“تأتي هذه التطورات في ظل انتهاء فترة تكليف بنيامين نتنياهو بتشكيل حكومة في 6 أيار ونقل التكليف إلى يائير لبيد الذي تنتهي فترة تكليفه في 2 حزيران. ويجمع المحللون على أن أحداث القدس أعادت خلط الأوراق الحزبية التي تم تجميعها بصعوبة داخل ما يُسمى بـ “معسكر التغيير” الذي يقوده لبيد ونفتالي بينيت، خاصة وأن هذه المعسكر يحتاج إلى دعم الأحزاب العربية لتشكيل حكومة جديدة. كما أن التصعيد العسكري الإسرائيلي تجاه قطاع غزة سيزيد من فرص نتنياهو في عرقلة مساعي لبيد- بينيت لتشكيل حكومة بديلة أو حتى جعلها مستحيلة.
واقع الأزمة السياسية داخل إسرائيل عشية أحداث القدس
خلال العامين المنصرمين، أجرت إسرائيل أربع جولات انتخابية دون أن يتمكن أي حزب من تشكيل حكومة مستقرة. في الجولة الأخيرة للانتخابات، والتي جرت في آذار/ مارس 2021، اصطفت الأحزاب الإسرائيلية المشاركة في أربع معسكرات[1]:
1) “معسكر نتنياهو” والذي يدعم إقامة حكومة جديدة يمينية برئاسته. يضم هذا المعسكر حزب الليكود (30 مقعدا)، يهدوت هتوراة (7)، شاس (9)، الصهيونية الدينية (6).
2) “معسكر التغيير” ويضم الأحزاب التي تتفق على ضرورة استبدال نتنياهو: يوجد مستقبل (17)، أزرق أبيض (8)، العمل (7)، ميرتس (6)، إسرائيل بيتنا (7)، أمل جديد (6).
3) “المتذبذبون”: الذين لا يمانعون من الانضمام لأي طرف في حال تم تلبية مطالبهم، وهم حزب يمينا (7) والقائمة العربية الموحدة (4).
4) القائمة العربية المشتركة (6) والتي لا ترى نفسها جزءاً من أي ائتلاف حكومي مستقبلي.
على الرغم من أن الأطياف الحزبية التي تشكل معسكر نتنياهو تبدو منسجمة سياسيا وتصطف بشكل صلب حتى اللحظة حول نتنياهو، إلا أنها غير قادرة لوحدها على تشكيل حكومة حيث أن عدد مقاعدها يصل إلى 52 فقط. من أجل تشكيل الحكومة، يحتاج معسكر نتنياهو إلى دعم الحزبين “المتذبذبين” معا للوصول إلى 61 مقعدا. ورغم محاولات نتنياهو ضم القائمة الموحدة، واستعداد الأخيرة لذلك، إلا أن المعارضة القاطعة للقائمة الصهيونية الدينية التي يترأسها بتسلئسل سموتريتش وتضم أتباع مئير كهانا أفشلت هذا السيناريو. وقد حاول نتنياهو استقطاب منشقين من معسكر التغيير، إلا أن محاولته لم تثمر فانتهت فترة تفويضه.
في مقابل معسكر نتنياهو، يجتمع “معسكر التغيير” من حول هدف واحد هو استبعاد نتنياهو من رئاسة الحكومة. لكن لا يبدو هذه الهدف كفيل بتظليل التناقضات والتباينات الحادة بين أطيافه التي تجمع ما بين اليمين (أمل جديد وإسرائيل بيتنا) وما بين الوسط (يوجد مستقبل وأزرق أبيض) واليسار (العمل وميرتس). والأهم أن لبيد الذي انتقل إليه التفويض من رئيس الدولة بعد فشل نتنياهو، سوف يحتاج هو أيضا إلى دعم مباشر من حزب يمينا بالإضافة إلى الموحدة لتشكيل حكومة قد يطلق عليها حكومة “وحدة وطنية”، وهو ما أدى إلى أن يتم اقتراح التناوب مع بينيت من أجل تمرير هذا السيناريو رغم عدم حصول قائمته إلا على سبعة مقاعد في الانتخابات.
