ما بين الترسيم اللبناني.. والاتفاق النووي!

تشي معطيات المفاوضات النووية أن أمرين إثنين يحولان دون العودة إلى الإتفاق النووي، أولهما قضية إستثناء الحرس الثوري من العقوبات وثانيهما تقديم الجانب الأميركي ما يضمن عدم الرجوع عن الاتفاق مرة ثانية، وهذه النقطة الأخيرة تنسحب على الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل، فمن يضمن عدم النكث بأي إتفاق بين الجانبين مستقبلاً؟

أبرمت الدول (5+1) الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، ولم تمض أكثر من ثلاث سنوات حتى نكثت الولايات المتحدة به بقرار من رئيسها دونالد ترامب قضى بالإنسحاب من جانب واحد، غير آبه بالقوانين الدولية وبموقف الأطراف الدولية الموقعة على الاتفاق، قبل أن يذهب بعيداً من خلال رحلة “الضغوط القصوى”، وهي عبارة عن رزمة غليظة من العقوبات ضد إيران ما زالت قائمة حتى يومنا هذا. ومنذ حلول خلفه جو بايدن في البيت الأبيض مطلع عام 2021، يسعى الأخير للعودة إلى الاتفاق النووي، وهي مهمة تصطدم بعقدة تقديم ضمانة لإيران بعدم الرجوع عن الاتفاق مرة ثانية، بالإضافة إلى عقد أخرى ليست موضع بحثنا الآن. العقدة نفسها قد يواجهها لبنان مع إسرائيل في المقبل من السنوات إذا ما تمّ الاتفاق اليوم على ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين.

لا شك أنه في حالة إسرائيل لا مكانة للأعراف والقوانين والقرارات الدولية، فهي الدولة التي تحتل المركز الأول في العالم بعدم الالتزام بقرارات الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي. كيانٌ قام على أرض محتلة ما عساك أن تنتظر منه! وقبل مرور عقد على إنشاء “دولته” باشر ببناء مفاعل نووي. لذا، لا بدّ أن يضع لبنان على طاولة المفاوضات الاحتمالات الأسوأ. وأن يبقى بحسبانه أن منطق القوة هو الغالب وربما الوحيد.

الدكتور خليل حسين: الحكومة اللبنانية مدعوة لأن تدرك أن القانون الدولي يمكن أن يعطي حقاً أو يُنشئ حقاً على المستوى الدولي باتفاقيات أو غيرها، لكن الحق لا يُثبّت إلا إذا امتلكت القوة

ويؤكد استاذ القانون الدولي العام  الدكتور خليل حسين “أن إمكانية نكث الاتفاق من قبل إسرائيل واردة جداً”، مستدلاً على ذلك من نكث إسرائيل لاتفاقية الهدنة عام 1949 والعديد من قرارات الأمم المتحدة، وأبرزها القرار 425 و1701 وغيرهما من القرارات الدولية التي تخص الدولة اللبنانية، “وهي على استعداد للنكث طالما هي تستفيد من ذلك، وطالما تنتفي القدرة على معاقبتها أو مساءلتها..”، ويدعو الحكومة اللبنانية إلى أن تدرك أن القانون الدولي يمكن أن يعطي حقاً أو يُنشئ حقاً على المستوى الدولي باتفاقيات أو غيرها، لكن الحق لا يُثبّت إلا إذا امتلكت القوة.

بالأمس وضع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله معادلة ندّية لاستخراج الغاز من الحقول اللبنانية، على قاعدة أن لا استخراج غاز من حقل كاريش قبل السماح للشركات الأجنبية بالتنقيب في الحقول اللبنانية، لكن ثمة إشكالية لا بد من الإلتفات إليها، فإسرائيل على بُعد حوالي الشهرين من بدء استخراج الغاز من حقل كاريش، وهي تستخرج الغاز من سنوات خلت من حقولها الأخرى المكتشفة في مياه المتوسط قبالة فلسطين المحتلة (تامار وليفياثان ودولفين وداليت وتانين)، وستبادر إلى إبرام عقود تجارية لعقود من الزمن بما يضمن استخراج النسبة الأكبر من الغاز المطمور في تلك الحقول، لا سيما حقل كاريش الذي يحوي 1.3 تريليون متر مكعب من الغاز، في الوقت الذي يحتاج لبنان إلى ما بين خمس إلى سبع سنوات للبدء باستخراج الغاز من حقوله المكتشفة إذا ما سارت الأمور على ما يرام. والسؤال هنا؛ إذا تأخر لبنان في استخراج الغاز، وهذا أمر أكثر من وارد في بلد صار “التعطيل” سمة من سمات سلطاته المتعاقبة. في هذه الحالة، من يضمن أن إسرائيل لن تنكث بالاتفاق مع لبنان بضمانة الولايات المتحدة والأمم المتحدة؟ وهذا ديدنها، بعد أن تقترب من نهاية استخراج غازها وتحرم لبنان من ثروته الغازية.

هناك طرق إسرائيلية عديدة لذلك، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. الأساس هو خلق ظروف غير مؤاتية لشركات التنقيب والإستخراج الدولية ومثلها شركات التأمين، ما يجعلها تقرر تجميد عملها أو الإنسحاب من الحقول اللبنانية.. وتستطيع إسرائيل الإستعانة بالولايات المتحدة لمعاقبة الشركات التي لا تلتزم بقرار عدم التنقيب. زدْ على ذلك إحتمال قيام الشركات من تلقاء نفسها، بناء على طلب إسرائيلي غير معلن، بالانسحاب من الاتفاق بحجة افتقار الحقول لكميات تجارية أو تحت أي ذريعة أخرى، ويجري التعويض عليها من دول لها مصلحة بأن يبقى لبنان مُعدماً وفقيراً.

هذه الإحتمالات تتطلب تشكيل فريق من المستشارين القانونيين الدوليين فضلاً عن خبراء نفطيين، قبل التوقيع على إي اتفاق، وتضمين الأخير جملة من الشروط لحفظ حق لبنان باستخراج ثروته النفطية مهما طالت المدة وتحت أي ظرف، علماً أن لا ضمانة للبنان، لا اليوم ولا غداً، إلا ضمانة القوة.. وإلا على ثروة لبنان الغازية السلام!

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  من فيينا.. وضع "الموساد" يده على برنامج سوريا النووي (120)
مهدي عقيل

أستاذ جامعي، كاتب لبناني

Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  السوريون يواجهون "فيروسين"!