ببيان ـــ “رسالة” مؤلف من 33 كلمة، كرست المقاومة، اليوم، معادلة ردع جديدة، بردّها الأولي على عملية المسيرات الإسرائيلية التي إستهدفت أحد أحياء الضاحية الجنوبية فجر الخامس والعشرين من آب/ أغسطس 2019.
فقد أعلنت المقاومة الإسلامية في بيان لها اليوم، الآتي:
“تصدى مجاهدو المقاومة الإسلامية بالأسلحة المناسبة لطائرة إسرائيلية مسيرة أثناء عبورها للحدود الفلسطينية – اللبنانية باتجاه بلدة رامية الجنوبية، حيث تم إسقاط الطائرة المسيّرة في خراج البلدة وأصبحت في يد المقاومين وذلك يوم الاثنين 09-09-2019”.
لم يكن قرار الأمين لحزب الله السيد حسن نصر الله، باسقاط طائرات إسرائيلية مسيّرة في سماء لبنان، وليد الحادثة التي جرت فوق “حيّ معوض” في الضاحية الجنوبية لبيروت قبل حوالي الأسبوعين.
في المعطيات، أنّ قيادة المقاومة ضاقت ذرعًا من الانتهاكات اليومية التي تقوم بها طائرات الاستطلاع الاسرائيلية، على مدار الساعة، من أقصى جنوبه إلى أقصى شماله، وبخاصة فوق مناطق نفوذ حزب الله والأماكن المحتملة لانتشار قواته ومخازنه الصاروخية الاستراتيجية، مع ما يرافق ذلك من صمت دولي على الخروق الإسرائيلية للسيادة اللبنانية منذ صدور القرار 1701، حتى الآن.
في هذا السياق، تعود بنا الذاكرة الى التهديد الاسرائيلي المستمر باستهداف مخازن ومصانع الصواريخ الدقيقة في لبنان وكيف يقوم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في المواسم الإنتخابية وقبلها وبعدها، بـ”حفلة علاقات عامة”، تكاد تشكل قضية الصواريخ الدقيقة “وجبتها” الأساس.
ولا بد أيضا من العودة إلى الرسائل التي أوصلتها القيادة الأميركية إلى قيادة المقاومة عبر وسطاء دوليين، والتي كان قد رد عليها نصرالله بشكّل موسّع في إحدى خطاباته الشعبية في الضاحية الجنوبية في مطلع هذه السنة.
ولأن الاسرائيليين يتهيّبون من ردة فعل المقاومة، على أي استهداف علني لأي من كوادرها أو حتى قدراتها النوعية، يلجأون إلى أسلوب التخفّي، لتنفيذ أعمال لا تجعلهم يتركون بصمة مباشرة، وهذا ما حصل في الضاحية الجنوبية في آب / أغسطس المنصرم.
على هذا الأساس، تركت المقاومة باب الإجتهادات مفتوحا حول حقيقة ما جرى في حي معوض، برغم أنها تملك رواية دقيقة إزاء الهدف، سواء لجهة سعي الاسرائيلي الملحّ لاستهداف الصواريخ الدقيقة أو الكادر البشري الذي يعمل على تطويرها! أو حتى للقيام باستهداف أحد قادة المقاومة المتخصّصين في مجالات نوعية معيّنة. وقد تكون الأيام المقبلة كفيلة بكشف الهدف الحقيقي الذي تسللت من أجله الطائرات الإسرائيلية تحت جنح الظلام، ظنًا من قيادة العدوّ، أن وجود أهل “الضاحية الجنوبية” في قراهم الجنوبية والبقاعية، في عز موسم الصيف وفي عطلة نهاية الأسبوع، سيُسهّل لهم مَهمّتهم العملياتية.
جاءت عملية رامية اليوم لتضع بعض النقاط على حروف معادلات جوية سترتسم ميدانيا في التوقيت المناسب
وبرغم تأهب قوات الإحتلال ورفع مستوى جهوزيتها، إختارت قيادة المقاومة التوقيت المناسب للرد على إستهداف إثنين من كوادرها في إحدى ضواحي دمشق وعلى حادثة حي معوض.
في أفيفيم قبالة مارون الرأس، تكرست معادلة عسكرية جديدة: تخرقون قواعد الإشتباك وتسقط دماء لبنانية، لا نرد في الغجر أو مزارع شبعا، أي ضمن الأراضي اللبنانية المحتلة، بل في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ العام 1948. هذه هي الرسالة الأولى.
