ولد أحمد قايد صالح في 13 كانون الثاني/يناير عام 1940 في ولاية باتنة في الشرق الجزائري. عاشَ طفولة تعيسة مثل كل الأطفال الجزائريين إبّان الاحتلال الفرنسي (1832-1962). وفي سنّ السابعة عشر، انضمّ إلى صفوف الحركة الوطنيّة الجزائريّة التي انبثقت عنها جبهة التحرير الوطني بوصفها جناحاً راديكالياً يدعو إلى خيار الثورة التي انطلقت رسمياً في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر عام 1954، بعدما كانت الحركة الوطنيّة متخوّفةً، وظلت تدعو إلى الحذر مخافة حدوث أيّة مجازر أخرى، بُعيد المجازر التي نفذتها قوّات الاحتلال الفرنسي ضد الجزائريين المطالبين بتنفيذ وعدها بمنح الاستقلال لهم بعد مشاركتهم مع الحلفاء في الحرب العالميّة الثانيّة، والتي عُرفت بـ مجازر 8 أيار/مايو وراح ضحيّتها 70 ألف شهيد في ما تقوله بعض الإحصائيّات، وهو التبرير الذي ساقهُ العقيد الطاهر زبيري في مذكراته الموسومة بـ “نصف قرنٍ من الكفاح: مذكرات قائد أركان جزائري”، في الصفحة الثامنة وما بعدها، والصادر عن دار الشروق للإعلام والنشر.
عُيِّن القايد صالح منذ آب/أغسطس عام 1957، قائداً في الفيالق 21 و29 و39 لجيش التحرير الوطني. بُعيد الاستقلال 1962، أجرى دورة تكوينية في الجزائر على امتداد عامين، ثم في الاتحاد السوفياتي سابقاً لمدة سنتين أخريين من 1969 إلى 1971، حيث حصل على شهادة عسكريّة من أكاديميّة فيستريل. كما شارك عام 1968 في حرب الاستنزاف في مصر.
ويمكننا إيجاز تدرّجه في المناصب على النحو التالي قبل أنّ نتوقف عند أهمها قاطبةً: قائد كتيبة مدفعية، قائد لواء، قائد للقطاع العملياتي الأوسط في برج لطفي – الناحية العسكرية الثالثة، قائد لمدرسة تكوين ضباط الاحتياط في ولاية البليدة – الناحية العسكرية الأولى، قائد القطاع العملياتي الجنوبي لولاية تندوف – الناحية العسكرية الثالثة، نائب قائد الناحية العسكرية الخامسة، قائد الناحية العسكرية الثالثة، ثم قائد الناحية العسكرية الثانية.
بين عامي 1993 و2004 كان قائداً للقوات البريّة، التي تم تأسيسها رسمياَ سنة 1954، ويُقدر عديد أفرادها بحسب ما هو مصرّحٌ به نحو 107.000 فرد، وباحتياط يقدر بـ 220.000 فرد، لتعدّ بذلك أكبر فروع القوات المسلحة الجزائرية، مع الإشارة إلى أنه لم تكن لهذه القوات أية علاقة مباشرةٍ بالحكم الذي كانت تهندسه قيادة الأركان، وإنّما لها جانب تقني جداً.
وبين عامي 2004 و2014 كان قائد أركان الجيش التابعة لوزارة الدفاع الوطني، ثم عُيّن نائباً للوزير المنتدب لدى وزارة الدفاع الجزائريّة عبد المالك قنايزيّة (1936-2019)، ورُقي عام 2006 إلى رتبة فريق وتولّى رئاسة أركان الجيش الجزائري، ليصبح بذلك أول قائد أركان جزائريّ لم ينتظم في التجنيد الفرنسي.
قيل أنّ الأركان تحت قيادة أحمد قايد صالح كانت صفّاً ثانياً بعد المخابرات وهو أمر لم يعجبه البتة
خلال هذه الفترة، تمّ فكّ الارتباط بين الأركان والمخابرات الجزائريّة تماماً، ونشأ نوعٌ من الصراع الخفيّ، وقيل أنّ الأركان تحت قيادة أحمد قايد صالح كانت صفّاً ثانياً بعد المخابرات، الأمر الذي لم يعجبه البتة، ولذلك كيّف بعض المشككين انقلاب قايد صالح على مسؤولي المخابرات بالانتقام منهم لأنّهم حيّدوهُ عن المشهد السياسي.
والحال أنّ كلا الاعتبارين خدما القايد صالح، كون المخابرات الجزائريّة أثبتت من خلال ما تلا حراك 22 شباط/فبراير أنّها طرفٌ أصيل في معادلة الفساد، والأكثر تمسّكاً بالأوليغارشيّة التي ثار عليها الشعب الجزائري.
قام قايد صالح بإجراء تغييرات حسّاسة في المناصب ذات الخصوصيّة في المؤسسة العسكرية شملت قادة النواحي وقادة القوات البرية والجوية، الأمر الذي طرح أسئلة عدّة من قِبل المؤيدين لخطه والمعارضين، إذ ما يعتبرهُ المؤيدون تطهيراً للبؤر الفاسدة، اعتبرهُ المعارضون شكلاً من الإفتئات بالسلطة والاستئثار بها عن طريق تعيين مقرّبين، يثق القايد صالح في ولائهم له. ولم يُقدّم الطرفان أيّ دليل حقيقي، ما خلا توقّعات وتخمينات، غير أنّ السياق القضائي الذي يجري إن استمر على ذات الشاكلة وبنفس الأحكام الثقيلة، قد يرجّح طرح المؤيدين بقوّة.
