الحرب الوشيكة.. لن تستطيع واشنطن منعها!  

ستكون المرة الأولى التي تستهدف فيها إيران إسرائيل مباشرة. هكذا توحي أجواء الاستنفار في الشرق الأوسط وحمى الاتصالات الدولية مع طهران بطريقة غير مباشرة من قبل واشنطن، ومباشرة من الدول الأوروبية وروسيا والصين. 

الضربة الإيرانية المرجحة بين ساعة وأخرى، ستأتي رداً على استهداف إسرائيل في الأول من نيسان/أبريل الجاري القنصلية الإيرانية في دمشق مما أدى إلى مقتل سبعة إيرانيين أبرزهم مسؤول “قوة القدس” في الحرس الثوري الإيراني في لبنان وسوريا الجنرال محمد رضا زاهدي.

معظم المؤشرات، حتى الآن، توحي بحتمية الضربة الإيرانية، غير أن ما سيليها من رد إسرائيلي قد يقود إلى حرب إقليمية واسعة، كانت واشنطن وطهران نجحتا في تفاديها منذ هجوم “حماس” على “غلاف غزة” في 7 تشرين الأول/أكتوبر وما تلاه من حرب إسرائيلية أسفرت عن سقوط 33 ألف فلسطيني وتدمير 60 في المئة من القطاع، كلياً أو جزئياً، وتهديد معظم سكان القطاع بمجاعة وشيكة.

التأكيدات الصادرة عن الرئيس الأميركي جو بايدن ومساعديه بأن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في مواجهة إيران “لا يتزعزع” يترافق مع تحريك حاملة الطائرات الأميركية “أيزنهاور” ومجموعتها القتالية في البحر الأحمر إلى منطقة أقرب من إسرائيل، استعداداً لاحتمال الضربة الإيرانية. كما تحدث موقع “بلومبرغ” الإخباري عن تحريك قوات أميركية أخرى في اتجاه المنطقة.

في هذه الأثناء، تتوالى الاتصالات الديبلوماسية الأميركية مع كل من مصر والسعودية والإمارات وقطر وسلطنة عمان والصين، في محاولة لدفع هذه الدول إلى الضغط على طهران كي لا تهاجم إسرائيل. هذا الأمر ينم عن رغبة أميركية في عدم توسيع الحرب في غزة إلى نزاع إقليمي ستجد أميركا نفسها متورطة فيه قبل ستة أشهر من الانتخابات الرئاسية الأميركية التي تحمل استطلاعات الرأي مزيداً من التدهور في شعبية بايدن، فكم بالحري إذا نشبت حرب إقليمية واسعة ستترك تأثيراتها على أسعار النفط منذ الآن، وهذا بدوره سينعكس ارتفاعاً في التضخم ويؤثر لا محالة على خيارات الناخبين الأميركيين الذين لا يترددون في التعبير عن عدم رضاهم على الوضع الإقتصادي.

السؤال المحوري الذي لا محالة من طرحه هو التالي: هل تساعد ضربة إيرانية في هذا التوقيت نتنياهو على ترميم صورته أم تزيد من متاعبه؟

وبناء على هذا الاعتبار، يهم الولايات المتحدة أن لا تؤدي أية ضربة إيرانية إلى عدم الذهاب نحو ردٍ إسرائيلي واسع يستدعي رداً آخر من إيران وحلفائها بما يؤدي إلى حرب شاملة.

وفي الوقت نفسه، إذا كانت إيران لا تريد المخاطرة بخوض حرب شاملة، فإن ردها قد يأتي محسوباً ومضبوطاً بما لا يتيح لاسرائيل اتخاذه ذريعة لتوجيه ضربة واسعة لإيران تشمل منشآتها النووية.

ومن بين السيناريوات التي تشاع في الصحافة الغربية استناداً إلى معلومات استخباراتية أميركية، أن الرد الإيراني قد يستهدف المواقع الإسرائيلية في مرتفعات الجولان السورية المحتلة أو في غزة، أي في مناطق غير معترف بها دولياً على أنها جزء من إسرائيل.

