لا تنفصل سيرة بلال الحسن السياسية عن سيرته الصحافية وإن كان الإعلام قد شغل القسم الأكبر من هذه السيرة. في العام الماضي، غاب عنا أيضاً الأستاذ طلال سلمان رفيق بلال في مشروع جريدة “السفير” فكان أن شاركت بورقة تأبينية في تلك المناسبة رسمتُ فيها موقعي في العالم الذي صنعه سلمان ”ابن الدركي الذي سار مفتخراً على خطى ابن البوسطجي”. ولعل ورقة تأبين بلال اليوم مكملة للورقة الأولى وسأعتمد فيها المنهج نفسه استناداً إلى تحقيب زمني رمزي لمحطات اعجاب وصداقة وعمل.
اللقاء الأول
كنتُ في السنة الأخيرة من صف البريفيه (الإعدادية) عندما قذفتني الأجواء المُجَمِّرة حينذاك إلى عالم السياسة. تعرفت مبكراً إلى الأستاذ بلال الحسن من خلال مقالاته في مجلة “الحرية” القومية اليسارية. كانت أسماء كتابها بالنسبة لي أشبه بأسماء الشخصيات الأسطورية: بلال الحسن وطلال سلمان ومحسن إبراهيم ومحمد كشلي وآخرين. كانوا في مخيلتي عمالقة الفكر السياسي، وأساتذة لا يشق لهم غبار. لم أكن قارئاً للمجلة فقط، بل كنت أوزعها وأُلخِّصُ مقالاتها وأناقش ما قرأت. لن يطول الوقت حتى التقيت بعد شهور مع بلال الحسن في ظروف مختلفة تماماً. كان لقاءً سرياً مغلقاً في حي الفاكهاني في بيروت، تحفظ خلاله بقوة على ما سيجري من بعد في الأردن، حيث خرجت منظمات المقاومة من عمان وإربد واستقرت في بيروت. لم يرقْ لي تحليله لموازين القوى في حينه، إذ كنت أميل تماماً لوجهة النظر وللتحليل المغاير. بدا لي وكأنه ما زال “قومياً” في موقع ماركسي يدفع قادته باتجاه مغامرة ثورية لن يطول أمدها وستُتوج بكارثة.
استقال بلال الحسن من “الجبهة الديموقراطية” بعد الكارثة، وتفرغ في القسم الأكبر من وقته للعمل الصحافي.
كان بلال الحسن يضع في حينه نظارات طبية غامقة اللون سميكة العدسات تضاعف سنه. كان يتحدث بهدوء العاقل الذي اكتسب خبرة دهرية. تحدثت معه من بعد عن ذلك اللقاء الذي تذكر تفاصيله لكن لم يتذكرني. وكيف يفعل وأنا اللبناني الوحيد الأصغر سناً من الجميع في لقاء ضم يساريين فلسطينيين يعرفون بعضهم البعض منذ زمن، ناهيك عن أنني لم أنبس خلال اللقاء ببنت شفة، كنت ما زلت بعد تلميذاً مبتدئاً في تلك السنوات الحمراء.
اللقاء الثاني
كان هذا اللقاء الأكثر اضطراباً. كان بلال نائب رئيس تحرير صحيفة “السفير” لصاحبها طلال سلمان. وشاء الحظ أن أتلمس طريقي للكتابة فيها عبر ترحيب من الصديق حازم صاغية وفي حضرة عملاقين سابقين كما سبقت الإشارة، ساعدتني الماركسية في تحجيم أسطورتهما بل في الافتراض الوهمي أنني على يسارهما.
نشرت لي “السفير” في العام 1978 ملفاً تاريخياً موثقاً حول الجانب اللبناني في “الثورة السورية الكبرى 1925-1927 “. أثار الملف إعجاب كثيرين وغضب من تضرر من المنشور، وامتد الغضب الى حد تطويق “السفير” من طرف مسلحين قبليين أرادوا معاقبتي على ما كتبت. فكان أن هدّأ بلال الحسن من روعهم ووعدهم بنشر التصحيح الذي يرونه مناسباً من دون تدخل من الصحيفة. ومن ثم عنون الردود التي كتبوها بعبارة “تصحيح أخطاء فيصل جلول في ملف الثورة السورية الكبرى”.
