واشنطن وطهران بين الإغراءات الاستثمارية.. والمغامرة العسكرية!

إذا لم يطرأ أمرٌ مفاجىء، فإن الجولة الرابعة من المفاوضات الأميركية الإيرانية المتوقع عقدها الأحد المقبل في مسقط، تكتسب أهمية إستثنائية نظراً لما سبقها من تطورات ولا سيما على خط وقف الهجمات بين الولايات المتحدة والحوثيين.. والأهم أنها تأتي قبيل ساعات من موعد وصول الرئيس دونالد ترامب إلى منطقة الخليج.

وبمعزل عما يُردّده البعض بأن هذه الجولة “ستكون حاسمة وهامة وإستثنائية”، هذه محاولة لإجراء جردة بمسار الجولات التفاوضية الثلاث:

1- كسرت الجليد بين الفريقين المتنازعين حول أمور كثيرة، سياسية وأمنية واقتصادية. طبعاً كانت هناك حالة من القطيعة بين طهران وواشنطن ولطالما تبادل الجانبان التهديدات عبر وسائل الإعلام، من دون أن تنجح كل المحاولات في رأب الصدع بين الولايات المتحدة وإيران، برغم السنوات الأربع من عهد جو بايدن والتي كانت حصيلتها صفرية.

2- خاض الجانبان حواراً غير مباشر في الجولات الثلاث الماضية. طلبت الولايات المتحدة نقل الجولة الثانية إلى روما وغالب الظن أن إيران رفضت اعتماد الوسيط الإماراتي (أبو ظبي) وأصرّت على الوسيط العُماني، فكان نقل الجولة الثانية إلى مقر السفارة العُمانية في روما مخرجاً للجميع، برغم أنه لم تظهر مؤشرات بعد على الانتقال إلى الحوار المباشر على مستوى الوفدين المفاوضين برئاسة المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي..

3- في الجولة الثالثة حضر فريق تقني من الولايات المتحدة برئاسة مايكل أنطون وهو من أصل لبناني وعمل في إدارة ترامب الأولى في مجلس الأمن القومي. وحضر من الجانب الإيراني مجيد تخت‌ روانجي وكاظم غريب آبادي، وهما من فريق وزارة الخارجية الذي كان يُشارك في المفاوضات الأميركية الإيرانية منذ أكثر من عقد من الزمن.

4- كل وفد تقني كان يتألف من خبراء في مجال الطاقة النووية لبحث نسب تخصيب اليورانيوم وقضبان الطرد المركزي وإنتاج البلوتونيوم ومصير اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، أي أعلى من النسبة التي حدّدها اتفاق العام 2015 (3.6%).

5- شارك في المفاوضات خبراء إيرانيون مختصون بالعقوبات الأميركية التي فرضتها وزارة الخزانة والبيت الأبيض والكونغرس بالإضافة إلى خبراء يهتمون بكيفية تحرير التجارة في قطاع النفط والطاقة وفتح المجال للتعامل المصرفي والإفراج عن الأرصدة الإيرانية المجمدة في الولايات المتحدة واعتماد نظام Swift للتحويلات المالية وغيرها. يشي هذا العدد من الخبراء بتمسك إيران برفع جدي ونهائي للعقوبات ويأتي هذا الاصرار الإيراني رداً على ما تسرّب من الجانب الأميركي الذي طالب بوقف التخصيب مقابل الإفراج عن بعض الودائع المجمدة في البنوك الأميركية وغيرها (بنوك قطر مثلاً فيها 7 مليارات دولار) وهذا ما يرفضه الإيرانيون.

ما يزال التفاوض محصوراً بالمسألة النووية ورفع العقوبات. كما أن تصريحات الفريقين أشارت إلى أجواء ايجابية وبنّاءة وجيدة، وهذا ما يُفسّر استمرار المفاوضات. في المقابل، ردّد الجانب الإيراني كلاماً عن انعدام الثقة بالجانب الأميركي في ظل تلويح بعض الأصوات الأميركية باللجوء إلى الخيار العسكري

6- قدّم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان عرضاً استثمارياً للولايات المتحدة، وقال إن المرشد السيد علي خامنئي وافق على السماح للولايات المتحدة بالاستثمار في إيران. وتأكد ذلك بتصريح حمل المضمون نفسه من السيد علي لاريجاني مستشار المرشد ومن وزير الخارجية الذي نشر مقالة في “واشنطن بوست” تصب في الخانة نفسها.. تتركز الاستثمارات على حقل فارس للغاز وهو امتداد لحقل الشمال في المسطح المائي الذي يقع بين إيران وقطر. ومن المعروف أن إيران وقطر لم تُرسّما المنطقة الاقتصادية الخالصة بل اتفقتا على قسمة حبية Amical بينهما. يضاف إلى ذلك حقول نفط وغاز محتملة في البر الإيراني والتنقيب عن المعادن وخصوصا الليثيوم والمعادن النادرة وشراء نحو 250 طائرة “بوينغ” أميركية الصنع.