وعلى الرغم من صعوبة جمع كل هذه الأحزاب والقوائم المتنافرة تحت مظلة حكومية واحدة، إلا أن فرصة تشكيل حكومة لـ”معسكر التغيير” لم تكن مستحيلة قبيل التطورات المتسارعة في القدس والداخل وقطاع غزة. ويبدو أن التصعيد العسكري ضد قطاع غزة، من شأنه أن يعرقل مساعي لبيد- بينيت ويعيد فتح احتمالات جديدة بناءً على تطور الأحداث ميدانيا، وتفاعل أطياف “معسكر التغيير” معها.
كيف تفاعلت أحداث القدس مع الأزمة السياسية ومساعي تشكيل الحكومة؟
بعد أن وضعت الشرطة الإسرائيلية حواجز حديدية في ساحة باب العامود في بداية شهر رمضان، اندلعت احتجاجات شعبية من مئات الشبان المقدسيين. وقد توسعت الاحتجاجات خلال الأسابيع الأولى لتمتد إلى كافة أرجاء القدس مستقطبة أعدادا متزايدة من الفلسطينيين، وتطورت الأحداث لتشمل اشتباكات بالأيدي مع مجموعات من المستوطنين الذي يتبعون لمنظمة “لهافا” التي كانت تعتزم القيام بمسيرة في الأماكن التي تشهد أصلا توترات. ومع اقتراب موعد قرار المحكمة الإسرائيلية الذي يتوقع أن يقوم بإخلاء 28 منزلا في حي الشيخ جراح ومنحها للمستوطنين، قام الفلسطينيون بتحويل الحي إلى بؤرة جديدة للمواجهات والاحتجاجات التي ألهبت العديد من الفلسطينيين والمتضامنين. وقد كان للقدس “أثر الدومينو” بحيث سرعان ما توسع نطاق الاحتجاجات ليشمل البلدات والمدن الفلسطينية في أراضي 48 والضفة الغربية وقطاع غزة.
فرصة تشكيل حكومة لـ”معسكر التغيير” لم تكن مستحيلة قبيل التطورات المتسارعة في القدس والداخل وقطاع غزة. ويبدو أن التصعيد العسكري ضد قطاع غزة، من شأنه أن يعرقل مساعي لبيد- بينيت ويعيد فتح احتمالات جديدة بناءً على تطور الأحداث ميدانيا
كانت الهبة الفلسطينية تلقي بحضورها تدريجيا على المساعي لتشكيل حكومة إسرائيلية، خاصة وأن معسكر نتنياهو يحتاج إلى الاعتماد على القائمة الموحدة بالإضافة إلى حزب يمينا لتشكيل حكومة. أحد أبرز المعضلات التي اعترضت طريق تشكيل حكومة برئاسة نتنياهو هي الحاجة للاعتماد على القائمة الموحدة، كحزب عربي غير صهيوني، لتشكيل حكومة يمينية. فما بين رفض سموتريتش (رئيس القائمة الصهيونية الدينية) لمبدأ انضمام حزب عربي لائتلاف يميني، وبين عدم ممانعة منصور عباس لذلك، كانت الهبة الفلسطينية تتدحرج بشكل متسارع.
بتاريخ 2 أيار/ مايو 2021، قام فلسطيني بتنفيذ هجوم مسلح على مجموعة من المستوطنين بالقرب من نابلس أسفر عن مقتل أحد المستوطنين. في اليوم التالي، أعلن منصور عباس، رئيس القائمة الموحدة، أنه “ضد أي عملية يذهب ضحيتها أبرياء”. وأتى هذا التصريح، في توقيته ووضوحه، ليسهل الطريق أمام معسكر نتنياهو، الذي تبقى له في حينها 3 أيام كفرصة لتشكيل حكومة، على قبول فكرة الائتلاف الحكومي الذي يشمل حزبا عربيا. بشكل محدد، كانت الموحدة تريد إرسال رسائل مبطنة للقائمة الصهيونية الدينية، برئاسة سموتريتش، لثنيه عن موقفه الرافض تماما للانضمام إلى حكومة تدعمها الموحدة.[2] ويمكن القول بأن ظهور أحداث ذات طابع قومي تتعلق مباشرة بالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي من شأنه أن يكشف الاختلافات السياسية ما بين الأحزاب الصهيونية والعربية. لكن العملية التي حصلت بالقرب من نابلس لم تحظ بذات التفاعل الذي حظيت به أحداث القدس، وما تلاها من تصعيد عسكري بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة.
