ما بعد نتنياهو.. هل تتغير السياسات؟
A billboard depicting Israel's Prime Minister Benjamin Netanyahu (L) and US President Donald Trump side by side with a slogan in Hebrew which reads "Netanyahu, a different league", in the Israeli coastal city of Tel Aviv, on January 10, 2021. (Photo by JACK GUEZ / AFP) (Photo by JACK GUEZ/AFP via Getty Images)

بعد 12 سنة متواصلة من حكم إسرائيل، إستطاع رئيس حزب "يوجد مستقبل" عضو الكنيست يائير لبيد إزاحة بنيامين نتنياهو عن عرش رئاسة الوزراء الإسرائيلية، لمصلحة أوسع تحالف حزبي وعقائدي على الإطلاق في تاريخ الدولة اليهودية.

من المقرر أن تخضع الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة لبيد للتناوب، على أن يتولى رئاستها في الفترة الاولى لمدة سنتين (أي حتى 2023) رئيس حزب “يمينيا” نفثالي بينيث، وبعدها يتولى لبيد الحكم حتى 2025. وبذلك تكون إسرائيل قد تفادت التوجه الى انتخابات تشريعية هي الخامسة في غضون سنتين ونيف، إذا تمكن الإئتلاف الجديد من الصمود سياسياً.

ولا تعني إزاحة نتنياهو من المنصب الأول نهاية حياته السياسية، الا اذا أُدين بتهم الفساد وجرت محاكمته وادانته كما هو متوقع وربما وضعه وراء القضبان. حتماً إسرائيل بلا نتنياهو ستودع الاستقطاب السياسي الذي مارسه زعيم الليكود لسنوات طويلة وتسبب له بخصومات وعداوات بين اليمين واليسار، إلى حد أنه أصبح عبئاً حتى على الليكود نفسه. الكل سئم مناوراته، حيله، كذبه، كيديته، إنتهازيته، أنانيته وولعه بالسلطة وهو الذي لم يخجل من القول يوماً للإسرائيليين “إنتخبوني لأني ولي الدولة ومستقبلها”. لطالما حذر نتنياهو مناوئيه من الإقدام على تأليف حكومة يسارية ستكون برأيه “أكبر خطر على إسرائيل”.

وبلا أدنى أوهام، لا ينتظر إحداث تغيير جوهري في سياسة إسرائيل الخارجية. ربما يوجد أسلوب جديد مختلف عن أسلوب نتنياهو المعروف بصلابته وخشونته وشخصانيته. لكن أن تجتمع سبعة احزاب إسرائيلية وتتوافق برغم اختلافاتها العقائدية والسياسية على محاربة نتنياهو والعزم على اسقاطه، فهذا يعني الكثير للشباب الإسرائيلي الذي سئم من الاعيب نتنياهو ومناوراته وحيله ويدأب على التظاهر مساء كل سبت أمام مكتب زعيم الليكود ومنزله منذ أربعين أسبوعاً حتى الآن..

عملياً، تبدو إسرائيل أمام تجربة تأليف حكومة وحدة وطنية تضم قادة وشخصيات من اليمين المتطرف (نفثالي بينيث وجدعون ساعر وأفيغدور ليبرمان) ووسطيين امثال بني غانتس ويائير لبيد ويسار ممثل بحزب العمل.

إسرائيل تدخل مرحلة جديدة بعيدة عن السنوات السبعين الماضية عندما كانت الحكومات تتغير بشكل متبادل بين حزب العمل وتكتل الليكود في نظام الحزبين بل الكتلتين الرئيسيتين. إسرائيل تتحول الى نظام الاحزاب المتعددة والمفاهيم المتعددة

لكن التطور الأبرز يتمثل في إنضمام القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس إلى الإئتلاف الحكومي، وهو الدخول العربي الأول من نوعه في تاريخ تشكيل الحكومات في إسرائيل، وهذا التطور فرضه النطام الانتخابي والحزبي الإسرائيلي المعقد فافسح المجال امام ممثل الحركة الاسلامية الجنوبية (اخوان مسلمين) منصور عباس ان يكسر الفيتو الإسرائيلي القديم ويفرض شروطه لتأمين اغلبية 61 صوتا من اصل 120 لتأليف حكومة جديدة.

إستطاع منصور عباس ان يحصل على تنازلين بارزين من لبيد واعوانه: وقف هدم المنازل العربية في القدس وغيرها والاعتراف بالقرى العربية الموجودة في النقب ومحيطها. اما القضية الرئيسية التي ستركز عليها الحكومة الجديدة فهي: تعيين القضاة والمدعين العامين حيث ستكون سيدتان من بين اعضاء اللجنة لاختيار القضاة إحداهما رئيسة حزب العمل ميراف ميخائيلي ونائبة بينيث ايليث شاكير.

ومن المسائل المهمة التي اخذت على نتنياهو في حكومته الاخيرة انتقاده اجهزة الامن، وسينظر المدعي العام الاستئنافي في الدعاوى المرفوعة ضده بتهم الفساد والرشوة واساءة الامانة. أيضاً لم يوفر نتنياهو المحكمة العليا من لسانه السليط واثار اشمئزاز وغضب جميع الذين يتمسكون بما تسمى “دولة القانون واحترام المؤسسات” في الدولة العبرية.