في هذا الوقت، نصحني بعض الأصدقاء أن أبتعد عن الصحيفة بضعة أيام لأسباب أمنية. في أول لقاء معه من بعد، بادرني بلال مبتسماً: أنقذناك من غارة قبلية، وأنقذنا مقالاتك من الضرر أيضاً، لأن الردود أكدت بشكل غير مباشر ما ذهبت إليه..”. لم أكن سعيداً من تلك الإجابة ولن أُقدِّر ما فعله إلا في سنوات النضج والحكمة. استعدنا مراراً هذه الحادثة في مجلة “اليوم السابع” وكان في كل مرة ينفجر ضاحكاً من مشهد المجموعة القبلية التي حاصرت مدخل الصحيفة وأصرّت على تسليم الكاتب. تلك المجموعة تعمل وفق القاعدة القبلية التي تقول “من كَتبَ لُبِجَ” وقد ذكرها لي أحد زعماء القبائل في اليمن بعد ان “لُبِجَ” معارض ماركسي افترض أن شتم زعيم اقطاعي يُقلّل من هيبته ويضعفه ويخلق وعياً ثورياً مضاداً له، فكان أن فقد الماركسي معظم أسنانه بعد أن “لبَجَهُ” أنصار الزعيم المستهدف.
ستتكرر اللقاءات من بعد ولكن دائماً في مكاتب “السفير”. كانت تردني عبارات التقدير من طرفه لبعض مقالاتي. أما عبارات النقد القاسي لمقالات أخرى فكان يغتنم الفرصة ليُوجهها إليّ مباشرة، بحرص المحب واستناداً إلى تجربته الغنية.
اللقاء الثالث
كنتُ قد قرّرت الإستقرار في باريس مع أسرتي لأسباب شرحتها مراراً في مقالات أخرى، وصممت أنا ونايلة على انجاز أطروحتينا للدكتوراه والامتناع عن أي عمل آخر إستناداً إلى ميزانيتنا الشخصية، لذا امتنعت عن قبول عرض قدّمه لي جوزف سماحة للعمل في مجلة ”اليوم السابع” وكانت مشروعاً قيد التحضير. بيد أن شروط الإقامة في باريس ستصبح صعبة من دون راتب منتظم ومنزل خاص بدلاً من الفندق، ناهيك عن ظروف شخصية متعبة لا تطاق ولا تتيح متابعة الدراسة، فضلاً عن استحالة الرجوع إلى بيروت المشتعلة والمنقسمة مجدداً بين شرقية مسيحية وغربية مسلمة. برغم ذلك قررت المغامرة والعودة إلى لبنان بحراً عبر ميناء لارنكا القبرصي لتجنب عقاب النظام الذي كان يديره آنذاك الرئيس أمين الجميل.
في الشهور الصعبة المذكورة، كنا نلتقي جوزف سماحة وأنا بين وقت وآخر. أخبرته في أحد اللقاءات أنني بصدد العودة إلى بيروت، فدعاني لعشاء مع بلال الحسن عدلت خلاله عن العودة وقرّرت العمل في المجلة التي كانت قيد التحضير، من ضمن فريق ضم في حينه الراحل جوزف سماحة والصحافي التونسي الراحل صالح بشير والصحافي الراحل سمير قصير والصحافي المقيم منذ سنين طويلة في باريس جان دبغي والكاتب الفلسطيني الراحل أحمد خليفة والشاعر الراحل اللبناني الياس الياس والشاعر اللبناني عيسى مخلوف والناقد السينمائي التونسي الراحل خميس الخياطي والناقد المسرحي اللبناني بيار أبي صعب فضلاً عن الصحافي المغربي الراحل الباهي محمد وسينضم من بعد إلى فريق العمل الصحافي اللبناني الراحل عبدالله إسكندر والناقد اللبناني ابراهيم العريس والصحافي اللبناني ميشال نوفل والكاتب الصحافي اللبناني جهاد الزين والصحافي السوري بشير البكر والشاعر العراقي كاظم جهاد إضافة إلى مدير الإدارة المغربي الصارم رشيد سكيرج ومدير الإعلانات الفلسطيني رياض هيجر والصحافي محمد قواس والدكتور الإداري السوري بدر الدين عرودكي وآخرين وسيظل المخرج إميل منعم على رأس فريق الإخراج من الأعداد التجريبية الأولى إلى عدد الختام. وهنا أتحدث عن الفريق الذي كان ثابتاً في كادر المجلة ولم أذكر المراسلين وفريقاً كبيراً من المتعاونين الذين صاروا من بعد نجوماً في ميادين مختلفة ومن بينهم مع حفظ الألقاب محمد بلوط وجمال فياض وضحى شمس وجورج ساسين وميشال أبو نجم ومصطفى نور الدين عطية ونبيل عبد الفتاح ونجيب فريجي وآخرين أعتذر سلفاً عن نسيان أسمائهم.