7- خلافاً لما جرى بعد اتفاق العام 2015 الذي سمي بخطة العمل الشاملة المشتركة حيث أعطت إيران استثمارات النفط والغاز لشركة “توتال” الفرنسية وتعاقدت مع شركة “ايرباص” الفرنسية لشراء مائة طائرة كما تعاقدت مع الحكومة الفرنسية لانشاء خطوط سكك حديد سريعة (TGV) وكذلك لإصلاح وتطوير القطاع الزراعي. أما عروض إيران الاستثمارية اليوم فقد تجاهلت أوروبا وحصرت الاستثمار بالولايات المتحدة وهي بذلك تخاطب عقل “البزنس” عند ترامب.

8- تدخل إيران المفاوضات هذه المرة في ظل موقف داخلي موحد بخلاف ما جرى في العام 2015؛ ويعود الفضل في ذلك للمرشد الإيراني الذي أجاز بالمشاركة في المفاوضات. ويمكن التوقف عند التصريح الإيجابي الذي أدلى به الجنرال ايرج مسجدي مستشار فيلق القدس في الحرس الثوري وقال فيه إن إيران دخلت المفاوضات بناء على طلب أميركي، وأضاف: “نأمل أن تسفر هذه المحادثات عن نتائج تدفع الطرفين نحو تفاهم مشترك، حيث يكون بامكان كلا الطرفين التعاون والتوصل إلى حلول من خلال النقاش المشترك”. وكان لافتاً للانتباه انتشار صورة للوزير عراقجي على وسائل التواصل الاجتماعي كتب عليها آية من سورة طه من القران الكريم: “اذهب إلى فرعون إنه طغى”.

9- اللافت للانتباه أيضاً أن التصريحات الأميركية لم تأتِ حتى الآن على ذكر برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية ولا ما أُسمي “الدور الاقليمي لإيران”. عملياً؛ ما يزال التفاوض محصوراً بالمسألة النووية ورفع العقوبات. كما أن تصريحات الفريقين أشارت إلى أجواء ايجابية وبنّاءة وجيدة، وهذا ما يُفسّر استمرار المفاوضات. في المقابل، ردّد الجانب الإيراني كلاماً عن انعدام الثقة بالجانب الأميركي في ظل تلويح بعض الأصوات الأميركية باللجوء إلى الخيار العسكري.

إقرأ على موقع 180  ما هي أبرز التحديات الاستراتيجية الآنية أمام حكومة نتنياهو؟

ماذا عن الخيار العسكري؟

ذكرنا في ما تقدم أعلاه تفاصيل المسار التفاوضي، لكن هناك تحضيرات عسكرية أميركية تشير إلى عدم استبعاد احتمال توجيه ضربة عسكرية لإيران. ففي 30 مارس/آذار الماضي، هدّد ترامب إيران بـ”قصف غير مسبوق”، إذا لم تتوصل مع الولايات المتحدة إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي. وقد ظهرت بوادر تباين في الادارة الأميركية، فوزير الخارجية ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي (السابق بعدما تمت إقالته الأسبوع الماضي) مايك والتز يميلان إلى الخيار العسكري فيما المفاوض ستيف ويتكوف يتبنى خيار المفاوضات بدفع من ترامب الذي قال إنه لا يفضل الحرب، أي أنه ما زال متأرجحاً بين خياري السلم والحرب.. لكن ما هي المؤشرات التي ترجح الخيار العسكري؟

أي هجوم أميركي ـ إسرائيلي على إيران يحتاج إلى استخدام أكثر من 300 طائرة بالإضافة إلى إطلاق صواريخ باليستية وجوالة من المراكب البحرية الأميركية في شمال المحيط الهندي والبحر الأحمر. يقف الطرفان الأميركي والإيراني على أعلى درجات التأهب وتقف معهما دول وشعوب المنطقة والعالم ترقباً لنتيجة أهم وأخطر مواجهة في التاريخ الحديث

1- بين 1 و2 نيسان/أبريل 2025، زار قائد القيادة الوسطى الجنرال مايكل كوريلا إسرائيل وعقد اجتماعات عسكرية استغرقت عشر ساعات مع وزير الدفاع يسرائيل كاتس ورئيس الأركان إيال زامير وقادة الجيش وبالطبع تناولت الأزمة الراهنة مع إيران واحتمالات العمل العسكري.

