نخشى الوباء الفيروسي. بِتنَا أرباع خبراء في الطب والوقاية والصحة.. فجأة تَدهَمُنا فيروسات من أنواع مختلفة. ويأتيك بالاخبار من لم تزود! أخبار فيروسات الجدول الثاني من يومياتك: البطالة، العمل، الأجور، القجة، التهام الأجنبي من العملات للوطني من النقد. التهام مُبَرمَج لما تبقّى من خطط وأحلام كانت قيد الدرس يوم كان لخططنا وأحلامنا بعض ثقة.
تتشابك الفيروسات وتختلط بعضها ببعض: مساحة من “التسجين الذاتي” يتمدد غموض مهلِهَا، ناهيك عن “تسجين” آخر يقارب الخطر تتمدد معه مساحات الرمادي وتدرُجَاتِها إلى الأسود، ما يجعلك تشطب من الذاكرة تلك الخطط والخطوط التي كانت قيد الدرس. الأسود المتفشي من زوايا عميقة، مجهولة، متدفقة الصفعات على وجوهنا برغم قرار كورونا بعدم اللمس. تأتيك من أبواب مغلقة على الكره، من غرف تُجيد أولوياتها، وتوسِعَة رُقَع مخالبها، و”تجقير” بؤبؤ عينيها ناحية لقمة عيش لعرق جبين، ناحية شهقة مريض على تخوم حبة دواء مستعصية، صوب أجيال من أعمار مهدورة الترسيم لسني قفزاتها، لسنوات نضوجها، لمرافئ شطآن مستقبلها. غرف تأبى تعقيم فيروساتها المزمنة بأمراض النهب المُنَظَّم والمُنتَظِم، والمُتَطلِّع إلى زمن من دهور تفعّيل الجهل.
يستفيق الصباح على ضجيج اللغو، واجترار الحرص على.. وعلى.. وعلى.. وتَتَعَارك الألسُن على المزيد من إنقاذ ووعود، وإنقاذ ووعود. تَهيمُ الخنفساء في “كبكوبة” نسيج الأحرف والكلمات، ومثلها نقاط متبعثرة تخترع ضجيجها بأعلى وأدنى فورات التذمُّر، وضجيج مضاد يُتقن اللهو بثبات مَكّرِهِ.
يتبع الصباح حلول المساء، هبوط الليل بحلكَتِهِ الصَقيعّية. تضيع الأرقام في حفر الأرقام. “تَنمحَّى” الوعود في غياهب الوعود.. يستفيق صباح آخر على فيروسات مُتجلّدة في عنابر الغرف العصيّة على التعقيم، الممتدة الحواجز الأخطبوطية والتي تبرع بصيد حتى الهواء.
تهدأ النفوس على صباحات أيام تجهل مُهلها الآتية. تتوالى الوعود من أكثر من مصدر وجهة وتقنية بلاغة وسجع ونحوٍ وصرف.. صرف لا يختلف عن صروف الدهر.
نخشى الوباء الطارئ، ونرتجف من الوباءات الملتصقة واللاصقة. كلاهما ممنوع لمسه!