الرد الثاني، اليوم، إستوجب عقلا باردا. دفاعات جويّة غير محددة الهوية تخرج من مخازنها الحدودية. عقول تعمل في الخفاء، طوال الفترة الماضية بانتظار ساعة الصفر. من الواضح أن الاسرائيلي كان متيقنا بأن المقاومة ستنجح في إسقاط إحدى طائراته الاستطلاعية، فهو يعرف جيدا بعض قدراتها. كما يعرِف جِدّية قائدها وصدق ما يقوله، لذلك، جاءت عملية رامية اليوم لتضع بعض النقاط على حروف معادلات جوية سترتسم ميدانيا في التوقيت المناسب.
يكفي القول إن رامية هي بلدة حدودية محاذية لفلسطين المحتلة (يمر الشريط الشائك عند أطرافها الجنوبية وعلى مقربة من بيوت السكان)، وعندما يقول البيان الرسمي إن المقاومين تصدوا بالأسلحة المناسبة لطائرة إسرائيلية مسيرة أثناء عبورها الحدود الفلسطينية اللبنانية بإتجاه رامية وأسقطوها في خراج هذه البلدة، فإن إختيار الجغرافيا يشكل رسالة سيدرسها الإسرائيلي جيدا، قبل أن ينتقل إلى مربع الأسلحة المناسبة التي أسقطتها ومن دون جعل الإسرائيلي يتحكم بتفجيرها، كما جرت العادة.
منذ العام 2006، أدرك الإسرائيلي أن المقاومة اللبنانية التي فاجأته بسلاح “الكورنيت” الذي جعل التقدم البري مستحيلا وصواريخ أرض بحر التي دمرت زورقا حربيا قبالة بيروت وجعلت البوارج تنكفىء إلى عرض البحر، لن تنام بل ستعمل على مدار الساعة من أجل مفاجآت جديدة، خصوصا في الجو.
حاول صحافيون إستدراج السيد نصرالله في مقابلات صحافية إلى الكشف عن حقيقة إمتلاك حزب الله صواريخ أرض جو قادرة على قلب المعادلات في أية حرب جديدة مع إسرائيل، لكنه أصر على القول إن المفاجآت ستتكلم وحدها في الميدان.
يقود ذلك للإستنتاج أن الإسرائيلي بات يضع كل الاحتمالات على الطاولة.
إذا تكرر ما حصل في الضاحية الجنوبية أم لم يتكرر، أصبحنا أمام معادلة جديدة. الخيار الأوّل الذي يتبادر إلى الأذهان، أن المقاومة ستطلق نيران رشاشاتها الأرضية على المسيرات الإسرائيلية حيث تسمح الجغرافيا بذلك، وبعيدا عن السكان المدنيين حفاظًا على سلامتهم (نموذج رامية).
الخيار الثاني، أنّ المقاومة قد تلجأ مع اي خرق جديد إلى مفاجآت جديدة، أي إلى استخدام أسلحة للمرة الأولى في تاريخها، وبخاصة إذا أرادت استهداف الطائرات المسيّرة الكبيرة على ارتفاعات عالية ومسافات بعيدة، أي استخدام بعض المفاجآت المعدّة للحرب، وذلك خوفًا من كسر قواعد الاشتباك وتكريسها، وبالتالي كشف مقدّراتها وكوادرها، أمام الاستهدافات المتكرّرة كما ذكر السيد نصرالله.
الخيار الثالث الذي قد يكون متوفّرا للمقاومة وغير مُعلن عنه، ويتمثل في استخدام القدرات التقنية التي تمتلكها، والتي يشغّلها الكثير من المهندسين والمتخصصين فيها. هذا الخيار يقضي بقيام القوة الجوية في المقاومة باختراق الطائرات الاسرائيلية المسيرة، والسيطرة عليها والتحكم بمسارها وصولا إلى القاء القبض عليها. وهذا الخيار ليس مستبعدا، فالمقاومة قبل “عملية أنصارية” في تسعينيات القرن الماضي، استطاعت خرق بث الطائرات التي تراقب المنطقة الجنوبية. بالإضافة إلى أن التعاون الإيراني مع حزب الله ليس له حدود، وهذا ما يعني أن تقنية السيطرة على تلك الطائرات قد أصبحت بحوزة المقاومة. وسنرى طائرات سليمة تقع بين أيدي مقاتليها، على غرار الطائرة الأميركية التي سيطرت عليها إيران في أجوائها مؤخرا.
الخيار الرابع، أن ترد المقاومة بالطريقة نفسها التي استخدمها العدو -حسب مصادره – في عملية استهدافه أفراد حزب الله في منطقة عقربا جنوب دمشق، في 24 آب/ أغسطس الماضي، أي أنّها ستستخدم الطائرات المفخخة الانتحارية، الّتي يدّعي العدو حيازتها من قبل المقاومة.
الخيار الخامس عنوانه فقط المفاجآت.