بالنسبة لمعسكر التغيير، فقد كان على يقين بأن نتنياهو سيفشل في تشكيل حكومته ضمن المعطيات القائمة. وعليه، بدأت المساعي لتشكيل تحالف بديل عن معسكر نتنياهو حتى قبل أن ينتهي الأخير من فترة تفويضه. وفي خضم هذه المساعي، ظهرت القائمة الموحدة مرة أخرى باعتبارها بيضة القبان والتي لا بد من شملها ضمن أي ائتلاف كشرط أساسي لمراكمة 61 مقعدا فما فوق. وترى العديد من التحليلات بأن ائتلافاً حكومياً يقوم على تناوب بينيت أولا ثم لبيد ثانيا، كان أقرب إلى التحقق بعد ماراثون مفاوضات ما بين أحزاب معسكر التغيير التي سينضم إليها يمينا والموحدة.
لكن تطور أحداث القدس، وقيام إسرائيل بشن حملة عسكرية ضد قطاع غزة بعد قيام بعض الفصائل الفلسطينية بقصف مدينة القدس ثم تل أبيب، أدى إلى إيقاف المفاوضات ما بين أعضاء معسكر التغيير والتي كانت قاب قوسين وأدنى من الوصول إلى ائتلاف حكومي.
إن تقرير ما إذا كانت المفاوضات قد تم تعليقها مؤقتا على أن تستأنف من النقطة التي وصلت اليها، أم أنها وصلت إلى نهايتها يظل سؤالا مفتوحا ومرهونا بتطور الأحداث في الميدان. وعليه، تم وضع السيناريوهات التالية لمساعي تشكيل الحكومة في ظل الهبة الفلسطينية التي تحولت إلى مواجهة عسكرية دامية.
1) هجوم عسكري إسرائيلي واسع على غزة يضع نهاية لمساعي معسكر التغيير
يرى محللون أن نتنياهو دفع باتجاه تأجيج المواجهات داخل القدس، خاصة في الأسبوع الأول من أيار/ مايو عندما وصلت فترة تفويضه إلى نهايتها. بل إنه سيدفع باتجاه تصعيد المواجهة العسكرية مع غزة، وبالتالي إحباط أي إمكانية للتحالف بين أحزاب صهيونية يمينية مثل “أمل جديد” و”يمينا” و”إسرائيل بيتنا” وبين حزب عربي- إسلامي مثل الموحدة. ويستند نتنياهو في هذا الموقف على نقاط قوة مثل سكوت إسرائيل أو ردود فعلها “المتواضعة” ازاء هجمات صاروخية سابقة انطلقت من غزة خلال العامين المنصرمين، الأمر الذي لا يستطيع الرأي العام الإسرائيلي تقبله حاليا. من جهة أخرى، لا يقوم نتنياهو وحده بتقدير الأمور وتقريرها بشأن حجم ونطاق الحملة العسكرية لأن وزير الدفاع الإسرائيلي، وهو الرجل الثاني في اتخاذ القرارات العسكرية، هو بيني غانتس من معسكر التغيير. وبينما قد يدفع نتنياهو في اتجاه تصعيد المواجهة، ويدفع غانتس نحو حصرها ضمن ما هو ضروري بالنسبة للأهداف الإسرائيلية الحالية، فإن مصير الأمر أيضا منوط بتعامل فصائل المقاومة والتي قد تلعب تفاعلاتها مع الحملة العسكرية دورا في تحديد مدتها الزمنية أيضا.
