تنهمك اللبنانية باتريسيا صفير وسط خلية نحل، في متابعات إعلامية لمجريات “مؤتمر الغابات العالمي”، فيما ينكب زميلان صحافيان من جنوب إفريقيا، ياشيل وإيلنا، في النقاش بلكنتهما المحببة، وهما يُدققان في تصريحات ومقابلات أجرياها مع باحثين وخبراء من أجل إعداد تقاريرهما، وتلاحق إيلينا ماتفيشوك بحماسة شؤوناً تنظيمية مختلفة، في حين تتابع دانيا موسى حضور منظمتها، “مجلس الإشراف على الغابات”، في فعاليات مؤتمر سيول التي تضمن معارض جانبية تعكس عوالم الغابات من نشطاء وجمعيات ومؤسسات ومنتجات بل وحتى مشاهد من حياة سكانها الأصليين.
أتى كثيرون من مختلف أنحاء العالم، إلى هذه العاصمة في أقصى الشرق الأسيوي، بحثاً عن حلول أو آمال مستحيلة، فيما هذا العالم نفسه، يُخصص الآن عشرات مليارات الدولارات ويُسرّع انفاقها، من أجل الحرب الأوكرانية، لا من أجل كوكب يتيم يحتضر بينما يتلاشى الأوكسجين اللازم لبقائنا.
في موازاة ذلك، تنصت بصمت إلى تصريحات الرئيس الكوري الجنوبي مون جيه ان، وهو يشير إلى ضرر هائل ألحقته الحروب السابقة بغابات بلاده، فيما تتحضر للقاء شيق مع الأميرة الأردنية بسمة بنت علي، وهي سفيرة النوايا الحسنة لمنطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا في منظمة “الفاو”، وتحظى بسمعة طيبة بين المؤتمرين في سيول، ولها بلاغتها الخاصة في الدفاع عن النظام البيئي، وينصت لها المؤتمرون – وأنت – بحرص، وهي تقول “لم نعد نملك ترف الوقت”.
في مكان ما، خارج كل ذلك، البحث جار ما بين سطور ما يجري، وفصاحة المتكلمين وخبرتهم، عن إجابات على أسئلة “وجودية”: مثلاً، كم تبقى لنا على هذا الكوكب؟
ما من إجابات حاسمة بالتأكيد، لكن التشاؤم الضمني في ما يدور في الصدور والعقول، كان واضحاً برغم أن أهداف التقاء أكثر من 10 آلاف شخص في سيول، بدعوة وتنظيم من “الفاو” ووزارة خدمة الغابات الكورية، عنوانها الظاهر هو بث الأمل.. بامكانية أن نجد خلاصنا.
“الشجرة”. هي كلمة السر غير المعلنة. وكأنما المعادلة تقول كلما زرعت شجرة زرعت دقيقة إضافية للحياة على كوكب الأرض. إلا أن العالم مع ذلك، يسير باتجاه مغاير. هذه هي الحقيقة المرة.. والمخيفة في آن واحد.
تحدث تقرير انعدام الأمن الغذائي في العالم للعام 2022، عن أن 15% من 250 مرضاً معدياً تم ربطها بالغابات، وأن 30% من الأمراض الجديدة، التي تم الإبلاغ عنها منذ العام 1960، يمكن أن يتم نسبها إلى ظاهرة إزالة الغابات، وأنه بشكل خاص في المناطق الاستوائية، ارتبطت زياة الأمراض المعدية مثل حمى الضنك والملاريا، باقتلاع الغابات
لم يكن تقرير حالة الغابات الذي أصدرته “الفاو” بالتزامن مع انعقاد مؤتمر سيول، موارباً في قول الحقائق المرعبة: فقد العالم حوالى 10% من إجمالي مساحة الغابات خلال 30 سنة (بين عامي 1990 و2020)، أي ما يعادل 4.2 مليون كليومتر مربع، على الرغم من أن الغابات تغطي 31% من المساحة الجغرافية للأرض. وهناك فقدان للغابات بمعدل 100 الف كيلومتر مربع سنوياً بين العامين 2015 و2020.
وبحسب “الفاو”، فانه ما لم “تتخذ إجراءات إضافية”، فإن العالم سيخسر أكثر من 2.890 مليون كيلومتر مربع من الغابات بين عامي 2016 و2050.
وجاءت هذه الأرقام والتقديرات في تقرير “الفاو” الذي أكد في مقدمته على “الأمل بعالم أفضل ومستقبل افضل للجميع”. لكن الخلاصات كانت واضحة اذ “لا يوجد وقت نضيّعه – نحن بحاجة إلى العمل الآن للحفاظ على الزيادة بدرجة الحرارة العالمية دون 1.5 درجة مئوية، والحد من مخاطر الأوبئة في المستقبل، وضمان الأمن الغذائي والتغذية للجميع، والقضاء على الفقر، والحفاظ على التنوع البيولوجي على كوكب الأرض”.
وبهذا السياق، يربط التقرير بين الزيادة المتوقعة في عدد سكان العالم الذي سيصل الى 9.7 مليار شخص بحلول العام 2050، وهو ما يعني ان البشرية ستتصارع على الارض، في ظل الزيادة الكبيرة في الطلب على الغذاء لهذا العدد الكبير من السكان، بنسبة 35% الى 56%، وبمعنى آخر فان البشرية ستستهلك سنوياً ضعف ما تستهلكه الآن، أي من 92 مليار طن من الموارد الطبيعية، إلى 190 مليار طن في العام 2060.
كان تقرير انعدام الأمن الغذائي في العالم للعام 2022، تحدث عن أن 15% من 250 مرضاً معدياً تم ربطها بالغابات، وأن 30% من الأمراض الجديدة، التي تم الإبلاغ عنها منذ العام 1960، يمكن أن يتم نسبها إلى ظاهرة إزالة الغابات، وأنه بشكل خاص في المناطق الاستوائية، ارتبطت زياة الأمراض المعدية مثل حمى الضنك والملاريا، باقتلاع الغابات.
ولهذا، فان الهدف الذي يجري السعي اليه حالياً هو العمل من أجل “استعادة” نحو 10 ملايين كيلومتر مربع من الأراضي، أي ما يعادل مساحة الصين تقريباً، بالإضافة إلى تفعيل دور التكنولوجيا المتطورة في حماية الغابات ومراقبتها.
هل هو حلم ممكن؟ نائبة المدير العام لـ”الفاو” ماريا هيلينا سيميدو، والأميرة بسمة بنت علي، وغيرهما من كبار الشخصيات الدولية والخبراء والناشطين، يعتقدون أنه ممكن. الكاميرونية سيسيل نجابيت التي تكافح من أجل حماية الغابات، ونالت “جائزة وانغاري ماثاي لمناصري الغابات”، تعتقد أيضاً أنه ممكن، لكنها بكت عندما أعلن فوزها. ألأنها تدرك أيضاً أن الوقت لم يعد يسعفنا؟
“إزرع شجرة”.. ربما تكون الصرخة الوحيدة الآتية من أقصى شرق البر الآسيوي.