وإلى أن يُحسم هذا الجدل، يبقى المهم أن نشير إلى أن الجزائريين تعرّفوا إلى قايد صالح عن كثب، بعد إعلانه، باعتباره قائداً لأركان الجيش، منصب الرئيس شاغراً ما يعني تفعيل المادة 102، وهو كان إقراراً نهائياً بأنّ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عاجزاً عن أداء مهامه في آذار/مارس الماضي.
وعُرف عن قايد صالح الذي فارق الحياة إثر أزمة قلبية في بيته في عين النعجة في العاصمة الجزائريّة بعد عشرين يوماً من وفاة شقيقه أحمد قايد عبد المجيد، بكراهيته المُصرّح بها لفرنسا، وربطه للسياسة الفرنسيّة الحالية في أفريقيا بالسياسة وثيقة الصلة بماضيّها الاستعماري، كما عُرف بصلابته وشدّته في تنفيذ الأوامر، وعدم تسامحه مع أيّ تقصير، كونهُ عاش معظم حياته عسكرياً، ابتداءً من سنِ السابعة عشر وصولاً إلى عمر الوفاة، لم يخرج فيها من مناخات الثكنة التي لا تفترض أيّة نقاشاتٍ متباينة.
ما سبق، جعل الكثيرين يشكّكون في مدى نجاح التجربة الديمقراطيّة في الجزائر من دون تصوّرٍ لدورٍ قوي وثابتٍ للجيش، خاصةً أنّ العبور الذي حدث من فترة بوتفليقة مروراً بفترة رئيس الدولة عبد القادر بن صالح وصولاً إلى عبد المجيد تبون رئيساً منتخباً وسط جدلٍ حول نسب المقاطعة والمشاركة من دون أيّ حديثٍ عن أي تزوير بين كل الجهات سواءً كانت مؤيدة أو معارضة، قد طرح العديد من علامات الاستفهام حول نوعيّة الدور الذي يضطلع به قائد الأركان في الفترة المقبلة.
وما عزز التكهنات هو أنّ قائد الأركان توارى عن الأنظار تماماً بُعيد حضوره ونيله قلادة الشرف في حفل اليمين الدستوريّة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
وما إنْ أعلن خبر وفاته بأزمة قلبيّة، حتى اتّحد الجزائريون حول أهمية مكانة هذا الرجل في الخريطة السياسيّة الحالية، وشدّد الجميع على أنّه لم يأمر بإطلاق أيّة رصاصة تجاه المتظاهرينٍ، بلّ إنّه منع حتى إطلاق النار في الهواء، معزّزاً بذلك مكانة الجيش الأثيرة لدى الشعب الجزائري، واعتباره حصناً وطنياً، لم يتضافر النقد حوله، وإنّما انصرف بعضهُ إلى قائده من قِبل بعض الجهات المعارضة، التي وللحقّ لم تشمت في موته، بلّ ذكرت بخياره السلمي، برغم استطاعتهِ اللجوء إلى العنف، لا سيما أنّنا نعيش في زمن الانقلابات المبرّرة بقوّة الاعتراف الدولي بشريعة الأمر الواقع، أكثر من أي اتّكاءٍ على سندات قانونيّة داخليّة في بعض الدول.
يثني الجزائريون على تمسك قايد صالح بالخيار السلمي تجاه الحراك، برغم استطاعتهِ اللجوء إلى العنف
الثابت الأصيل من كل هذا، أنّنا شهدنا نهاية رجلٍ مثيرٍ للجدل، لم تعرف الجزائر مثل هذا الجدل حوله، إلا إذا تعلّق الأمر بالرئيس الجزائري السابق هواري بومدين الذي لا يزال يهرق الحبر برغم رحيله قبل أربعين عاماً.
وفور إعلان وفاة قائد الأركان، عيّن رئيس الجمهوريّة اللواء سعيد شنقريحة مكانه، وهو عسكري تكوّن ما بين روسيا والجزائر، وعرفت عنهُ الشدّة في مكافحة الإرهاب في سنوات التسعينيات، وقضى سنوات خدمته في الناحيتين العسكريتين الغربيّة والجنوبيّة الغربيّة في ولايات سيدي بلعباس وبشار وتيندوف ووهران، وقد عاش جلّ عمره قائداً ميدانياً من قائد كتيبة، ثم قائد لواء، فقائد فرقة، وقائد جمهرة (فرقة النخبة الخاصة).
وينحدر قائد الأركان سعيد شنقريحة (76 سنة) من القنطرة في ولاية بسكرة جنوب شرق الجزائر، وقد شارك في حربيّ 1967 و1973 على الجبهة المصريّة، وتمّت ترقيته إلى رتبة لواء سنة 2003، وبقي كذلك لغاية نهاية عام 2018 حيث عُيّن جنرال ماجور، ثم رقي عام 2018 إلى قائد القوات البريّة التي تشكل سبعين في المائة من قوات الجيش الجزائري، واعتكف في منصب قائد الناحية العسكرية الثالثة لولايتيّ (محافظة) بشار وتندوف، جنوب غربيّ الجزائر.