حكومة نتنياهو – غانتس: “هيدرا” إغريقية برؤوس كثيرة

Avatar18027/05/2020
لسنوات طويلة، ظل مارتن انديك منخرطاً بشكل مباشر في جهود التسوية في الشرق الأوسط، بحكم شغله منصب السفير الأميركي لدى إسرائيل لفترتين الأولى بين العامين 1995 و1997، والثانية بين العامين 2000 و2001، قبل أن يعيّنه الرئيس باراك أوباما مبعوثاً للسلم في الشرق الأوسط عام 2013، ويشغل بعدها منصب مدير السياسة الخارجية في معهد بروكينغز في واشنطن. في هذا المقال، الذي نشرته مجلة "فورين أفيرز"، يتناول انديك السيناريوهات المحتملة بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، التي يشبهّها بأفعى "هيدرا" الإغريقية، ولا سيما في ظل التناقضات التي تحكم العلاقة بين شريكي الحكم في إسرائيل، بنيامين نتنياهو وبيني غانتس.

في الأساطير أغريقية، هيدرا هي أفعى مائية عملاقة بتسعة رؤوس، أحدها خالد فقط. تبدو الحكومة الإسرائيلية الخامسة والثلاثون، التي أدّت اليمين في 17 أيار/مايو 2020، أشبه بأفعى هيدرا بالفعل، ولكن بدلاً من الرؤوس التسعة للأفعى اليونانية، فإنّ لديها 36 وزيراً،  16 نائب وزيراً، ورئيس وزراء مناوب. وعلى غرار هيدرا، يبدو ان لديها أيضاً رأساً خالداً: بنيامين نتنياهو الذي أدى القسم لولايته الخامسة كرئيس للوزراء، بعدما تولى بالفعل هذا المنصب بشكل متواصل منذ العام 2009.

هذه المرة تطلب الأمر من نتنياهو ثلاثة انتخابات، على مدى 18 شهراً، لتشكيل الحكومة. في كل من تلك الانتخابات، فشلت كتلتُه التي تضم الأحزاب اليمينية والدينية في الحصول على الغالبية. تمكن نتنياهو من تشكيل الحكومة الحالية، في محاولته الثالثة، فقط من خلال اختيار بيني غانتس، زعيم كتلة يسار الوسط المعارضة.

كانت المناورة بارعة، لأن غانتس كان قد تعهد بعدم الانضمام إلى حكومة تحت حكم نتنياهو بسبب ملاحقته بتهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة.

كان بإمكان غانتس تشكيل حكومة أقلية، اعتماداً على دعم القائمة العربية المشتركة التي أوصت له بذلك. لكنه تجنّب هذا الأمر، واتخذ خيارَ التحالف مع نتنياهو بحجة أن حالة الطوارئ التي أوجدتها أزمة “كوفيد-19” تتطلب حكومة وحدة وطنية – وهو واجب أعلى يبرر خيانة ناخبيه. لقد دفع ثمناً باهظاً لذلك، لأن قراره عجّل في الانقسام داخل حزبه “أزرق-أبيض”، وقاد شريكُه السابق يائير لابيد 18 من أعضاء الكنيست الـ 33 التابعين للحزب إلى صفوف المعارضة.

كان على نتنياهو أن يدفع ثمناً باهظاً أيضاً. لقد وقع على اتفاقية مع غانتس، تمت كتابتها لاحقاً كتشريع، تنص على فترة حكومية مدتها ثلاث سنوات وحق نقض متبادل على جميع القرارات السياسية. وبموجب هذا الترتيب – المفترض أنه ملزم – سيرأس نتنياهو الحكومة الإسرائيلية لمدة 18 شهراً، ثم يسلم رئاسة الوزراء إلى غانتس في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2021 ، لفترة 18 شهراً أخرى. حتى ذلك الوقت، سيكون غانتس “رئيس الوزراء البديل” وهو منصب تم إنشاؤه حديثاً، سيأخذه نتنياهو بدوره عندما يتم التناوب.

كل زعيم لديه 18 حقيبة وزارية، بالرغم من أن نتنياهو لديه 52 مقعداً في الكنيست، في مقابل 17 مقعداً فقط لغانتس (بما في ذلك مقعدا “حزب العمل” المنكمش). هذا التوزيع قاد إلى وضع صعب حيث يمتلك غانتس الكثير من الحقائب الوزارية قياساً إلى أعضاء الكنيست، في حين أن يمتلك نتنياهو عدداً قليلاً للغاية.