فرص منصور عباس للدخول في ائتلاف حكومي مع لبيد- بينيت ستقل بشكل ملموس. ويرى محللون إسرائيليون بأنه بعد أن كان لبيد- بينيت أقرب من أي وقت مضى لتشكيل حكومة، فإن الأحداث المتسارعة حولت المساعي إلى ماض وأنهت كليا أي فرصة أمام معسكر التغيير لتشكيل حكومة وفق قوامه الحالي
وفي ظل اتساع دائرة المواجهة العسكرية بين إسرائيل وغزة، وانتفاض معظم البلدات والمدن الفلسطينية في الداخل، فإن فرص منصور عباس للدخول في ائتلاف حكومي مع لبيد- بينيت ستقل بشكل ملموس. ويرى محللون إسرائيليون بأنه بعد أن كان لبيد- بينيت أقرب من أي وقت مضى لتشكيل حكومة، فإن الأحداث المتسارعة حولت المساعي إلى ماض وأنهت كليا أي فرصة أمام معسكر التغيير لتشكيل حكومة وفق قوامه الحالي (أي الذي يستثني مركبات هامة أخرى من اليمين، مثل الليكود والحريديم).
2) هجوم عسكري إسرائيلي واسع على غزة يضع فرصة إقامة حكومة يمين بدون نتنياهو على الطاولة
إن دخول إسرائيل في حالة حرب، أو تعرضها إلى هجمات عسكرية، يساهم بدرجة أو بأخرى في طمس التصدعات الداخلية، والاختلافات ما بين الأحزاب الصهيونية، ويعزز من فرص التفافها حول الأجندات العامة المشتركة، مثل “الدفاع عن إسرائيل”. فبمجرد أن بدأت المواجهة العسكرية مع غزة بتاريخ 10 أيار/ مايو، قام كل من لبيد وساعر وغانتس (وجميعهم من معسكر التغيير) بوضع الخلافات السياسية جانبا والاصطفاف خلف “قيادة دولة إسرائيل” في مواجهة الأعداء. وبالتالي فإن استمرار الهجوم العسكري واتساع نطاقه، في ظل رؤية البلدات العربية مشتعلة ومنتفضة، قد يشكل فرصة لإسرائيل للهروب من أزمتها الداخلية إلى الأمام في اتجاه تشكيل حكومة يمينية صهيونية تجمع أطرافا من كلا المعسكرين: معسكر نتنياهو ومعسكر التغيير.
حتى اللحظة، يشكل وجود نتنياهو على رأس هكذا حكومة عقبة حقيقية. وعليه، لا يمكن استبعاد قيام حلفاء نتنياهو التاريخيين بالتخلي عنه، والدفع باتجاه تشكيل حكومة يمينية عريضة تستثني نتنياهو من رئاستها. لا يمكن إغفال مثل هذه السيناريو على الرغم من التماسك النسبي الذي يبدو عليه معسكر نتنياهو. وبشكل محدد، ساهمت أحداث القدس في إبراز خلافات إلى السطح ما بين المركبات الأكثر تطرفا داخل القائمة الصهيونية الدينية (بقيادة بن غفير) وبين نتنياهو على ضوء قرار الأخير بتغيير مسار مسيرة الأعلام التي يتزعمها المستوطنون والحردليم المتطرفون. فقد صرح بن غفير بأن نتنياهو “انصاع” إلى الإرهاب الأمر الذي سيحول دون دعم الصهيونية الدينية له في مشاريع التصويت على سن قوانين مستقبلية.
في سياق آخر، يبدو أن الأحزاب الحريدية التي تعتبر حليفة مخلصة لنتنياهو بدأت تتململ من عدم قدرة الأخير على تشكيل حكومة.[3] مؤخرا، لا يستبعد حزب يهدوت هتوراة (بقيادة غافني وليتسمان) أو حزب شاس (بقيادة درعي) الانضمام إلى حكومة تغييرة كخيار أخير لا مفر منه، شريطة أن لا تستند إلى ذات القاعدة اليسارية الوسيطة التي يستند إليها معسكر التغيير الحالي. [4] ومع أن إعادة الاصطفاف في اتجاه تشكيل حكومة يمينية لا يترأسها نتنياهو ما يزال احتمالا ضعيفا وفق المعطيات الراهنة، خاصة في ظل وجود خلافات حقيقية بين الحريديم والأحزاب اليمينية العلمانية (خصوصا يوجد مستقبل وإسرائيل بيتنا)، يرى بعض المحللين أن الحريديم قد يدعموا حكومة يمينية لا يترأسها نتنياهو على أن يبقوا على مقاعد الاحتياط إلى حين إقرار القوانين الخلافية، ومن ثم سينضمون فعليا الى التشكيلة الحكومية ويحظون بحقائب وزارية.