على الرغم من شهرته الواسعة في الصحف التي عمل فيها، فإن ”اليوم السابع” تظل الإنجاز الأهم الذي صنعه بلال الحسن بين السنوات 1983 و1991. لقد أبدع في صناعة منبر فلسطيني مؤثر بين المشرق والمغرب العربيين ولعب هذا المنبر دوراً أساسياً في تحقيق الوحدة اليمنية وكان حاضراً ومؤثراً في بيئة المهاجرين العرب في فرنسا وكان صوتاً مهماً في الحرب العراقية الإيرانية.
كان المنبر الأهم الذي رسم الصورة الأولى للمقاومة في جنوب لبنان وكانت “اليوم السابع” الصحيفة العربية الأولى التي طرحت قضايا الصراع الإثني في موريتانيا ولعبت دوراً مهماً في المصالحة الفلسطينية وفي إعلان الدولة الفلسطينية في الجزائر والتعريف بالانتفاضة الفلسطينية الأولى ونقل أدق تفاصيلها إلى العالم العربي. لقد حقّق بلال الحسن ما ذكره لنا قبل صدور العدد الأول من أنه يُريد صحيفة يطمح كل مثقف عربي أن تنشر أعماله وآراءه وأن يتمنى كل كاتب رأي أن تنشر رأيه وهو ما تمّ حقاً، إذ أن القسم الثقافي في “اليوم السابع” كان مؤثراً بقدر تأثير القسم السياسي إن لم يكن أكثر بكثير.
لقد تمكن بلال الحسن عبر فريق مهني متعدد التجارب والكفاءات أن يصنع خلال أقل من عشر سنوات صحيفة عربية نخبوية ربما الأولى من نوعها في العالم العربي وهي تستحق حديثاً مفصلاً أتركه لمجال آخر يتصل حصراً بهذه التجربة الغنية في كل حقل.
اللقاء الرابع
اليوم الأخير في مكاتب “اليوم السابع” في شارع “توكفيل” في دائرة باريس 17، كان يوماً أشبه بأيام الهزائم الكبرى. كنا بلال الحسن وجوزف سماحة وأنا آخر الذين غادروا مكاتب “اليوم السابع” في اليوم الأخير لإغلاقها. ما زالت تفاصيل مشهد اليوم الأخير ماثلة في ذهني. الريح القوية في الخارج تحول دون فتح الواجهات في الطابق السادس من مبنى يقع على مقربة من الطريق السريع المحيط بالعاصمة.
الصمت يسود مكاناً كان أشبه بخلية نحل. عشرات الكتب منتشرة على الأرض في غرفة القسم الثقافي والغرف الأخرى. كان بلال الحسن قد اقترح أن نأخذ ما نريد من الكتب حتى لا تُرمى في مكب النفايات لكن برغم ذلك بقيت عشرات منها لم أعرف مصيرها في ما بعد. انتقيتُ فقط عدداً من المجلدات التي تضم السنتين الأولى والثانية من أعداد المجلة وما زلت أحتفظ بها في بيروت. أذكر أننا شربنا القهوة معاً واستعدنا سيرة المجلة وما فاتنا وما قمنا به على أكمل وجه.
أخبرنا بلال الحسن تفاصيل صرف الموظفين وإصراره على تسليم مستحقاتهم وتعويضات نهاية الخدمة. أوحى لنا أن جهات كثيرة تتحدث معه عن إعادة إصدار المجلة وطلب أن نبقى على تواصل فلربما جاءتنا فرصة جديدة. ثم حمل كل منا أوراقه وخرجنا معاً من المكاتب بعد ظهر ذلك اليوم الحزين.
وللحق كنتُ أعتقد أن المجلة ستستأنف الصدور قريباً، خصوصاً أنني التقيت بعد أشهر بالرئيس الراحل ياسر عرفات على هامش عيد “الوحدة اليمنية”. قال لي: ”هذه بشارة لكم. ستعود اليوم السابع قريباً إن شاء الله “. سعدتُ بالخبر ونقلته إلى جوزيف سماحة الذي كان مشاركاً في الاحتفال فقال لي لا تصدق. لو أراد عرفات ان تبقى المجلة لما عمل على إقفالها وكان تقديره صائباً.