أما إذا استهدفت إيران الداخل الإسرائيلي بصواريخ باليستية أو مُسيّرات، على غرار الهجمات التي تشنها روسيا على أوكرانيا، فإن ذلك سيدفع إسرائيل إلى رد واسع النطاق داخل إيران.

لا بد هنا من إيران تأخذ في حساباتها الاستراتيجية، أن توجيه ضربة إلى إسرائيل الآن، سيأتي في وقت يعاني رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أسوأ وضع له منذ ستة أشهر، بفعل تدهور العلاقات مع إدارة بايدن بسبب عدم الإصغاء إلى المطالب الأميركية في ما يتعلق بالتوصل إلى هدنة لمدة ستة أسابيع والسماح بإدخال كميات كبيرة من المساعدات الغذائية، وبرفضه البحث في “اليوم التالي” للحرب، وكانت آخر التصدعات تلك التي حدثت عقب مقتل سبعة من متطوعي المطبخ المركزي العالمي في 2 نيسان/أبريل بضربة جوية في وسط قطاع غزة.

وإلى الانتقادات الغربية، يتصاعد ضغط الشارع على نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة بعد ستة أشهر من الحرب والفشل في تحقيق أي من أهداف الحرب الأساسية. مجلة “الإيكونوميست” البريطانية تحدثت في تقرير مطول عن “الفشل الإستراتيجي والعسكري والأخلاقي” للجيش الإسرائيلي في غزة. ونقلت عن الميجور جنرال المتقاعد نعوم تيبون أن “كل الحديث عن تدمير كتائب حماس ما هو إلا هراء. لا يزالون حركة أساسية لا تحتاج إلى قيادات لتقاتل حتى الموت”. وفي السياق نفسه، ترى صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية أنه “صحيح أن اسرائيل تربح معركة بعد معركة، لكنها تغامر بخسارة الحرب”.

السؤال المحوري الذي لا محالة من طرحه هو التالي: هل تساعد ضربة إيرانية في هذا التوقيت نتنياهو على ترميم صورته أم تزيد من متاعبه؟

ما انفك نتنياهو ووزراؤه منذ بداية الحرب على الربط بين “حماس” وإيران، وعلى تصوير الحركة على أنها “ذراع من أذرع” طهران في المنطقة، ونزع عنها صفتها كحركة فلسطينية خالصة تطالب بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قال عند الهجوم على غزة، إن “هذه حرب ستنتهي في طهران”، في تدليل على أن إيران كانت الداعم الأساسي لـ”حماس” منذ عقود.

إقرأ على موقع 180  مئة يوم أو مئة شهر.. أهداف إسرائيل تبدّدت!

والخميس الماضي، نشرت صحيفة “تايمز” البريطانية ما زعمت أنه وثيقة عثر عليها الجيش الإسرائيلي في غزة تتحدث عن تلقي الحركة أموالاً من إيران تصل إلى 250 مليون دولار منذ العام 2014.

لا شك في أن إيران تأخذ في الاعتبار السؤال آنفاً عما إذا كان استهداف اسرائيل بضربة واسعة، سيُغيّر شكل الحرب الدائرة في غزة ويُعيد إلى الدولة العبرية صورة الضحية التي سوّقتها لنفسها منذ العام 1948، وانهارت بعدما غرقت بدم الفلسطينيين في غزة.

عُرف عن النظام في إيران منذ ولادة ثورته في العام 1979، أنه يحسب خطواته جيداً، ولم يظهر ميولاً انتحارية في أصعب أزماته. وما يمر به اليوم اختبار يمتحن الصبر الذي اشتهر به. وحتى لو عدل عن توجيه الضربة، فلا بد أن يكون مقابل ثمن استراتيجي!

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  بين الانفتاح على الحريات الصحفية.. وأحاديث الأحذية!