فرزلي في مذكراته: خفايا سقوط حكومة كرامي 2005

في الحلقة الحادية عشرة من مذكراته "أجمل التاريخ كان غداً"، ينقل إيلي فرزلي وقائع مرحلة ساخنة من تاريخ لبنان الحديث. يرصد اللحظات الحرجة التي تمخضت عن زلزال إغتيال الرئيس رفيق الحريري، لم يكن لشيء أن يظل كما هو بعد هذا الحدث التاريخي. سوريا انسحبت من لبنان. فرنسا استعادت دورها كوصية على بلاد الأرز. القناصل الدوليون صاروا اصحاب القرار النافذ فيه. "حزب الله" ينخرط في لعبة سياسية مفخخة تدور في الأزقة الضيقة. لبنان بعد اغتيال الحريري هو غير ما كانه قبل ذلك.

لعل أهم ما يبوح به إيلي فرزلي أن استقالة حكومة الرئيس عمر كرامي بعد الإغتيال لم تأت جراء تأثر رئيسها بكلام وجداني أطلقته النائبة بهية الحريري، وضمنته فجيعتها باستشهاد شقيقها.. ثمة فاصل خفي تكشفه المذكرات يتمثل بإصرار رئيس مجلس النواب بري على عقد جلسة علنية لمناقشة الحكومة. تلاه جهد بذله فرزلي في اقناع الرئيس السوري بشار الأسد بضرورة تقديم الحكومة استقالتها. أثمر كل ذلك قراراً رئاسياً سورياً باستقالة الحكومة.

ماذا يروي فرزلي عن خفايا تلك اللحظة؟

“دخلتُ في حكومة عمر كرامي عام 2005 وهي تترنَّح. المعارضة الداخلية تشتدُّ وتتَّسع، والضغوط الخارجية تتفاقم، وإميل لحُّود في مستهلِّ ولايته الممدَّدة، كان أضعف كثيراً من ذي قبل بسبب من الظروف التي أملت تمديد الولاية، ومعارضة معظم اللبنانيين للعبث الدستوري الذي رافقها.

دول الغرب تستعجل تطبيق القرار 1559 لدفع الجيش السوري إلى الانسحاب من لبنان، وتتطلَّع إلى تجريد المقاومة من سلاحها، وسوريا مربكة بنزاعها مع “المجتمع الدولي” حول هذه المسألة (…).

الزلزال

ظهر الاثنين 14 شباط/فبراير 2005، كنت أهمُّ بمغادرة مكتبي في وزارة الاعلام، لتلبية بعض المواعيد، فدوى انفجار ضخم تردَّدت أصداؤه قريباً مني، أدَّى إلى ارتجاج الزجاج في المبنى. كان انطباعي الأول، قبل أن أعرف أي شيء عن ذلك الانفجار وطبيعته، أنه محاولة مكشوفة للإخلال باستقرار البلاد في مرحلة غليان سياسي، اختلطت فيها الضغوط الدولية، من خلال القرار 1559، بالضغوط الداخلية عبر مناوأة حكومة الرئيس عمر كرامي استعداداً للانتخابات النيابية المقرَّرة في الصيف.

عدت إلى مكتبي في الحال. ألغيت جميع مواعيدي لذلك النهار. عكفت على إجراء الاتّصالات والربط بين الإخباريات التي كانت تردني وتفيد بأنَّ انفجاراً وقع في “عين المريسة”، قبالة فندق “سان جورج”، وأنَّ المستهدف هو موكب الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري، كان آخرها استشهاده وبعض رفاقه في الانفجار، فوقع النبأ على البلاد وقع الزلزال.

للوهلة الأولى، بدا لي الأمر مستغرباً، لأن الوضع في البلد في يوم 14 شباط/فبراير تحديداً، كان هادئاً بصورة ملفتة، وقد لمست ذلك وأنا متوجِّه في الصباح من منزلي في الحازمية إلى مكتبي في “الصنائع”. وكنت أعلم أن اللجان النيابية المشتركة سوف تلتئم قبل الظهر لمناقشة مشروع قانون الانتخاب الجديد الذي كانت الحكومة قد أحالته على المجلس.

لم يخطر لي قطُّ أن رفيق الحريري سوف يحضر اجتماع اللجان في ذلك اليوم. لكنني كنت أعرف موقفه المعلن من القانون. بانتهاء الجلسة غادر مبنى البرلمان، وجلس بعض الوقت في مقهى مجاور في “ساحة النجمة” مع نواب وصحافيين، قبل أن يستقلَّ سيارته ويلوِّح، على جاري عادته، بيده لمودعيه في الباحة، مصطحباً معه النائب باسل فليحان.