اللقاء الخامس
لم تنقطع علاقتي بالصديق بلال الحسن. عملنا كلٌ بمفرده في مؤسستي “الحياة” و”الوسط” وكنا نلتقي بين حين وآخر في مكاتب الجريدة والمجلة في باريس أو لندن. دعوته بعد خروجنا من صحيفة “الحياة” في ذلك اليوم للمشاركة في جلسة صحافية أسبوعية كنت قد نظمتها مع نخبة من الإعلاميين الذين حوّلوها في ما بعد إلى “ناد للصحافة العربية”. كنا نلتقي في مقهى فندق هيلتون بمحاذاة برج إيفل وقد تغيّر اسمه في ما بعد، ثم في مقاهٍ أخرى من بينها مقهى “كمبرون” في دائرة باريس 15، وفيه بادرت لأن نلتقي منفردين ليروي لي التفاصيل الحقيقية لإصدار واقفال “اليوم السابع” وقد سجلتُ ما رواه ضامراً أن استخدم مروياته في الحديث عن تجربة هذه المجلة الناجحة. انقل في الفقرة التالية بعض التفاصيل حرفيا كما رواها لي:
”بعد الإجتياح الاسرائيلي لبيروت (1982) لجأتُ إلى دمشق. ذات يوم اتصل بي ياسر عرفات هاتفياً. قال لي حضّر شنطة السفر وتعال إلى المكتب. ما كان الخلاف بين سوريا وعرفات قد وقع بعد. من المكتب اتجهنا إلى طائرة خاصة صغيرة الحجم كتلك التي يستخدمها رجال الأعمال. ما كنت أعرف غرض هذه الدعوة. تحدثنا بداية في أشياء لها علاقة بالاجتياح الإسرائيلي وبما يرغب عرفات أن يصنعه. ثم قال لم تسالني بعد لماذا دعوتك؟ قلتُ له: فعلاً طرحت على نفسي هذا السؤال ولم أجد له جواباً مناسباً بعد. ردّ مباشرة بالقول: بدنا ننشر مجلة خاصة بنا وأنت مكلف بهذه المهمة. قلت له لا لزوم لمجلة يا أبا عمار. يمكننا أن ننشر أي شيء تريده في منابر عديدة لماذا نصرف ميزانية على مجلة ما دمنا قادرين على الاستغناء عنها؟ ردّ هامساً وكأنه يُخفي سراً. سيأتي اليوم الذي لن نجد فيه منبراً ينشر لنا ما نريد قوله. لذا يجب أن نستعد لهذا اليوم ونُحضّر له منذ الآن”.
في المشاورات لإصدار المجلة ـ يتابع بلال الحسن ـ “كان مطروحاً أمامنا إما لندن أو باريس. كنت أرى أن باريس أفضل لأن العرب فيها أكثر عدداً وأكثر ثقافة. أما الحضور العربي في لندن فهو مميز برجال الأعمال والثروات. وقع الاختيار على باريس وجاءت الموافقة على أن نبدأ التحضير. كان ذلك في العام 1983 والصدور في العام 1984”.
ويوضح بلال مُقهقهاً: “كان القسم الأكبر من فريق العمل من الصحافيين اللبنانيين من كل الطوائف وكان النمّامون في مقرات تونس يُشيعون أن بلال الحسن أنشأ مجلة بواسطة صحافيين ينتمون إلى حزب الكتائب ومنظمة أمل الشيعية. كانت الشكاوى والنميمة تصل إلى مكتب ياسر عرفات فيرسلها لي كما هي وكأنه يقول لي إمضِ كما تعمل ولا تهتم”.
ويردف بلال الحسن: “إنتشرت شائعات أن إسم “اليوم السابع” اختاره محمود درويش وهذا ليس صحيحاً. اختار الإسم الصافي سعيد. كنت أناقش التسمية مع صحافيين كثر في باريس وكان الصافي بينهم وهو الذي اقترح الإسم ووجدته مناسباً”.
ويُضيف: “في أواخر العام 1990 اتصل بي مسؤول المالية في المنظمة أبو علاء وقال لي نُريد تخفيض ميزانية المجلة للنصف. قلت له هذا يعني أنكم تريدون إقفالها. نحن نُصدر المجلة بميزانية متقشفة فما بالك إذا ما نزلت إلى النصف. ذهبت إلى تونس لبحث الأمر مع أبي عمار فقال لي أنا لا أريد ايقافها وإنما نقلها إلى تونس. لم يكن جوابه مقنعاً، ذلك أن شروط النشر في تونس ليست كشروط النشر في باريس، ناهيك عن أن فريق العمل كان مستقراً في العاصمة الفرنسية لذلك فهمت منه أنه يريد إقفالها”.
