ما بعد جريمة مجدل شمس.. هل يأخذ نتنياهو المنطقة إلى حرب شاملة؟

انشغلت الاوساط السياسية المحلية والإقليمية والدولية خلال اليومين الماضيين بالتداعيات المرتقبة للمجزرة التي وقعت في بلدة مجدل شمس في مرتفعات الجولان السورية المحتلة وذهب ضحيتها نحو أربعين شهيداً وجريحاً مدنياً جراء صاروخ مجهول المصدر.

كان اللافت للانتباه منذ اللحظة الأولى لوقوع المجزرة مباردة القيادات العسكرية والسياسية “الإسرائيلية” الى اتهام حزب الله اللبناني باطلاق هذا الصاروخ، وقالت إنه ايراني الصنع من طراز “فلق 1″، فيما سارع الحزب إلى نفي ذلك نفياً قاطعاً، فيما قال شهود عيان إن الصاروخ هو أحد الصواريخ الاعتراضية التي تطلقها شبكة القبة الحديدية “الإسرائيلية”. أمام هذه المشهدية يطرح تساؤلان، الأول من هي الجهة التي أطلقت الصاروخ؟ والثاني ما هي التداعيات المرتقبة لهذه الفاجعة؟

في محاولة الإجابة على هذين التساؤلين لا بد أولاً من طرح الاحتمالات وفق المنطق الذي ساد حرب الإسناد لغزة التي أطلقها حزب الله في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. على مدى الأشهر العشرة المنصرمة قتلت الغارات “الإسرائيلية” على لبنان 125 مدنياً لبنانياً، ومع ذلك فقد كان رد حزب الله على قتل المدنيين دائماً بقصف مواقع عسكرية “إسرائيلية” في شمال فلسطين المحتلة، ولم يتعرض لأي هدف مدني، لذلك لو أراد حزب الله قصف هدف مدني في الأراضي المحتلة لا يمكن أن يكون هذا الهدف بلدة مجدل شمس، وهنا استطراد سريع، فان هذه البلدة التي احتلتها “إسرائيل” في حرب يونيو/حزيران عام 1967 يبلغ عدد سكانها حوالي 12 ألف نسمة غالبيتهم من طائفة الموحدين الدروز مع أقلية من الروم الأرثوذكس، وقد دأب السكان على رفض كل أشكال التهديد والترغيب “الإسرائيلي” وتمسكوا بانتمائهم لبلدهم سوريا وحافظوا على رفع الأعلام السورية في العديد من المناسبات في تحدٍ واضح للإحتلال. اذاً، لو كان هناك قرار اتخذه حزب الله بقصف موقع مدني “إسرائيلي”، لن يختار مجدل شمس التي يعتبر مناخها مؤيداً للمقاومة. وهنا لا بد من لفت النظر إلى موضوع بحت عسكري، فلو أن الصاروخ من الطراز الذي وصفته “إسرائيل” لكان أحدث حفرة عميقة في الأرض التي سقط فيها وهذا ما لم تظهره كل شرائط الفيديو التي نشرت عن موقع الحادث. كما لم ينشر الجيش “الإسرائيلي” أي صورة لبقايا الصاروخ.

الاحتمال الثاني، هو التقدير بأن رماة الصواريخ في حزب الله أخطأوا بالإحداثيات ما تسبب بالكارثة، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه وعلى مدى عشرة أشهر ثبّت رماة الصواريخ في المقاومة اللبنانية سمعتهم بدقة رمايتهم التي لا يتجاوز منسوب الخطأ فيها الخمسين متراً، ومن المعروف أن أقرب قاعدة عسكرية “إسرائيلية” إلى مجدل شمس تبعد عن البلدة حوالي ثلاثة كيلومترات، وذلك يعني أن رماة مهرة لا يمكن أن يخطئوا بمثل هذا الهامش، لذلك يمكن استبعاد فرضية الخطأ في الرمي.

الاحتمال الثالث، هو أن يكون من رمى الصاروخ من حلفاء حزب الله الذين يشاركون في المعركة، أي حماس والجهاد الاسلامي والجماعة الاسلامية، وهذا الاحتمال يسقط أيضاً لأرجحية عدم امتلاك هؤلاء الحلفاء صاروخاً بهذا المدى والحجم.

الاحتمال الرابع هو أن يكون الصاروخ من نوع الصواريخ الاعتراضية التي تطلقها القبة الحديدية “الإسرائيلية”، وهذا احتمال قد يكون مرجحاً نظراً لأخطاء سابقة حصلت خلال إطلاق هذه الصواريخ من قبل “إسرائيل” خلال فترة الحرب الدائرة وسقطت في الاراضي الخاضعة لسلطة الاحتلال شمالي فلسطين، وتحديداً خلال ليلة المواجهة الإيرانية “الإسرائيلية” في منتصف نيسان/أبريل المنصرم.