بعد دقائق معدودة، دوَّى الانفجار الضخم.

قصدتُ منزل الرئيس المغدور وقدَّمت تعازيَّ. لفتني وجود الرئيس أمين الجميِّل يتقبَّل التعازي مع عائلة الفقيد، وكانت تلك المرة الأولى التي دخل فيها إلى منزل الحريري، فأدركت أنَّ لبنان مقبل على حقبة جديدة خطيرة

سلطة غير مرغوب فيها

قرَّرت الحكومة عقد اجتماع لمجلس الوزراء بعد الظهر لمناقشة حادثة اغتيال رفيق الحريري. طرحتُ في الاجتماع مشاركة الوزراء جميعاً في تقديم واجب العزاء، إلاَّ أنَّ كلاً منهم فضَّل الذهاب إلى قريطم بمفرده.

اتّخذ مجلس الوزراء بضعة قرارات أوَّلها إعلان الحداد الرسمي ثلاثة أيام، وثانيها إقامة مأتم وطني لتشييع الرئيس السابق للحكومة بتشكيل لجنة خاصة ترأسها عصام فارس وضمَّت أربعة وزراء، وكذلك إحالة جريمة الاغتيال على المجلس العدلي. لكن عائلة الرئيس الشهيد رفضت رعاية الدولة تشييعه، وأصرَّت على وداع شعبي مقروناً برفض آخر هو منع مشاركة أيِّ مسؤول رسمي في المأتم.

قصدتُ منزل الرئيس المغدور وقدَّمت تعازيَّ. لفتني وجود الرئيس أمين الجميِّل يتقبَّل التعازي مع عائلة الفقيد، وكانت تلك المرة الأولى التي دخل فيها إلى منزل الحريري، فأدركت أنَّ لبنان مقبل على حقبة جديدة خطيرة لا يسهل على أحد مقاومتها. (…)

ودَّع اللبنانيون في 16 شباط/فبراير الرئيس الراحل في مأتم شعبي ضخم من قريطم إلى مسجد محمد الأمين الذي بناه في وسط بيروت كي يوارى فيه. تحت وطأة السخط العائلي والشعبي الجارف على الجريمة البشعة، كان من المتعذّر عليَّ المشاركة في المأتم، فقصدت قريطم للتعزية مرة ثانية غداة الوداع.

شيراك مقرراً

حضر الرئيس الفرنسي جاك شيراك المأتم، لكونه صديق العائلة، بعدما مكث ساعات في قريطم إلى جانب أرملة الرئيس الراحل يتقبَّل التعازي معها.

تجاوز شيراك واجب التعزية إلى دور المحرِّض عندما راح يجتمع بأقطاب المعارضة الجديدة، ما حملني على الإدلاء بتصريح عنيف ضدَّه عبر شاشة “العربية” السعودية، في 20 شباط/فبراير، اتّهمته فيه بـ”قيادة المعركة مباشرة على الساحة اللبنانية”. (…)

تصرُّفات الرئيس الفرنسي جاك شيراك في بيروت، ومعرفتي بعمق صداقته مع رفيق الحريري، جعلاني أتساءل ما إذا كان لرئيس الحكومة الراحل دورٌ محتمل في وضع القرار 1559، على الأقل لاستثماره تبعاً لمصالحه السياسية. ولقد كنت على اطّلاع، بعد صدور القرار الدولي، بأنَّ الحريري أخذ على عاتقه أمام السيِّد حسن نصرالله، الأمين العام لـ”حزب الله”، معالجة قرار مجلس الأمن، فاعتقدتُ أنَّ القرار ليس مرشّحاً للتنفيذ الفوري، إنما هو مطروحٌ للتفاوض عليه.

لكن يبدو أن هناك جهة، أو جهات دولية، كانت تريد تغيير سياسة شيراك بالتخلُّص من صديقه رفيق الحريري، وهو أمرٌ ما زال يستوجب التحقيق الجدِّي فيه. وإن أنسى لا أنسى التصريح الذي أدلى به ريتشارد بيرل، الرئيس السابق لمجلس الدفاع في البنتاغون وأحد رموز المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، إلى جريدة “لو فيغارو” الفرنسية بتاريخ 14 تشرين الأول/أكتوبر من عام 2007، وألمح فيه إلى أن “تغيير سياسة شيراك اللبنانية والعربية اقتضت اغتيال صديقه رفيق الحريري”. وقد نشرت جريدة “السفير” خبرها عن تلك المقابلة تحت عنوان “ريتشارد بيرل: لتغيير سياسة شيراك لزم اغتيال صديقه الحريري”. أما النص الحرفي كما ورد في الصحيفة الفرنسية فهو الآتي:

