“في نيسان/أبريل 2019 أطلق خليفة حفتر هجومًا للاستيلاء على الغرب الليبي وصولًا إلى العاصمة طرابلس. حقق الهجوم بعض النجاح في المراحل الأولى بوجه قوات حكومة الوفاق الوطني ولكن دون الوصول إلى الأهداف المنشودة. ومع المراوحة الميدانية، تلقت قوات حفتر دعمًا إماراتيًا بشكل رئيسي ومساندة روسية على شكل قوات من المرتزقة والتسليح والتذخير والخبراء ولا سيما منذ شهر تموز/يوليو 2019. ساهمت هذه المساعدات في تزخيم هجمات قوات حفتر من دون أن تؤدي إلى إنجاز تقدم واسع، ولكن بدأت حكومة الوفاق تستشعر ضغوطًا ميدانية متصاعدة. ولذا بدأت تركيا تأخذ موقفًا مباشرًا في الصراع إلى جانب حكومة الوفاق[1] حيث بدأت في شهر كانون الأول/ديسمبر 2019 إرسال مقاتلين من المعارضة السورية إلى ليبيا وفي كانون الثاني/يناير 2020 اتخذ البرلمان التركي قرارًا بإرسال قوات تركية إلى ليبيا لدعم حكومة الوفاق.[2] عند هذه المرحلة أصبح الاشتباك الدولي – الإقليمي شديد الوضوح في الميدان الليبي ما خلط الأوراق في أكثر من ملف مثل الحرب في سوريا والصراع على الغاز في شرق المتوسط.
في شهر كانون الثاني/يناير 2020 جرت محاولة تركية – روسية لتثبيت هدنة بين الطرفين المتنازعين في ليبيا ولكنها لم تسفر عن نجاح جدي. وفي الشهر ذاته، انعقد مؤتمر برلين حول ليبيا وشارك فيه 11 دولة (وهم أعضاء مجلس الأمن الدائمون الخمسة، وتركيا ومصر والإمارات وجمهورية الكونغو وإيطاليا والجزائر) إضافة إلى الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية. وقد توصل المجتمعون إلى بيان تعهدوا فيه العمل على وقف التصعيد وعدم التدخل في الشؤون الداخلية الليبية والالتزام بحظر توريد السلاح إلى ليبيا، ولكن المؤتمر فشل في جمع كل من حفتر والسراج. وقد جرت المصادقة على بيان مؤتمر برلين في القرار رقم 2510 الصادر عن مجلس الأمن في 12 شباط/فبراير 2020 والذي نال موافقة 14 عضوًا وامتناع روسيا.
إلا أن هذه الجهود الدبلوماسية لم تمنع استمرار وصول المساعدات العسكرية لطرفي النزاع وتواصل أعمال العنف. إلى ذلك، واصل المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا غسان سلامة جهوده لتثبيت وقف إطلاق النار ومواصلة خطته حول المسارات الثلاثة الاقتصادي والعسكري والسياسي، التي أُقرّت في مؤتمر برلين لحل الأزمة الليبية بين أطراف النزاع. وفيما بدأ انعقاد جلسات للجان هذه المسارات في جنيف والقاهرة، سارت جهود سلامة ببطء بسبب استمرار القتال وغياب آلية واضحة لتطبيق قرار مجلس الأمن، ما دفعه إلى الاستقالة في نهاية المطاف.
نظرًا إلى أهمية ليبيا لأطراف النزاع لأسباب جيوسياسية (الصراع الإماراتي – التركي) وأخرى مرتبطة بالنفط الليبي، ومع استمرار تدفق الموارد الكثيف لأطراف الصراع وكثرة اللاعبين الخارجيين المنخرطين في الصراع، يبدو من الصعب جدًا أن تتحقق تسوية سياسية ناجزة في ليبيا خلال العام 2020. ويعوّل المحور السعودي – الإماراتي – المصري على توجيه ضربة قاسية للأتراك في ليبيا وخاصة مع محاصرة قوات حفتر للعاصمة طرابلس الغرب وهو ما من شأنه الضغط على النفوذ التركي في شمال أفريقيا وشرق المتوسط. كما أن موسكو متوثبة للعودة إلى ليبيا ولا ترى لها مصلحة بدور تركي هناك كما في سوريا. ولذلك ستسعى أنقرة إلى بذل أقصى الجهود بما فيها إرسال قوات كبيرة إلى طرابلس الغرب للحفاظ على مصالحها هناك. ولذلك من المرجح استمرار القتال في ليبيا خلال هذا العام مع تأرجح المسار الدبلوماسي وازدياد التدخلات الخارجية ما يعزز احتمالات انخراط القوى الخارجية بشكل أوضح في المعارك العسكرية فوق التراب الليبي”.
[1] يحمل التدخل التركي في ليبيا بعدين الأول إقليمي هدفه تثبيت مصالح تركيا في ليبيا ومنها الى إفريقيا حيث لها قواعد في الصومال وقاعدة تعمل على انشاءها في جزيرة سواكين في السودان. وعليه فهي كانت الداعم الرئيسي لحكومة الوفاق الوطني ورئيسها فايز السراج اذ يأتي هذا الدعم استكمالا لدعمها القوى الإسلامية في ليبيا مع شريكتها قطر وسط تنافس إقليمي ودولي وصراع عسكري وسياسي على السلطة منعاً لوقوع طرابلس في يد الجيش الوطني الليبي المدعوم من مصر والامارات والسعودية وروسيا ومن قبلها فرنسا. اما البعد الثاني، فهو يستند الى مسالة ترسيم كل من ليبيا وتركيا للحدود البحرية. ( من ورقة أعدتها هدى رزق)
[2] صرحت تركيا بأنها ستكتفي فقط بإرسال مستشارين عسكريين أو أعداد قليلة من القوات إلى ليبيا، مع تقديم دعم عسكري لوجيستي لحكومة الوفاق لتجنيبها الخسارة بالحد الأدنى. وفق المعطيات هي لا ترسل قوات كبيرة إلى ليبيا، بسبب التحديات القانونية والسياسية لمذكرة التفاهم بين الدولتين، والوضع الدولي لحكومة الوفاق، واعتراضات الدول، وتحديات تسجيل الاتفاقية في المحافل الدولية. لكن في الواقع يتم ارسال مسلحين خبراء في القتال حيث يبدو ان ليبيا اليوم تحتل الاهتمام الاول بالنسبة الى تركيا . لا سيما بعد ان طلبت حكومة السراج المساعدات العسكرية التي كانت ولا زالت تركيا ترسلها الى طرابلس للدفاع عن حكومة السراج. (من ورقة أعدتها هدى رزق)