ويستدرك: “قيل لي إن الرجل الثاني في المنظمة “أبو مازن” يقف ضد إصدارها. اتصلت به بعد وقت طويل وسألته عن السبب فقال لي أنا لست ضد المجلة ولكن “أخو.. ش” قرّر يعمل مجلة من دون أن يقول لأحد وقرر أن يصرف عليها نصف الموازنة. هذا ما كنت ضده”.
ويتابع بلال: “تقديري الشخصي أن عرفات كان على خلاف مع أخي خالد وأخي هاني وربما كان يتساءل عما سيكون موقفي وموقف المجلة لو اتسع الخلاف”.
يشرح أكثر: “كانت ميزانية “اليوم السابع” تُقدّر بأقل من أربعة ملايين دولار بقليل. أثناء عملية الإقفال اتصل ممثلون عن السلطات الفرنسية وشجّعوني على عدم اقفالها. قالوا لي إن كانت لديكم مشاكل فنحن على استعداد لحلها. لكنني رفضت كما رفضت عرضاً لشراء المجلة من طرف ليبيا والعراق. جاءني مبعوثون من عدة بلدان قلت لهم أنا لا أبيع مجلة منظمة التحرير. وجرت محاولة للتفاوض مع السعوديين لكن المفاوضات فشلت”.
ويختم بلال قائلاً: “آخر رقم توزيع للمجلة في “العالم العربي” بلغ 24 ألف عدد. السوق الأكبر لـ“اليوم السابع” كان في العراق والجزائر واليمن والمغرب الأقصى ودول الخليج. في الشهور الأولى لصدور المجلة تلقيت اتصالات تهنئة على ملف المقاومة في جنوب لبنان من غسان تويني الذي قال لي “بمثل هذه المواضيع تتأسس الصحف”. وقال لي محمد حسنين هيكل بتواضع: لقد تعلمت أشياء كثيرة من هذا الملف”.
اللقاء السادس والأخير
تباعدت فترات اللقاء المباشر بيننا لكن الاتصالات الهاتفية لم تنقطع. كان بلال الحسن يذهب أحياناً إلى الرباط لشهر أو شهرين أو أكثر وقد اجتمعت حوله هناك صحبة من المفكرين والصحافيين. وكعادته يُحوّل اللقاءات إلى مناسبة للحديث عن فلسطين التي تحتل مركز القلب في فكره.
قبل أقل من خمس سنوات ـ وما عدت أذكر التاريخ بدقة ـ اتصلتُ به فردّت زوجته الصديقة هانيا وأخبرتني أنه تعرض لوعكة صحية جدية فزرته في أول فرصة وبدا لي أن اصابته شديدة لكنه لم يفقد وعيه. في اتصال آخر قالت لي هانيا إنه وقع أرضاً وما عاد قادراً على المشي مستقلاً وأن أسرته عيّنت له شاباً مرافقاً لأوقات خروجه إلى المقهى عبر الكرسي النقّال.
زرته مراراً مع الصديق نضال حمادة وأحياناً مع الصديق فتحي بلحاج. كنا نلتقي في مقهى “لوتيثيا” في ساحة شارل ميشال في دائرة باريس 15 القريبة من بيته ونتبادل التحليلات والآراء حول القضية الفلسطينية. مع تباعد في اللقاءات يمتد شهوراً وتتخلله اتصالات هاتفية لمتابعة أخباره.
اللقاء الأخير تم قبل شهور قليلة في المقهى نفسه. كانت حالته الصحية قد تدهورت. استمر اللقاء حوالي الساعة كان خلاله مستمعاً إلا أنه انتفض عندما أخبرته جانباً من التطورات في غزة وكانت إشاعة قد انتشرت حول عملية للمقاومة في عكا. هنا استعاد ما قُدّر له من الوعي وطلب المزيد من التفاصيل عما جرى. لم أره من بعد إلى أن قرات خبر وفاته في منصة “فيس بوك”.
وداعاً بلال الحسن. لن أستغرب إن قيل لي إن كلمة فلسطين هي آخر ما نطقت به قبل مغادرة هذا العالم البشع.
(*) تنشر بالتزامن مع “رأي اليوم“