2- بين 3 و5 أبريل/نيسان 2025، زار كوريلا السعودية وقطر والإمارات وكان لافتاً للانتباه اجتماعه برئيس الأركان السعودي الفريق الأول الركن الرويلي وقادة عسكريين وأمنيين آخرين ناقش معهم “المخاوف الأمنية المشتركة، وأهمية الاستعداد المشترك وقابلية التشغيل البيني، والالتزام المتبادل بمعالجة التهديدات الإقليمية”. كما اجتمع كوريلا في الرياض بقادة الأركان في جيش اليمن الجنوبي. وقال كوريلا في نهاية جولته إن العمل مع شركائنا في المنطقة “يجعلنا نتحرك قدماً نحو تعزيز الردع من خلال بناء قدرات متكاملة في جميع أنحاء المنطقة”.

3- قبل تصاعد الحرب الإسرائيلية على لبنان، زار كوريلا إسرائيل عدة مرات وأهمها في 10 أيلول/سبتمبر 2024 حيث شملت جولته قيادة المنطقة الشمالية في صفد.. وبعدها بنحو أسبوع اتخذت الحكومة الإسرائيلية قرار توسيع الحرب مع لبنان بعنوان فرض عودة المستوطنين إلى الشمال، قبل أن تتدحرج الوقائع العسكرية وصولاً إلى اغتيال الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصرالله في 27 أيلول/سبتمبر 2024.

4- لم تقتصر حينذاك زيارة كوريلا على إسرائيل ولبنان بل شملت عواصم عدة في المنطقة في إطار السعي الأميركي للتنسيق والربط بين شبكات الدفاع الجوي في إسرائيل والأردن ومصر ودول الخليج وعلى متن الأساطيل البحرية الأميركية وشبكات القوات الفرنسية والألمانية المنتشرة في الأردن بحيث تم انشاء مركز قيادة آلي يُوزّع الأهداف وتردد أنه تمكن من اسقاط نحو 95%؜ من الصواريخ الباليستية والمُسيرات.

5- ثمة انطباع أن زيارة كوريلا الأخيرة إلى دول الخليج كانت وظيفتها ربط شبكة الدفاعات الجوية الأميركية والحليفة في كل من السعودية وقطر والامارات وربما اليمن (لا يعرف ما إذا استقدمت احدى الدول أنظمة دفاع جوي إلى جنوب اليمن) وتنسيق عملية الدفاع الجوي الصاروخي في مواجهة الصواريخ المنطلقة من إيران، بدءاً من مياه الخليج مروراً بالجزيرة العربية وصولاً إلى الأردن وإسرائيل.

6- يعتمد الدفاع الجوي الأميركي على منظومة واسعة من الصواريخ أبرزها من نوع “باتريوت” نظام “إم آي إم-104″، وهو العمود الفقري للدفاع الصاروخي في الولايات المتحدة، ويستطيع الاشتباك مع الطائرات المعادية والصواريخ الباليستية المجنحة. كما أن الولايات المتحدة نشرت بطاريتي صواريخ “ثاد” (Thaad: terminal high altitude area defense) التي اعترضت الصواريخ اليمنية الفرط صوتية. كما نُشرت بطارية “ثاد” في دولة الإمارات. وتحدث الإعلام الإسرائيلي عن نشر إحدى دول الخليج منظومة رادارية متطورة في الصومال لرصد انطلاق الصواريخ من شمال اليمن.

7- تسربت أنباء عن حشود من قوات الحكومة الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي بهدف التقدم في الساحل الغربي باتجاه الحديدة، بعدما تم توجيه ضربة أميركية كبيرة جداً لميناء الحديدة عشية الإعلان عن وقف الهجمات بين الحوثيين والولايات المتحدة.

8- لفت الإنتباه ما أذاعته السفارة الأميركية في بيروت من أن الجنرال جاسبر جيفرز رئيس لجنة الإشراف على وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل قد ترك مهمته وعاد إلى وظيفته الأساسية، وهي رئاسة عمليات القوات الخاصة في المنطقة الوسطى في ما يشبه الاستدعاء في حالة حرب.

في الخلاصة، أي هجوم أميركي ـ إسرائيلي على إيران يحتاج إلى استخدام أكثر من 300 طائرة بالإضافة إلى إطلاق صواريخ باليستية وجوالة من المراكب البحرية الأميركية في شمال المحيط الهندي والبحر الأحمر. يقف الطرفان الأميركي والإيراني على أعلى درجات التأهب وتقف معهما دول وشعوب المنطقة والعالم ترقباً لنتيجة أهم وأخطر مواجهة في التاريخ الحديث.

Print Friendly, PDF & Email
إلياس فرحات

عميد ركن متقاعد

Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  من صامويل هانتغتون إلى صامويل باتي.. عالم خارج السيطرة