اهدافها، وكان هدف هذه المجموعة اسقاط احدى طائرات “العال” مباشرة بعد اقلاعها من مطار “فيمشينو” في روما. لاحق مايك هراري وفريقه اعضاء هذه المجموعة فيما كانوا ينقلون الصواريخ الى شقة في منطقة “اوستيا” في احد ضواحي روما على مرمى حجر من مدرج المطار، وبحسب هراري، فان المجموعة كانت تنوي اطلاق الصواريخ من على سطح المبنى الذي كانت تقيم في أحد شققه.

إقرأ على موقع 180  فرزلي يتذكر: هكذا تعرفت على غازي كنعان.. وهذه "إخبارية" الإسرائيلي

يروي الكاتب ان هراري ورئيسه زامير كانا يجلسان على ارضية عشبية قرب احد الملاعب، حيث كان اطفال يلهون برفقة أمهاتهم، مقابل البناء الذي كانت فيه شقة مجموعة الهندي وكانا يتناقشان مع القاتل المحترف ناهيميا مائيري الذي كان يرجوهما ان يسمحا له باقتحام الشقة، قائلاً “دعوني ادخل. سأقتلهم خلال دقيقة واحدة وآخذ الصواريخ وأخرج”. لكن بعد فشل عملية ليلهامر، كان زامير وهراري حذرين جداً، وبعد اعتراض مائيري الغاضب، قال له زامير:”ناهيميا، ليس الآن. هذه المرة سنخبر الاستخبارات الايطالية وهي ستتولى الأمر بيدها”، فرد عليه مائيري قائلاً “وماذا سنُحصّل من وراء ذلك؟ سيقوم العرب باختطاف طائرة ايطالية او يهددون الطليان فيقوم الآخرون باطلاق سراح هؤلاء الاشخاص”؟. وهنا تدخل هراري قائلاً له “لو كانت طائرة العال في حالة خطر داهم، لكنا لم نكتف بتفجير الشقة التي يقيم فيها هؤلاء الاشخاص بل المبنى برمته، ولكن ما تزال امامنا بضع ساعات قبل ان يطلقوا الصواريخ بالاضافة الى ذلك عندما فجرنا الهمشري (في منزله في العاصمة الفرنسية باريس) كنا نعلم ان العبوة ستطيح فقط بمصباح الزاوية والمقعد الذي يجلس عليه بالاضافة الى رأسه ولكن هنا، يبدو الامر مختلفاً. كيف لي ان اسمح لك ان تبدأ عملية تبادل لاطلاق النار في مبنى سكني مؤلف من ست طبقات في الوقت الذي لا اعرف من هم جيرانهم في هذا المبنى ومن يمكن ايضا ان يصاب باذى؟ ربما يكون رئيس الوزراء الايطالي نفسه يعيش في الشقة المجاورة او ربما تكون جدة رئيس الوزراء”؟

يقول بيرغمان ان مائيري لم يقتنع بالحجج التي ساقها المسؤولون عنه وازداد غضبه عندما امره زامير ان يكون ممثلا لـ”الموساد” لدى الشرطة الايطالية لإرشاد رجالها الى الشقة المستهدفة لأنه كان افضل من يتكلم اللغة الايطالية في الوحدة. ورد مائيري على هذا الامر بالقول “اذا رأوني، سأحترق (أنكشف) كعميل ولن يكون بامكاني المشاركة في تنفيذ اية عملية مستقبلاً”، فحاول هراري تهدئته قائلاً “لا تقلق يا ناهيميا فلدينا في اسرائيل افضل جراحي التجميل في العالم، سنعطيك وجها جديدا وسيكون افضل بكثير من الذي تحمله الان، اذهب وارشدهم الى الشقة”.

داهمت الشرطة الايطالية الشقة واعتقلت كل مجموعة امين الهندي بداخلها ولكن حصل تماما ما كان يقوله مائيري. لاحقاً، وتحديداً بعد ثلاثة أشهر، أطلق الإيطاليون سراحهم بضغط من معمر القذافي. اما وحدة “الحربة” للاغتيالات والقتل المتعمد التي كان مائيري احد ضباطها، فقد اهملت بعد عملية ليلهامر لا سيما ان السلطات النروجية كانت قد عثرت بحوزة المعتقلين بعد العملية على جواز السفر الايطالي المزور الذي استخدمه مائيري، ما ادى الى تقليص سفره وصولاً إلى تركه “الموساد” بعد فترة وجيزة.

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  "فورين بوليسي": نتنياهو عندما يُكرّر خطأ بوش الإبن!