ما هي الأسباب الحقيقية لإستقالة الحكومة الكويتية؟
جاءت استقالة الحكومة الكويتية في خضم أزمة سياسية محتدمة تعيشها الكويت وتتمثل في: التذمر الشعبي الواسع تجاه الفساد؛ الفشل الحكومي في إدارة شؤون الدولة؛ عدم انسجام التشكيلة الوزراية مع نفسها ولا مع مجلس الأمة (البرلمان)، بالإضافة إلى تداعيات الاستجوابات النيابية الأخيرة وطلب طرح الثقة في وزير الداخلية خالد الصباح.
كما جاءت الإستقالة إثر اتهامات بإهدار المال العام، وبسبب خلافات لم تعد خافية على أحد في الكويت بين النائب الأول لرئيس الوزراء وزير الدفاع الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح (نجل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد) وبين رئيس الحكومة المستقيل الشيخ جابر المبارك الصباح ووزير الداخلية الشيخ خالد الجرَّاح الصباح.
وكان آلاف الكويتيين قد تظاهروا، يوم 6 نوفمبر/ تشرين الثاني، احتجاجاً على ما قالوا أنه فساد داخل المؤسستين التشريعية والتنفيذية. وطالبوا بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، مستجيبين بذلك لدعوة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أطلقها النائب السابق صالح الملا للتظاهر وحملت شعار “بس مصخت” (كفى.. طفح الكيل).
“يا جابر إلحق ناصر”، و”إرحل .. إرحل يا مرزوق”.. كانت من أبرز الشعارات التي هتف بها المتظاهرون في ساحة “الإرادة” المقابلة للبرلمان الكويتي.
الهتاف الأول كان المقصود به مطالبة رئيس الحكومة بالاستقالة على غرار ما فعل سلفه الشيخ ناصر المحمد الذي قدم استقالته بضغط من حراك جماهيري خلال العامين 2011 – 2012.
أما الهتاف الثاني، فكان ضد رئيس البرلمان مرزوق الغانم. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ الكويت، أي منذ نشأة الدستور والحياة الديموقراطية، يحصل إحتجاج شعبي ضد ممثلي الأمة، وضد رئيس مجلس الأمة (البرلمان) شخصياً.
وشهدت الكويت أزمات سياسية متكررة نجمت عن مثل هذه التظاهرات. كما شهدت خلال السنوات الماضية العديد من الاستقالات والتغييرات الحكومية.
وإن كان الهتاف الأول قد وجد صداه باستقالة حكومة الشيخ جابر المبارك، غير أن هذه الاستقالة صبت في صالح رئيس البرلمان مرزوق الغانم وأعادت تحسين صورته وصورة مجلس الأمة. فـ”حكومة الفساد” طارت، والمجلس النيابي ليس المتنفذ. والنواب وإن كانوا يتنفعون من السلطة التنفيذية إلا أنهم هم من أطاحوا بوزراء يتولون حقائب سيادية.
وما يؤكد هذه الصورة ما قاله مرزوق الغانم للصحافيين عقب استقالة الحكومة بأن “مجموعة كبيرة من النواب ترى أن المشكلة تكمن في الفريق الحكومي وعدم تجانسه”. وأضاف “حتى يستمر المركب يجب أن يكون هناك فريق حكومي متجانس. وقد نقلت ذلك إلى القيادة السياسية (الأمير)، وإلى رئيس مجلس الوزراء”.
وأضاف الغانم أن لا نيّة لحل مجلس الأمّة ولكن لإعادة ترتيب الفريق الحكومي، مشدداً على أن “حل المجلس حق دستوري لأمير البلاد”.
وكان الناطق الرسمي باسم الحكومة، طارق المزرم، أعلن في وقت سابق أن الحكومة تقدمت باستقالتها إلى أمير البلاد “ليتسنى إعادة ترتيب العمل الوزاري”.
ماذا حدث في الساعات الأخيرة؟
في خطاب الاستقالة، ربط الشيخ جابر المبارك استقالة حكومته بـ”الأحداث المتسارعة وما تمر به منطقتنا وما يتطلبه الأمر من ضرورة إعادة ترتيب العمل الوزاري تقديراً لحاجات البلاد وتطلعاتها في هذه الفترة الهامة”.
تشكيل حكومة متجانسة يخرج منها ناصر الصباح وخالد الجرّاح هو سيناريو بعيد المنال
ولكن من يتابع الشأن الكويتي يعلم أن حكومة جابر المبارك، التي ولدت في كانون الأول/ديسمبر 2017، كانت تقع تحت ضغوطات سياسية ونيابية، آخرها الاستجوابان اللذان قُدما الثلاثاء الماضي ضد كل من وزيرة الأشغال العامة ووزيرة الدولة لشؤون الإسكان جنان بوشهري (تسبب باستقالتها)، ووزير الداخلية (الجرَّاح) الذي أعلن 22 نائباً من أصل 50 نائباً رغبتهم بطرح الثقة فيه وإبعاده عن المشهد السياسي.
وقبل ذلك استقال وزير المالية نايف الحجرف، بسبب اتهامات بهدر المال العام، وذلك بعدما تقدّم نائب إسلامي بطلب استجواب ضده يتعلق بمخالفة مرتبطة بأحكام الشريعة الإسلامية.
