المغرب: غضب جيل “Z”.. اخماد زلزال أم تثويره؟

ما يزال كثيرون أسرى سرديات قديمة في التعامل مع الجيل الجديد أو ما يسمى "Gen Z". هو جيل متصل بمحيطات معرفية تتدفق بغزارة. صار جيلاً رقمياً عالمياً.. أفكاره كثيرة وقضاياه قليلة، لكن من غير السهل أن يقتنع بخطاب كيفما كان..

اسمحوا أن أقدّم لكم نفسي. اسمي آدم.. آدم المغربي، من مواليد الدار البيضاء سنة 2001. لستُ مجرد رقم في سجل الأحوال المدنية، بل حصيلة صراع جيل كامل. حاصل على شهادة عليا في تسيير المقاولات، لكنني عاطل. أعيش مع أسرتي: والدي وأمي وثلاث أخوات في شقة مكتظة، وأحمل كل ثقل هذا الواقع.

أعتبر نفسي من حركة “Z”، ليس بالهوى، بل بقوة الوعي والواقع والانتماء. لم أكتفِ بالصراخ خلف شاشة الهاتف؛ بل شاركتُ في تظاهرات الحركة بـساحة مارشال، وبشارع أنوال بدرب غلف، وفي حي البرنوصي.. تلك كانت طقوس التحرر الخاصة بي. لم أخبر أبي، لأن أمي هي من اقترحت عليّ ألا أخبره، بالرغم من كونه يسارياً غير متحزب.

انتظرتُ طويلاً خطاب الملك، كنت أحلم، لكن الخطاب تجاهل حركتنا ومطالبها. تابعتُه على التلفزيون مع الأسرة، وأبديتُ غضباً شديداً. لكن والدي نهرني، قائلاً:

– كيف تريدون تحقيق كل تلك المطالب العالية بتظاهرة وتدوينة؟ تلك مطالب لم يثبت في التاريخ أنها تحققت بالتمني.. هذه المطالب تحققها الثورات لا المظاهرات.. إنكم تلعبون في الظل..

عاكسته أمي، هي التي رأت فيّ الأمل ولم ترَ فيّ الفوضى، وقالت:

– إني أراك يا رجل وكأنك تُحرّض ابنك على التطرف..

لكن والدي لم يهتم لكلماتها، بل تابع وألقى فينا بيتا من الشعر، من قصيدة قديمة تغنيها أم كلثوم في إحدى أغانيها الطويلة (وكل أغاني أم كلثوم طويلة):

– وما نيل المطالب بالتمني لكن تؤخذ الدنيا غلابا.

انتهت الجلسة العائلية بغضب محتجز، يحمل مرارة الماضي ويأس المستقبل. كل منا أخذ غضبه وذهب لينام.

***

في تلك الليلة لم أنم إلا عند اقتراب ساعة الفجر، بقيت أفكر في الظلام. قلت في سري: كان على الملك، أو على من يصوغون خطاباته، أن يصرحوا على الأقل لطمأنتنا بأن رسالة الشباب ومطالبهم قد وصلت. كان يجب عليهم أن يطالبوا الجميع بالتعبئة لتدارك الموقف بنفس الجدية التي بُذلت لإنجاز الملاعب والتجهيزات الرياضية.

لو ذُكرت كلمة واحدة في هذا الباب من أعلى سلطة في البلاد، كانت ستزرع الأمل في النفوس وتخفف من الاحتقان. لكانت نبّهت السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى مسؤولياتهما وإلى ما وصلت إليه البلاد من تردٍّ. جميل أن تحتضن البلاد تظاهرات رياضية كبرى، لكن كان أجمل لو صاحب ذلك إنجازات حقيقية في التعليم والرعاية الصحة ومحاربة الفساد والعدالة الاجتماعية.

***

أحسستُ – والكلام لآدم – بمدى اتساع الهوة بين جيلنا ومن يحكمون البلاد ويسيطرون على خيراتها. تلك الهوة ليست مجرد اختلاف في الرأي، بل هي انفصال في الواقع والوعي.