“سؤال: وماذا بالنسبة إلى الولايات المتحدة؟

“جواب بيرل: مرَّت فترات من الزمن عمل فيها البلدان معاً في قضايا الشرق الأوسط. من الأمثلة الحديثة الرئيسية الموقف من اغتيال رفيق الحريري في لبنان. ما أجد فيه مفارقة غريبة أن يقتضي الأمر اغتيال صديق شخصي للرئيس (شيراك) لإحداث تغيير في السياسة الفرنسية. وسيكون أمراً مخيِّباً للآمال في حال مقاربة ساركوزي للأمور على أساس الصداقات الشخصية بدلاً من التقويم الجدِّي لمصالح البلاد”. (…)

كنت حاضراً في تلك الجلسة التاريخية الاستثنائية التي دعا إليها نبيه برِّي وحضرها رفيق الحريري وحكومته والنواب جميعاً، وخطب فيها الرئيس الفرنسي الضيف قائلاً:

“لا بدَّ، بعد انسحاب إسرائيلي كامل، من أن يكون الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي الضمان الوحيد لفرض سلطة الدولة على كلّ التراب الوطني، بحيث يشعر بلدكم، كما تشعر إسرائيل والبلدان العربية في المنطقة، بأمان تام. وهي مسؤولية أساسية يتعيَّن على لبنان أن يضطلع بها بنفسه، في إطار اتّفاق سلمي. وسوف يسمح الوضع الجديد – وأنا لا أشكُّ في الأمر – للقوات السورية بأن تنسحب بعد الاستتباب التام للسلام”.

أدركت حينها فحوى ما يريد رفيق الحريري: تهيُّب “حزب الله” القرار 1559 من غير أن يفضي الأمر إلى مواجهة عسكرية في الداخل، لا يسعى إليها الرجل لأنها مدمِّرة للبلاد، ولتعذُّر تجريد “حزب الله” من سلاحه. (…)

اختيار نجيب ميقاتي كان ثمرة المفاوضات الإيرانية – السعودية من خلال سفيريهما في باريس. هذه كانت الواجهة. فكانا بمثابة “المسحَّراتي” الذي أيقظ الميقاتي من سباته بالضرب على الطبلة، للقيام إلى الإفطار بعد صوم

خفايا السقوط الحكومي

إقرأ على موقع 180  ماذا جرى بين أديب و"الخليلين"؟

لم تنقضِ أيام على مواراة الرئيس رفيق الحريري في مأتم حاشد غير مسبوق، نزل خلاله اللبنانيون بالآلاف في تظاهرة لا مثيل لها في تاريخ لبنان، حتَّى باغتنا تعيين موعد جلسة مناقشة عامة للحكومة، في توقيت بالغ الخطورة ينذر بأسوأ العواقب بينما الناس في غليان، معتصمين في الشارع ولا يخرجون منه.

اتصل بي رئيس الحكومة عمر كرامي يسألني مستغرباً:

“جلسة مناقشة عامة؟ ماذا يعني ذلك؟ لنؤجِّلها. هناك ندب وجثة لا تزال في الشارع”.

واستطرد كرامي قائلاً:

“سينتقل الندب إلى داخل مجلس النواب، وستحضر وسائل الاعلام وتبثُّ الوقائع. ذلك يعني تحريض الناس على النزول إلى الشارع والتظاهر ضدَّنا. بلا إعلام على الأقل”.

اتّصلت بنبيه برِّي متمنياً عليه تأجيل جلسة المناقشة العامة، فأصرَّ على انعقادها في موعدها. اقترحت عليه إقفال أبوابها من دون وسائل الإعلام، فلم يستجب. لم يكن لديَّ أيَّ تفسير لتصلُّبه هذا. (…)

التأمت الجلسة العامة في 28 شباط/فبراير 2005. استُهلت بكلمة للنائبة بهيَّة الحريري، غادرتُ القاعة العامة بعد الإصغاء اليها وتوجَّهت إلى عنجر فوراً، وفي الطريق مررت قبل ذلك بمفتي البقاع الشيخ خليل الميس الذي طالبني أيضاً بضرورة أن أعمل لحمل الحكومة على الاستقالة تهدئة لخواطر الناس.

في عنجر قلت لرستم غزالي: “لا يمكن للحكومة أن تستمر. يجب أن تستقيل“.