في مقابل تعزز فرص تشكيل حكومة يمينية لا يترأسها نتنياهو، فإن تصاعد وتيرة الأحداث بين الفلسطينيين والإسرائيليين سيلعب دورا في تفكك معسكر التغيير الذي يستند إلى مركبات عربية وأحزاب صهيونية يسارية ينظر لها الشارع مؤخرا على أنها غير حاسمة فيما يخص الأمن الإسرائيلي. في المقابل، شن كل نواب حزب يمينا هجونا على الحكومة الانتقالية برئاسة نتنياهو لعدم قدرتها على حماية الأنوية الاستيطانية في اللد والبلدات العربية المشتعلة، وعدم حسمها في مسألة التظاهرات العربية التي تهاجم الإسرائيليين. هذه المواقف المتطرفة تقلل من فرص استمرار معسكر التغيير في مساعيه لتشكيل حكومة ينضم إليها حزب عربي، كما أنها ستطرح ضرورة ولادة خيار ثالث يميني يكون بديلا عن معسكر نتنياهو من جهة ومعسكر التغيير من جهة ثانية.
3) تطور المواجهات العسكرية وتنامي العداء الإسرائيلي للعرب
قد تتطور المواجهة العسكرية إلى مرحلة تنتهي فيها قدرة الأحزاب العربية على لعب دور بيضة القبان وتصبح مستبعدة من قبل طيف واسع من الإسرائيليين بمن فيهم لبيد وبينيت. في هذا السيناريو الذي قد تبدو فيه القائمة الموحدة الخاسر الأبرز فإن فرص الذهاب إلى انتخابات جديدة سيكون الخيار الأكثر ترجيحا، سيما وأن السيناريوين السابقين لا يحظيان بفرص عالية. إن الذهاب إلى جولة انتخابات خامسة قد يكون له تأثير كبير على الإسرائيليين الذين بدأوا يفقدون الثقة بمؤسسات الدولة. في حال كانت نتائج المواجهة العسكرية مع غزة “مخيبة” لآمال الإسرائيليين، فإن الانتخابات الخامسة سوف تشهد إعادة اصطفافات حادة قد تنهي الأزمة السياسية التي تقوم على توازن بين معسكرين غير قادرين، كلا على حدة، على حسم شكل الحكومة.
الخلاصة
تواجه إسرائيل حاليا ثلاث أزمات متداخلة. الأزمة الأولى سياسية مستفحلة ممتدة منذ عامين، وهي نتاج تصدعات اجتماعية، أيديولوجية وسياسية لا يمكن جسرها بسهولة في المستقبل المنظور. الأزمة الثانية هي المواجهة العسكرية مع غزة والتي قد لا تنتهي مع انتهاء العمليات العسكرية. فالمحللون يرون أن إسرائيل عليها أن تتعايش مع فكرة اختلال موازنة الردع بينها وبين غزة. الأزمة الثالثة هي انتفاضة الفلسطينيين في الداخل، والتي فاقت في نطاقها وعنفوانها وشعبيتها هبة تشرين الأول/ أكتوبر 2000.
قامت هذه الورقة بتقدير الكيفية التي ستؤثر فيها المواجهة العسكرية والهبة الفلسطينية على الأزمة السياسية، فإما أن تعيد إنتاجها بشكل أعمق، وإما أن تقوم بانتشال إسرائيل منها من خلال تشكيل حكومة “وحدة يمينية” تجمع الفرقاء من كلا المعسكرين”.
(*) المصدر: “مدار“