يخلق عدم التوازن الهيكلي بين الكتلتين توتراً متأصلاً، من شأنه أن يدفع أتباع نتنياهو اليمينيين من حزب الليكود إلى التخلص من شركائهم “اليساريين” ، خاصة إذا استمرت استطلاعات الرأي في إظهار أن الكتلة اليمينية/الدينية يمكن أن تشكل الغالبية في حزبه، وربما ينتهي الأمر إلى الذهاب نحو انتخابات جديدة. تميل الاستطلاعات أيضاً إلى موازنة القوة النفسية في اتجاه نتنياهو، حيث من المرجح أن يتقلّص حزب غانتس بشكل كبير، إن لم يتم محوه، في أية جولة مقبلة، باعتبار أن ذلك هو المصير التقليدي لمعظم أحزاب الوسط الإسرائيلية.

على هذا الأساس، إذا كان من شأن ممارسة حق النقض أن تؤدي إلى إسقاط الحكومة، فقد يتردد غانتس في استخدامه في القضايا الحرجة. هذا التحفظ سيقوض قدرة حزبه على موازنة الأجندة اليمينية لشركائه في الائتلاف.

يكره الإسرائيليون حكومة متضخمة كهذه، ولكن معظمهم يفضلها في الوقت الحالي كبديل للانتخابات الرابعة. في النهاية، سيحكمون عليها بناء على النتائج. وفي هذا الصدد، حصل نتنياهو بالفعل على درجات عالية في تعامله مع أزمة الفيروس التاجي الجديد. لقد قتل الفيروس أقل من 300 إسرائيلي، وكانت الحالات الجديدة في أيار/مايو قريبة من الصفر. وبموازاة ذلك، تم احتواء الحالة الوبائية في صفوف الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

حدد نتنياهو وغانتس أولوياتهما التي تتمثل في إحياء الاقتصاد الإسرائيلي والاستعداد للموجة الثانية المتوقعة من الفيروس. أبعد من هذه الضرورات، فإن الغرض من “حكومة هيدرا” هذه ما زال غير واضح، حيث لم تكن لدى الكتلتين مبادئ توجيهية متفق عليها. وبالنظر إلى حق النقض الذي يحمله كل طرف على الآخر، قد يوفر الغموض فترة راحة مرحب بها من القضايا التي أزعجت النظام السياسي الإسرائيلي في ظل حكومة نتنياهو اليمينية السابقة.

على وجه الخصوص، هاجم وزراء نتنياهو استقلالية القضاء الإسرائيلي، وسعوا إلى إزالة قدرة المحكمة العليا على العمل كرقيب على الكنيست. وبما أن حزب غانتس يحمل حقيبة وزارة العدل، كانت ثمة حاجة إلى تعديل الأجندة التشريعية، وتجميد بعض مشاريع القوانين المتصلة بالعمل القضائي، بالرغم من أن التحريض اليميني ضد القضاء مستمر بلا هوادة.

إقرأ على موقع 180  مقتلة غزة.. صناعة الرجل الأبيض (2/2)

كذلك، تمت إزالة شبح تشريع لحماية نتنياهو من الملاحقة القضائية، وبات على رئيس الوزراء أن يمثل أمام المحكمة للشروع في محاكمته بعد أسبوع من أدائه اليمين كرئيس للوزراء.

في ما يتعلق بالقضايا الأمنية، من المرجح أن يتعزز حذر نتنياهو الفطري بسبب سيطرة غانتس على وزارة الدفاع.

علاوة على ما سبق سيتولى نائب غانتس، غابي اشكنازي، منصب وزير الخارجية. كلٌّ من اشكنازي وغانتس رئيسان سابقان لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي، وسيمثلان وجهات النظر المختبرة والواقعية للمؤسسة العسكرية في مجلس الوزراء الأمني.

يعود الفضل إلى أشكنازي في لعب دور رئيسي في منع نتنياهو من شن ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.

ستكون هذه البراغماتية ذات أهمية حاسمة عندما يتعلق الأمر بالضم، وهي القضية السياسية الوحيدة التي تمت كتابتها في اتفاقية نتنياهو-غانتس الحاكمة. أصر نتنياهو على أنه بعد الأول من تموز/يوليو، سيكون له الحق في أن يقدم إلى مجلس الوزراء التزام حملته بضم غور الأردن وجميع مستوطنات الضفة الغربية البالغ عددها 131 مستوطنة، والتي تشكل حوالي 30 في المئة من الأراضي الفلسطينية.