ضحكت كثيراً عندما حكى لي صديقي (ج.) أن خطبة الجمعة السابقة خُصصت من قِبل وزارة الأوقاف لـنهي الشباب عن الاستغراق في مواقع الشبكة العنكبوتية لأنها تُنسيهم ذكر الله. أضحكتني النكتة، فهي تجمع بين السخرية والجنون. لكني الآن، بعد صمت الخطاب، صرتُ على طريق التأكد أنها لم تكن نكتة ساخرة؛ بل سياسة رسمية للتعامل مع الوعي الرقمي.

لكن الذي يدل على حجم التخلف والتقهقر المريع أكثر، هو هذا الحجم الهائل الذي نزل علينا فجأة من كثيرين من مدّعي التحليل السياسي. الخطاب كان قصيراً على أي حال، لكن قيل فيه، وفي وقت وجيز، ما لو تم تجميعه لشكَّل مجلدات. كلمات الخطاب واضحة ومفهومة، لكن “المحللين” تعاملوا معها كما لو كانت خطاباً بالهيروغليفية واحتاجت لمن يفك طلاسمها!

لو يدرون حقيقة أين هي الطلاسم الحقيقية، لصمتوا. الطلاسم الحقيقية ليست في كلمات الخطاب، بل في هذا الجوع الذي لا يترجم في نشرات الأخبار، في تلك الشهادات العليا التي لا تجد لها وظيفة.. في هذه الحافة التي نعيش عليها نحن جيل “Z”.

هم يحللون النص ليُبقوا على امتيازاتهم، ونحن نقرأه لنتأكد من حجم الإهمال. هذه هي الطلاسم الوحيدة التي تهمنا.

إننا حقاً أمام ما يصفونه بـالمضحك المبكي، أو ما تعبّر عنه والدتي بالدارجة الساحرة: “كثرة الهم كتضحك”.

شوفوا ما كتبه أحد المشتغلين اليوم بما يسمى “فن التشخيص”. لقد نشر تدوينة مطولة أشاد فيها بالخطاب، وبروح الخطاب، وبلغة الخطاب، وبقوة الخطاب. ولكم أن تكملوا على هذا المنوال إلى أن يطلع الصبح.

قال.. ثم ماذا؟

قال لك يا سيدي علينا أن نفهم لغة “الصمت البليغ للخطاب”! الصمت صار بلاغة! كأن مشاكلنا تحتاج إلى فكاهة رديئة.

عندما أخبرني والدي بأن هذا الممثل كان يسارياً متطرفاً في شبابه، وأنه من ضحايا ما يسمى “سنوات الرصاص”، أحسستُ بمغص في بطني وصداع في رأسي. كيف يتحول الشاب الذي قاوم بالأمس، إلى بوق مترهل لتمجيد “الصمت البليغ” اليوم؟

إقرأ على موقع 180  غيفارا في المغرب.. إجهاض خطة أميركية لأسره

ما هذا التحوّل المرعب الذي يُفقدك الثقة في كل السرديات القديمة.

الأمر لم يتوقف هنا. عندما أخبرنا الشخص نفسه مشيداً بأن الآية الختامية للخطاب مقتطفة من “سورة الزلزلة”. توقفتُ عن وصف بعض المسؤولين وكبار الفاسدين ورعاة الأحزاب والنقابات المتواطئة.. بأوصاف الحيوانات.. والله من العيب نعتهم بالحمير أو الكلاب والثعالب أو الذئاب! إنها إهانة للكلاب والذئاب والثعالب وللحمير، لأن الحيوانات، علمياً، تملك شعور الإحساس بالزلازل قبل وقوعها.

أما هؤلاء غير الموصوفين، فإنهم هم من سيجلبون الزلزال.. غير أن مهمتي كشاب من جيل “زد”، هي ألا أساعد الزلزال.

هناك كتاب شعر مغربي في مكتبة الوالد عنوانه: “أبداً لن أساعد الزلزال”.

هذه هي مهمتنا نحن شباب “زد”: أن نعمل على تفكيك أسباب الزلزال، لا أن نكون وقوده.

Print Friendly, PDF & Email
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  صفحات مع بلعيد وخمالي وبن جعفر.. بالدار البيضاء