تطالب القوى السياسية بحكومة إصلاحية تنهض بالدولة وتحقق العدالة الاجتماعية
إلى هنا، ربما لم تكن الحكومة بوارد الاستقالة لو لم يفجر النائب الأول لرئيس الحكومة وزير الدفاع الشيخ ناصر صباح الأحمد “قنبلته” ويقدم بلاغاً إلى النائب العام بشأن عدة مخالفات في تعاملات صندوق الجيش والحسابات ذات الصلة به، قائلاً إن لجنة التحقيق التي شكلها توصلت إلى تورط أطراف مسؤولة عن هذه المخالفات (حوالي 250 مليون دينار كويتي أو 800 مليون دولار أميركي)، في مقدمتها الجرَّاح الذي حدثت التجاوزات المالية في إبان توليه حقيبة وزارة الدفاع سابقاً.
وتحمل هذه “القنبلة” دلالة على الخلافات السياسية الحادة بين الشيخين (ناصر والجرَّاح). فالمعلوم أن الشيخ جابر المبارك الصباح لطالما أبدى استعداده لمعالجة ملفات الفساد وقضايا المخالفات، ولطالما صرح بأنه طلب من الوزراء جعل محاربة الفساد أولوية إلا أن ذلك لم يحل دون حصول خلاف مع نائبه.
وتعيد مصادر مطلعة هذا الخلاف إلى تناقض أسلوب كل طرف في معالجة الأمور، بالإضافة إلى مواقف نواب تجاه مشروع تطوير المنطقة الشمالية (مدينة الحرير) في الكويت، الذي يُعد الشيخ ناصر عرّابه، وهو مشروع ضخم ويتطلب إعداد قانون يجب أن يمرّ في البرلمان.
ولطالما اشتكى الشيخ ناصر من وجود تدخلات سياسية تستهدف إحباط المشروع، برغم تأكيد رئيس الحكومة تأييده الكامل للمشاريع الاقتصادية والإنمائية التي يقدمها الشيخ ناصر.
3 سيناريوهات
الثابت أن أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد سيبدأ بعد غد الأحد مشاورات بروتوكولية (بحسب ما ينص عليه الدستور) بلقاءات مع رؤساء مجالس الأمة (البرلمان) السابقين والحالي مرزوق الغانم لمناقشة تشكيل حكومة جديدة، ليبدأ بعد ذلك بمشاورات التكليف واختيار رئيس للحكومة الجديدة تستمر لحين بدء الفصل التشريعي الجديد بعد سنة من الآن.
إعادة تكليف المبارك، يعني العودة إلى المربع صفر، والمزيد من التأزيم والمواجهات لا سيما وأن جابر مهدد ايضا بالإستجواب
ويعتقد مراقبون للشأن الكويتي أن هناك 3 سيناريوهات لتشكيل الحكومة المرتقبة:
- إعادة تكليف المبارك، ما يعني العودة إلى المربع صفر، والمزيد من التأزيم والمواجهات لا سيما وأن جابر مهدد ايضا بالإستجواب.
- إعادة تكليف المبارك وتشكيل حكومة مناصفة بينه والشيخ ناصر، حيث يصر الأخير على اختيار بعض الوزراء الجدد ليضمن تمرير رؤاه وأفكاره الاقتصادية على أن يتم استبعاد وزير الداخلية (خالد الجرّاح).
- إحداث تغيير جذري، وتشكيل حكومة متجانسة، وهذا يعني في المدى المنظور إعادة تكليف جابر المبارك ترؤس حكومة جديدة قد يخرج منها الشيخان ناصر الصباح وخالد الجراح.
ويرى مراقبون أن السيناريو الثالث “بعيد المنال” بسبب طبيعة النظام الذي قد يقبل بإصلاحات جزئية وبحدود معينة فقط.
وبالرغم من تمتّع الكويت بحياة سياسية نشطة إلى حد ما، تختلف عن الدول الخليجية النفطية الأخرى. وبالرغم من أن الكويتيين يسعون – بجهد – من أجل التغيير، خصوصاً منذ العام 2011، غير أن النظام السياسي في الكويت لا يزال من دون تغيير يُذكر.
وإذا لم يبدأ التغيير من قبل الدولة، فان التظاهرات ستستمر لدفع الحكومة باتجاه تطوير العملية السياسية وترشيدها، ما يتيح المزيد من الحريات.
وتطالب القوى السياسية المدنية في الكويت واتحاد العمال بتشكيل حكومة جديدة ذات نهج إصلاحي تعمل على النهوض بالدولة في جميع المجالات وفق خطط وبرامج تنموية شاملة وتكافح الفساد وانعدام الشفافية الاقتصادية، وتحقق العدالة الاجتماعية وتحل القضايا الوطنية، مثل الصحة والتعليم والإسكان والبطالة والمقيمين بصورة غير قانونية (فئة البدون). بالإضافة إلى إقرار قانون انتخابات يعالج الاختلالات الخطيرة التي نشأت عن مرسوم قانون الصوت الواحد المجزوء.
يقول الأمين العام للحركة التقدمية الكويتية أحمد الديين “هناك حالة احتقان شعبي قابلة للتحول سريعاً إلى التهاب”
من الواضح أن شكل الحكومة الجديدة سيحدد الجو العام في البلاد. “الصدامية” قد تؤدي إلى حل البرلمان. كما ستعني عودة الاحتجاجات إلى الشارع، لاىسيما وأن حملة “بس مصخت” (كفى) لم تنته بل يجري الإعداد لإستكمالها الأسبوع المقبل. وهذه المرة لن تكون “صامتة” مثل المرة الماضية، بل سيكون فيها خطباء ومتحدثون ونقل إعلامي مباشر وستشارك فيها الجهات السياسية كافة.
يقول الأمين العام للحركة التقدمية الكويتية أحمد الديين “هناك حالة احتقان شعبي قابلة للتحول سريعاً إلى التهاب.. يبقى السؤالان المطروحان كيف قرأت السلطة “بس مصخت”، وكيف ستتعامل معه ومع الحراك المقبل؟”.