الاحتمال الخامس هو أن تكون “إسرائيل” تعمدت قصف البلدة وسارعت إلى اتهام حزب الله، من جهة لخلق ذريعة امام الرأي العام العالمي تُبرّر لها توسيع عدوانها وتحويله إلى حرب شاملة على لبنان ومن جهة أخرى لإثارة نعرة طائفية مذهبية بين الدروز والشيعة. وذلك يعني أن القيادات “الإسرائيلية” كانت تكذب باتهام حزب الله شأنها في ذلك شأن اتهامها للموظفين الفلسطينيين في “الأونروا” بالمشاركة في هجوم “طوفان الأقصى” حين سارعت الدول الغربية إلى تبني اتهامها بشكل أعمى ومن دون تدقيق وأوقفت دعمها للمنظمة الدولية التي تعنى بشؤون اللاجئين الفلسطينيين، ليتبين لاحقاً وبعد تحقيق دقيق من الأمم المتحدة أن كل الرواية “الإسرائيلية” زائفة ولتعود الكثير من الدول عن قرارها في دعم “الأونروا”.

أمام كل هذه الإحتمالات (ربما هناك احتمال سادس من نوع “الطابور الخامس” ولكنه أيضاً من الإحتمالات الضعيفة)، يبقى الاحتمالان الأخيران الأكثر ترجيحاً وفق العقل والمنطق، وفي الرد عليهما لا بد من متابعة ردود الفعل الدولية والمحلية ورصدها بدقة. صحيح أن الإدارة الأمريكية اكدت كعادتها بعد مجزرة مجدل شمس تأييد الرواية “الإسرائيلية” وتأكيدها بأنها ملتزمة بأمن “إسرائيل”، لكنها في الوقت نفسه، كانت حاسمة برفضها توسيع دائرة الحرب مع لبنان. الأمر نفسه أكدته بريطانيا على لسان رئيس وزرائها وفرنسا على لسان رئيسها، وفي ذلك ليس فقط تهيباً من تدهور الوضع إلى حرب إقليمية لا يريدها أحد بل أيضاً رائحة تشكيك غربي ضمني بالرواية “الإسرائيلية” بخاصة بعد انكشاف الكذب “الإسرائيلي” في موضوع موظفي “الأونروا” في غزة.

إقرأ على موقع 180  نتنياهو يرفع "لاءاته" بوجه بايدن.. في انتظار ترامب!

وقد فوّت أهالي مجدل شمس على “إسرائيل” امكانية اثارة الفتنة الطائفية المذهبية عندما أطلقوا الهتافات اليوم (الإثنين) ضد رئيس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورفضوا قبول تعزيته وقبلها طردوا وزير المالية “الإسرائيلية” بتسلئيل سموتريتيش من جنازة أبنائهم، وفي الجانب اللبناني فقد كان موقف القادة الدروز وعلى رأسهم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط مشرفاً لرفضه هذه الفتنة ووقوفه مع المقاومة ضد “إسرائيل”.

في ظل هذه هذه الأجواء، عقدت الحكومة “الإسرائيلية” المصغرة (الكابينيت) اجتماعاً مساء يوم الأحد استمر ثلاث ساعات وأسفر عن صدور قرار من المجتمعين بتفويض نتنياهو ووزير حربه يؤاف غالانت بتقرير “الرد المناسب في الوقت المناسب” ما يوحي بمأزق جدي تعيشه حكومة نتنياهو بعد اتهامها حزب الله بالمجزرة، فالمجتمع الدولي الحليف لها كبّل يديها عندما حذر من ارتكاب حماقة تؤدي إلى توسيع الحرب. أما التكبيل الفعلي ليديها فهو من جانب المقاومة في لبنان التي ليس فقط نفت بشكل قاطع علاقتها بالحادثة الفاجعة بل ارفقت رفضها بتهديد “إسرائيل” بما سبق للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أن قاله في أكثر من مناسبة “بتوسعوا منوسع، بتضربوا منضرب، واذا وسعتوا الحرب فاننا سنخوضها بلا سقوف ولا قيود ولا حدود”. وقد تبلغت الدوائر الرسمية الغربية بهذا الموقف مجدداً عبر وسطاء دوليين، وجاء البيان الرسمي الايراني رداً على التهديدات “الإسرائيلية” واضحاً بأن إيران لن تسمح بخرق السيادة اللبنانية وستكون إلى جانب المقاومة في مثل هذه الحالة.

يبقى السؤال الحاضر الآن كيف ستنزل القيادة “الإسرائيلية” عن شجرة تهديداتها العالية النبرة؟

ترجح الكثير من المصادر أن تعمد “إسرائيل” إلى قصف موقع عسكري ما لحزب الله بنيران شديدة يعطيها صورة البأس والقوة أمام الجمهور “الإسرائيلي” من دون أن تتورط بحرب شاملة. ولكن حتى هذا الاحتمال يبقى أسير الرد الذي سيعتمده حزب الله على مثل هذا السيناريو والذي يرجح أن يكون قصف موقع عسكري “إسرائيلي” ذات طابع استراتيجي أيضاً. هنا يُصبح السؤال هل يمكن لهذا الرد أن يستدرج الطرفين إلى أيام قتالية أم إلى معركة شاملة من شأنها أن تشعل منطقة الشرق الأوسط؟

في انتظار الآتي من الأيام، فإن مصير الشرق الأوسط معلق على جنون نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة التي تراوغ وتناور في مفاوضات وقف اطلاق النار في غزة التي كانت آخر حلقاتها لقاء عقد في روما الذي خرج بمزيد من الشروط التي يحاول نتنياهو أن يفرضها ضمن سياسة إطالة أمد المفاوضات على أمل تحقيق نصر ما في غزة.

Print Friendly, PDF & Email
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  "طوفان الأقصى".. بعيون إسرائيلية!