علاوة على ذلك، تنص الاتفاقية على أنه إذا عرقلت الحكومة الضم، فسيكون لنتنياهو الحق في عرض القضية مباشرة على الكنيست من أجل تشريع عاجل. ومن المتوقع أن يحظى مشروع القانون بدعم الغالبية حتى لو صوت فصيل غانتس وغيره في المعارضة ضده.

حتى عندما يواصل نتنياهو عملية الضم، فإن اتفاقه مع غانتس يتطلب أن تسعى إسرائيل للحفاظ على العلاقات مع العرب والمجتمع الدولي، الذي أعلن مراراً أن الضم غير قانوني، ما يضفي مزيداً من الغموض حول الطريقة التي يمكن للحكومة الإسرائيلية أن تحل فيها هذا التوتر.

لقد أثار التهديد بالضم احتجاجات قوية من الأردن والإمارات العربية المتحدة وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة وأعضاء بارزين في الاتحاد الأوروبي، فيما أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس إنهاء جميع الاتفاقات مع إسرائيل، بما في ذلك التنسيق الأمني، في وقت حذر مسؤولون سابقون في الموساد والشاباك من التهديد الذي يمكن أن يشكله الضم للعلاقات مع الأردن والهدوء في الضفة الغربية.

ومن المعروف أن غانتس حساس بشكل خاص تجاه الضغط الهائل الذي سيشكله ضم غور الأردن على معاهدة السلام الإسرائيلية – الأردنية، وعلى التنسيق الأمني ​​مع السلطة الفلسطينية، ومع ذلك ، فقد أيد الضم خلال الحملة الانتخابية، وقبل بند الضم في اتفاقه مع نتنياهو ، مع العلم بأنه يفضّل الضم الجزئي على الأقل للكتل الاستيطانية المجاورة لخط العام 1967.

وجدت معضلة غانتس تعبيراً في خطاب قبول أشكنازي كوزير للخارجية بعد أداء الحكومة الجديدة اليمين الدستورية. من ناحية ، رحب أشكنازي “بالفرصة التاريخية” التي توفرها خطة السلام التي وضعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب “لتشكيل مستقبل دولة إسرائيل و حدودها لعقود قادمة”، ولكنه، من ناحية أخرى ، تعهد بـ”الحفاظ على جميع اتفاقيات السلام والمصالح الاستراتيجية لدولة إسرائيل”.

هناك شرط واحد صريح بشأن الضم في اتفاقية التحالف الحكومي: يجب أن يحظى بدعم كامل من جانب الولايات المتحدة. يخلق هذا الشرط مأزقاً لنتنياهو مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية. لقد ألقى ترامب الضوء بالفعل على الضم كجزء من رؤيته للسلام، لكن جو بايدن، المرشح الديمقراطي المفترض ، أعرب عن معارضته الواضحة للخطة، واصفاً إياها بأنها “خطة سيئة للسلام” وتعهد بتغيير إجراءات ترامب.

سيؤدي الضم حتماً إلى جعل إسرائيل قضية خلافية في الحملة الانتخابية الأميركية. وإذا فاز بايدن، يمكنه سحب اعترافه، وإزالة الشرعية الدولية الوحيدة التي من المرجح أن يكتسبها الضم. ستحصد إسرائيل بعد ذلك الاحتقار الدولي من دون مكاسب. ولكن إذا لم يمرر نتنياهو الضم ، فسيواجه ثورة داخل حزبه وانتقادات شديدة من نفتالي بينيت وأفيغدور ليبرمان، قائدا الحزبين اليمينيين الذين تخلى عنهما عندما قرر على التعايش مع غانتس.

من المرجح أن تصبح الطريقة التي يحل بها نتنياهو وغانتس مثل هذه المعضلات الاختبار الحاسم للحكومة الإسرائيلية الجديدة، التي ستظل في مرحلة التكوين حتى الأول من تموز/يوليو، موعد النظر في نهج الضم.

أما أولئك الذين يشككون في فرص نتنياهو في البقاء، فيجب أن يتذكروا أن الأمر استغرق هرقل وقتاً وجهداً كبيرين لقتل هيدرا.

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  إسرائيل تحسم أهدافها: "جبهة التشدد".. وبرنامج إيران النووي (117)