ولنتنياهو اهداف من توجيه سهامه الى القضاة وذلك تحسباً من محاكمته بالتهم المتورط بها والتي ستقوده الى مواجهة قاسية على القوس وربما الى السجن. لذلك كان متمسكاً في البقاء في منصب رئاسة الحكومة لتفادي مواجهة الاحكام التي تنتظره.

ومن السابق لأوانه التكهن بسياسة الحكومة الجديدة على الصعيدين الداخلي والخارجي، لكن حتما ستشكل تغييرا في الاسلوب عن سنوات نتنياهو الذي شخصن الحياة السياسية الإسرائيلية وحصرها برؤيته ومفهومه وهوسه بالسلطة.

ومع تشكيل الإئتلاف وبمعزل عن قدرته على الصمود طويلاً، فإن إسرائيل تدخل مرحلة جديدة بعيدة عن السنوات السبعين الماضية عندما كانت الحكومات تتغير بشكل متبادل بين حزب العمل وتكتل الليكود في نظام الحزبين بل الكتلتين الرئيسيتين. إسرائيل تتحول الى نظام الاحزاب المتعددة والمفاهيم المتعددة. السؤال كيف يمكن التعايش بين عقائد مختلفة وشخصيات متنافسة وسياسات متنافرة في مجتمع يعيش صراع الهوية ومليء بهذا الكم من التنافضات؟

تغيير نتنياهو خبر مفرح لكنه ينتظر تغيير السياسة الإسرائيلية، لان تغيير الاشخاص لا يعني بالضرورة تغيير السياسات

علينا رصد برنامج الحكومة الجديدة وخططها ومدى تجاوب اعضاء الكنيست معها. حتماً سيحاول نتنياهو وضع العراقيل امامها وافتعال مشاكل لتوريط الحكومة ورئيسها. له من الكيدية والانانية وحب الذات وولع السلطة ما يكفي لافساد كل تركيبة يكون خارجها، علماً انه يواجه تهم الفساد وغضباً شعبياً نتيجة أداء الجيش الإسرائيلي الوحشي في حرب غزة وافتعال كل هذه الحرب خدمة لمصالحه وضمان بقائه على رأس السلطة. ان حسابات نتنياهو في افتعال اخلاء سكان حي الشيخ جراح في القدس من منازلهم التي تعود ملكيتها الى اجدادهم وابائهم والاعتداءات على المتظاهرين في فناء المسجد الاقصى اشعلت معركة غير ضرورية مع حركة حماس وادت الى خسائر بشرية وضحايا بين الفلسطينيين (اكثر من 273 شهيداً غزاوياً مقابل 12 قتيلاً إسرائيلياً)، فضلاً عن خسائر سياسية أبرزها ما يتصل بالتباينات الإسرائيلية مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.

إقرأ على موقع 180  مسؤول إسرائيلي لـ"نيوزويك": "حزب الله سيهزمنا في 24 ساعة"

لذلك تبرز اهمية المحافظة على وقف اطلاق النار في غزة وعودة الهدوء والاستقرار لتنشط اعادة الاعمار التي ستتولى مصر والسلطة الفلسطينية في رام الله ادارتها. حكومة بينيث ستركز على المواضيع الاقتصادية، فضلاً عن الاستمرار في احتواء جائحة كوفيد وتعيين قضاة ومدعين عامين في الدولة وعودة العمل بموجب حكم القانون لا وفق مزاجية نتنياهو ومصالحه.

وليس خافياً أن بينيث زعيم حزب “يمينا” لا يقل يمينية عن نتنياهو. هو من صقور إسرائيل وعمل نتنياهو المستحيل لاجتذابه الى معسكره لكنه فشل. لذلك يتهم حزب “يمينا” ورئيسه بالتضليل ومحاولة احداث انقسام سياسي في معسكر اليمين. كما فشل نتنياهو في إجتذاب آخرين حتى اللحظة الاخيرة مثل جدعون ساعر المنشق عن الليكود وبني غانتس من حزب “ازرق ابيض” لتأليف حكومة يتناوب على رئاستها هؤلاء الثلاثة (نتنياهو وساعر وغانتس).

وثمة تقديرات بأن تكون حكومة الوحدة الوطنية الجديدة حكومة هشة، لأن المطلوب منها تجنب الخوض في القضايا الخلافية وهي محكومة بإتخاذ قراراتها بالاجماع. المهم في المرحلة الاولى من عمل الحكومة مراقبة تصرفها في الكنيست والمحافظة على وقف النار مع حركة حماس وأن تفتح صفحة جديدة مع السلطة الفلسطينية في رام الله لعودة المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية لتحسين افاق الحكم الذاتي الفلسطيني واعطاء الفلسطينيين مزيدا من الحقوق في ادارة شؤونهم بالنسبة الى الجمارك والمياه والكهرباء والمعابر والمطار حتى ينجح مشروع حل الدولتين الذي تتمسك به الادارة الاميركية الجديدة والتي تعتبر نتنياهو من ابرز معارضي هذا الحل ومعرقليه.

تغيير نتنياهو خبر مفرح لكنه ينتظر تغيير السياسة الإسرائيلية، لان تغيير الاشخاص لا يعني بالضرورة تغيير السياسات.

(*) إقرأ أيضاً: من هو الرئيس الإسرائيلي الجديد يتسحاق هرتسوغ؟

Print Friendly, PDF & Email
مهى سمارة

كاتبة وصحافية لبنانية

Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  "الشاباك" يُفرج عن وثائق تُثبت تعذيب معتقلي الخيام