اختلف المهتمون وما زالوا بشأن فيروس كورونا؛ فمنهم من قال إنه من صنع وانتاج بشري تم تطويره في مختبرات منتشرة في أماكن مختلفة من العالم وفق معطيات وأرقام يضعونها علی الطاولة دون أن تأخذهم في الله لومة لائم. فيما رأى آخرون أنه وباء طبيعي اجتاح العالم شأنه غيره من الأوبئة على مر التاريخ. نضع هذا الجدل برسم المهتمين بالأوبئة وانتشارها.. وللتاريخ أن يكشف بعد حين ماهية الحقيقة! لكن ما يهمنا وما قلناه سابقاً ان مرحلة ما بعد كورونا لن تكون كما قبلها. وقتها لم تكن الصورة واضحة. كيف سيكون العالم ما بعد كورونا؟ ربما حتى الآن لم تكتمل الصورة بعد. لكن العالم استفاق في فبراير/شباط الماضي بعد تلقيه ثلاث جرعات من لقاح كورونا علی حرب شنها الرئيس فلاديمير بوتين علی أوكرانيا علی خلفية رغبة الأخيرة في الانضمام إلى حلف شمال الاطلسي “الناتو” وتداعيات مثل هذا القرار علی الأمن القومي الروسي. موسكو قالت إنها لن تسمح للناتو بالتمدد قرب حدودها. لم يكن لديها خيار آخر إلا الوقوف بحزم بوجه التمدد الأطلسي الذي يسعى إلى محاصرة روسيا من كل الجهات وجاء إنضمام كل من فنلندا والسويد مؤخراً إلى “الناتو” ليؤكد المؤكد..
اشتعلت حرب أوكرانيا منذ ما يزيد على الأربعة أشهر. كل شيء صار مباحاً بما في ذلك التهديد بالنووي؛ لان الحرب مع امريكا ومع الناتو ان نشبت – كما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف – “لن تكون الا نووية”. متی ستنتهي حرب أوكرانيا؟ لا احد يعلم. كل ما هو مطروح مجرد تكهنات وسيناريوات،. لكن الأكيد أنها مستمرة في أقرب الأحوال حتی نهاية العام الحالي من دون أن تكون هناك بقعة ضوء في نهاية النفق.
إذا كان العالم ما بعد كورنا يختلف عما قبله؛ فان عالم ما بعد أوكرانيا ليس كما قبله. العالم يتغير. هذه هي الحقيقة، وخلافها أن تبقی المنطقة من دون نظام أمني مستدام يُفصّل علی مقاساتها وليس علی مقاسات الآخرين
أما الشرق الاوسط، فحكايته حكاية. رماله متحركة. ملفاته ساخنة حتی في شتائه الصحراوي القارس البرودة. لم يستطع في أحسن احواله خفض درجة حرارة ملفاته الساخنة. كان ذلك في عهد الحرب الباردة، قبيل إنهيار الإتحاد السوفياتي، واستمر بعد انتهاء هذه الحرب في العام 1991. النظام الرسمي العربي كان في صلب هذه الحرب الباردة. بدأ بالتصدع منذ ان زار انور السادات القدس عام 1977. تصدع اكثر عندما شن صاحب “البوابة الشرقية” الحرب علی ايران عام 1980.
تصدع النظام الرسمي بقوة مع غزو الكويت عام 1990 وكانت النتيجة قراءة الفاتحة بعد سقوط هذا النظام بالكامل في 9 أبريل/نيسان 2003 عندما احتلت الولايات المتحدة العراق. هذا النظام الرسمي العربي استند في تأسيسه إلی معطيات سياسية واقتصادية وامنية، وفي مقدمتها مواجهة الكيان الاسرائيلي المحتل وتحرير الاراضي الفلسطينية المحتلة والتصدي لخريطة الحركة الصهيونية التي تبدأ من النيل الی الفرات. خلال هذه المدة الطويلة طُرحت مشاريع عديدة لتسوية القضية الفلسطينية ابتداء من مشروع “الون” عام 1967 وبعده مشروع “روجرز” عام 1970 حتی “حل الدولتين” وبعدها مشروع “صفقة القرن” وما بين ذلك “اوسلو” وما شاكل أو شابه ذلك. لم يكُتب النجاح لجميع هذه المشاريع التي ارادت فعلياً تصفية القضية الفلسطينية لانها وبكل بساطة لم تأخذ الحق الفلسطيني في الاعتبار؛ بل فُصّلت علی مقاسات غير مقاسات اصحاب الارض. الآن يريد الرئيس الامريكي جو بايدن بحث “الامن الاسرائيلي” خلال زيارة يقوم بها إلى مدينة جدة السعودية في 13 يوليو/تموز الجاري ليضع الحجر الاساس لانطلاقة “الناتو العربي” الذي اشار إليه ملك الاردن عبدالله الثاني، قبل أن يتراجع وزير خارجيته لاحقاً عن الفكرة. هل ينجح؟ ببساطة لا اعتقد. بل حتی الرئيس بايدن يعلم جيداً ان مثل هذه الفكرة لا يمكنها أن تری النور في منطقة ساخنة وتتشابك فيها التعقيدات والحسابات السياسية والامنية والعسكرية وسط غياب نظام امني اقليمي. بايدن يعلم ذلك جيداً؛ ويعلم ايضاً ان صياغة نظام امني اقليمي لا يمكن أن يُكتب له النجاح إلا بمساهمة جميع الاطراف؛ لكنه مجبر لا يملك من الخيارات لمواجهة تداعيات الانتخابات الامريكية النصفية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل وانخفاض شعبيته عند الناخب الامريكي. وكلنا نعلم أن تطورات الشرق الاوسط لا تغير امراً كان مفعولاً عند الناخب الامريكي لكن بايدن يحتاج إلى دعم اللوبي اليهودي الصهيوني داخل الولايات المتحدة في حملته الانتخابية علّه يُصلح ما افسده الدهر.
من السذاجة ان يكون الرئيس بايدن الذي قضی جزءاً من عمره رئيساً للجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الامريكي مقتنع بامكانية دمج اسرائيل مع دول المنطقة. كما انه من البساطة الاقتناع ان فكرة الدمج هذه جاءت في معرض ردة الفعل علی سلوك إيران في المنطقة. وثالثاً من السذاجة إقناع شعوب المنطقة العربية بجعل إيران عدوها الأول بدل إسرائيل!
إذا كان العالم ما بعد كورنا يختلف عما قبله؛ فان عالم ما بعد أوكرانيا ليس كما قبله. العالم يتغير. هذه هي الحقيقة، وخلافها أن تبقی المنطقة من دون نظام أمني مستدام يُفصّل علی مقاساتها وليس علی مقاسات الآخرين.