قال: “هل ناقشتَ الأمر مع الرئيس كرامي؟”

قلت: “لا… لم أفاتحه بالأمر“.

قال: “مع الرئيس برِّي؟”

قلت: “لا… لكن على الحكومة أن تستقيل، يجب أن نتكلَّم مع الرئيس الأسد في هذا الأمر“.

من مكتب رستم غزالي، اتّصلت بالرئيس السوري مكرِّراً الموقف نفسه، بعدما شرحت واقع الغليان في الشارع: “لا يسع الحكومة أن تستمر. لن تقدر على أن تكمل”.

قال الرئيس الأسد: “انتظر. سأجيبك بعد ساعة أو ساعتين”.

اتصل الرئيس بعد قليل قائلاً: “إفعلا”.

عدت إلى بيروت في الحال، متوجِّهاً إلى منزل رئيس الحكومة أُطلعه على ما دار في الحديث مع بشار الأسد، فعقَّب قائلاً: “الله يفرجها”.

كان مقرَّراً استكمال جلسة المناقشة العامة قبل الظهر بأخرى مسائية.

كتب عمر كرامي استقالته في صفحة واحدة وحملها معه إلى مجلس النواب، من دون أن يُخطر أيَّ أحد من الوزراء أو سواهم بمضمونها وقراره.

استهلَّ الجلسة الثانية بطلب الكلام، فصعد إلى المنصة وتلا بياناً ختمه بإعلان استقالة حكومته.

لم تقتصر المفاجأة على رئيس المجلس الذي صُعق بها، بل انفجر الشارع في ساحة الشهداء، على بعد مئات الأمتار من ساحة النجمة، ابتهاجاً بسقوط حكومة عمر كرامي. (…)

اجتمعت قوى 8 آذار في عين التينة، وقرَّرت إعادة ترشيح الرئيس عمر كرامي لتأليف الحكومة الجديدة، وإطلاق يده تحت طائلة أنَّ إخفاقه سيقود البلاد إلى أحداث دموية بالغة الخطورة. تلاقى المجتمعون على أن المصلحة العليا للبلاد تقضي بتأليف الحكومة مهما كان الثمن، لا سيما أن القوى السياسية الحاكمة لمَّا تزل تتمتع بالغالبية النيابية. وافق عمر كرامي بعد تمنُّع، وقد أصغى إلى السيِّد حسن نصرالله، الحاضر في هذا الاجتماع، يقول له:

“إذا امتنعت عن تأليفها سيسقط آلاف القتلى في الشارع. عليك نعوِّل لإنقاذ البلاد، وأنت مَن يجب أن ينقذها”.

سلَّم عمر كرامي بهذا الإصرار بعدما اشترط عدم عرقلة جهوده.

أجرى رئيس الجمهورية استشارات نيابية ملزمة أدَّت في يومها الثاني، 10 آذار/مارس، إلى إعادة تكليف كرامي بعدما سمَّاه 71 نائباً من مجموع 78 اشتركوا في الاستشارات، بينما قاطعها 45 نائباً في المعارضة. بيد أنَّ الرئيس المكلَّف، بعد جهود بذلها لتشكيل الحكومة في الأسابيع التالية، اصطدم بعقبات تعذَّر عليه تخطِّيها، لأنه أراد حكومة وفاق وطني، فرفضت المعارضة الجديدة التعاون معه، فاعتذر في 13 نيسان/أبريل عن المضي في تشكيل الحكومة. (…)

ترئيس ميقاتي

استقال عمر كرامي، كُلِّف واعتذر… فدخلت البلاد في مأزق سياسي دستوري. راح المبصِّرون والمبرِّجون والعرَّافون يضربون بالرمل لمعرفة هوية الرجل الذي يشكِّل مخرجاً من ذلك المأزق، فاختاروا من السياسيين “أكثرهم من الهيقات طولاً”، لأنَّ “الجذم القصار” لا يملأون العين (…).

حصيلته في الاستشارات النيابية الملزمة في 16 نيسان/أبريل، كانت كافية لكنها غير مقنعة. حاز 57 صوتاً من 126 نائباً شاركوا فيها، في مقابل تحفُّظ ثلاثة نواب معارضين، رغم قرار المعارضة المشاركة في الاستشارات وتأييدها له، خلافاً لما كان عليه الأمر مع عمر كرامي. تغيَّب ثمانية ولم يسمِّ سبعة نواب الرئيس المكلف، بينما اختار تسعة النائب عبدالرحيم مراد، و45 نائباً أودعوا الرئيس الاسم ولم يعلنوا عنه(…).

