ثُوار شمال لبنان للرئيس المكلف: ١٧ تشرين تُدفَن حيثُ وُلِدتْ!

يقول داعمو، نوّاف سلام، الرئيس المكلف تشكيل أولى حكومات عهد الرئيس العماد جوزاف عون، إنّه جاء من "رحم ١٧ تشرين"، أي من الحاضنة الشعبية التي طرحت شعارات الإصلاح السياسي واسقاط الطبقة الحاكمة وتحقيق العدالة الاجتماعية والإنماء المتوازن واللامركزية الإدارية الموسعة.

إذا عُدنا إلى ١٧ تشرين/أكتوبر 2019، لتذكرنا أن دينامية الحراك الشعبي جسّدها اللبنانيون عموماً، ولكن كان لها حضورها المميز شمالاً، وتمثل ذلك في نزول عشرات آلاف الشماليين إلى ساحات طرابلس والمنية والضنية وعكار، مطالبين باسقاط النظام السياسي تحت شعار “كلن يعني كلن” بما في ذلك زعيمهم الذي كان حينذاك رئيساً للحكومة، أي سعد الحريري. يومها خرج الشماليون من عباءتهم الطائفية ينتظرون بقية المكونات اللبنانية لملاقاتهم الى منتصف الطريق، لكن ذلك لم يحدث، فسقطت الحكومة بشخص رئيسها، ولم تسقط بقية الرموز، بل بدأت بعض قوى السلطة تتغلغل في الحراك مستخدمةً سلاحي السلطة والمال.

كانت اندفاعة الشماليين أكبر من نظرائهم في الوطن. إجبار الإدارات العامة على الإقفال؛ التظاهر أمام الدوائر الحكومية؛ نصب الخيم؛ قطع الطرقات والاعتصام الكبير في طرابلس. كان المناخ يشي بثورة حقيقية أكبر من الحراك الثوري في بقية المناطق اللبنانية. حراكٌ يُطالب بانهاء تهميش هذه المناطق. حراكٌ نزل فيه الناس الذين كانوا يعانون من ضائقة اقتصادية ومعيشية حتى قبل انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية. حراكٌ يُحرّكه الوعي الجمعي لدى الشماليين بأن المركز يُعامل الأطراف بفوقية وبوصفها مجرد خزان انتخابي فلا يتذكرونها إلا في المواسم الانتخابية.

لكن الأحداث الدراماتيكية التي عصفت بلبنان، مع أزمة كورونا، وانفجار مرفأ بيروت، وأزمة السلع المدعومة وغيرها، في موازاة إعادة تشكيل السلطة في لبنان من دون الالتفات إلى معاناة الشماليين، كُلها أدت إلى ازدياد منسوب الإحباط عند الناس الذين شعروا بأنّهم مغبونون، ولم يكن يعني لهؤلاء شيئاً تكليف هذا أو ذاك من أعضاء نادي رؤساء الحكومات لأن الناس تعتبر أن حكومتي ما بعد الحراك لا تمتان بصلة إلى انتفاضة ١٧ تشرين.

لكن الاحباط الأكبر جاء بعد تكليف نوّاف سلام، الذي أظهر منذ اللحظة الأولى نفساً “بكوياً” بقراره القاضي بحصر الوزارات بأبناء المدن والمركز. فالرئيس المكلف فتح الأبواب لإعطاء حصص للقوى السياسية التي أراد الناس اسقاطها في ١٧ تشرين، ثم يضنُّ بوزارة واحدة لمثلث عكار-المنية-الضنية دون أن يعطي سبباً واحداً لذلك. يسترضي كل المكونات اللبنانية، وعندما يصل الى الثقل السني في لبنان أي في الشمال، يقول بأنّه هوَ من يُمثلهم مع العلم أن الشماليين لا يعترفون بمن لم يزر يوماً مناطقهم النائية المحرومة.

كان مُنظّر الشيوعية الأول كارل ماركس يتوقع أن تحصل الثورة الاشتراكية في ألمانيا أو في بريطانيا الصناعية، لكن ما حدث أن ثورته حصلت في روسيا القيصرية الزراعية.

وبينما يرى نوّاف سلام – الذي قرأ ماركس جيداً وكان يسارياً لا بل فتحاوياً في ما مضى – أن مشكلة التمثيل في الحكومة يُمكن حلّها مع قوى وشخصيات “المركز”؛ هذه العقلية قد تؤدي إلى اسقاط حكومته تلك على يد الفلاحين من أبناء الأراضي الزراعية الشاسعة في سهول الشمال.

الفرصة لم تفت. حتماً يُمكن الاستدراك.. وإلا فإن الاحباط سيكون شرارة ثورة جديدة لن ترحم أحداً من “البكوات”.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  سعد الحريري.. ثقل الإرث الذي لا يحتمل
طارق مُبيض

أستاذ محاضر بالجامعة اللبنانية، كلية الحقوق والعلوم السياسية

Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  الانتخابات النيابية اللبنانية.. معركة تقطيع الوقت