اختيار نجيب ميقاتي كان ثمرة المفاوضات الإيرانية – السعودية من خلال سفيريهما في باريس. هذه كانت الواجهة. فكانا بمثابة “المسحَّراتي” الذي أيقظ الميقاتي من سباته بالضرب على الطبلة، للقيام إلى الإفطار بعد صوم. (…)

في 29 نيسان/أبريل 2005، بعد يومين فقط على نيل حكومة نجيب ميقاتي الثقة، كنَّا على موعد مع تطور بالغ الأهمية. فقد تمَّ انسحاب الجيش السوري من كل لبنان، وغادرت قوافله الأراضي اللبنانية إلى ما وراء الحدود، منهياً حقبة وجود هنا استمرت 29 عاماً (1976 – 2005). (…)

هذا هو فؤاد السنيورة، نادرة الأزمنة في السياسة اللبنانية

دولة التحصيلدارالسنيورة

لا تُفتح العين بالهيِّن على من يشبهه، فالرجل يتباهى مغالياً بقوميته العربية، والأميركيون يتباهون ويغالون في اعتمادهم عليه.

شبَّهه بعضهم بـ”التحصيلدار”، في الزمن العثماني، يأخذ ولا يعطي. وفي نقلة الزمن بين طرفات العيون وإيحاءاتها، أصبح الرجل رئيساً للحكومة.

هذا هو فؤاد السنيورة، نادرة الأزمنة في السياسة اللبنانية.

لم أثق به وبإدارته الحكم، فلم يكن ذاك السياسي المجرَّب، والأيام لم ترَ عليه سمة التدبُّر. جلب على اللبنانيين غائلة الفاقة، فأنهكهم بالضرائب.

سلك درب المكاسرة مع رئيس الجمهورية مستقوياً بالأوصياء الجدد، وظهرت عليه أعراضٌ طائفيةٌ ومذهبيةٌ غير حميدة. اعتمد سياسة مُريبة، فدفع بالبلاد إلى أخطر مآزقها. ففي 5 من أيار/مايو 2008، عقدت الحكومة برئاسته جلسة طالت وتمدَّدت على ثماني ساعات، تمخَّض عنها بيان، تلاه غازي العريضي الساعة الرابعة فجراً، اعتبر “شبكة الاتصالات الهاتفية” التي أقامها “حزب الله”، “غير شرعية، وتُشكِّل اعتداءً على سيادة الدولة والمال العام”. وفي البيان، أنَّ الحكومة قررت الملاحقات الجزائية ضد جميع الأفراد والأطراف التي تثبت مسؤولياتها في مدِّ هذه الشبكة، مشيراً إلى وجود دور إيراني فيها.

ولم تكتف الحكومة بهذا البيان فألحقته ببيانٍ ثانٍ، أعلنت فيه إقالة العميد وفيق شقير، قائد جهاز أمن مطار بيروت الدولي، من منصبه، وإعادته إلى ملاك الجيش.

جاء من حاول تخفيف الذنب عن فؤاد السنيورة، بالقول إنه “تحفَّظ على البيانين والقرارين”، خلال جلسة مجلس الوزراء، وإنَّ الياس المر، وزير الدفاع الوطني يومها، ووليد جنبلاط، من خلال وزرائه الثلاثة، هما المحرِّضان على القرارين والبيانين، تبعاً لمعلومات استقياها من جهات استخباراتية شتى.

لم يتأخر ردُّ “حزب الله”، فقد اعتبر قرارات الحكومة اعتداءً مباشراً على أمنه الاستراتيجي، وإهدار دمه بجعله مكشوفاً أمام إسرائيل. فالفريق الآخر، كما قال عمّار الموسوي، مسؤول العلاقات الدولية في الحزب: “من يلعب بالنار يحرق يديه”. وأضاف أن إقالة العميد شقير “تجاوزٌ للخطوط الحمر”.

الانفجار المؤجَّل، منذ استقالة الوزراء الشيعة، وقع في 7 من أيار/مايو 2008. انتشر مقاتلو “حزب الله” ومقاتلو “حركة أمل”، في بيروت الغربية وسيطروا على أحيائها في ساعات قليلة بعد محاصرة مقرَّي سعد الحريري في “قريطم”، ووليد جنبلاط في “كليمنصو”، دونما التعرُّض لهما.

 

Print Friendly, PDF & Email
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
free online course
إقرأ على موقع 180  ماذا جرى بين أديب و"الخليلين"؟