إنه وباء الركائز والجدران المتكسرة

بينَنَا وبين الوباء سيرة لقاء ومواعيد. مواعيد نصحو على وَقّعِ دَبيبهَا بأفواهنا الفاغرة.. ونتثاءب على فراغ يقظتنا، و"قيلولة" جهودنا، وتعثُّر توقيت الزمن فينا.

 لم يرحل الوباء بعد، ولم نُقِم له مراسم وداع. يُشاطرنا لعبة استهتارنا، ونُشَاطرَه بكمائن نَنصُبُها لأنفسِنا.

لم يغب الوباء عن مرابعنا، ولا عمّا حولَنَا، ولا من حولِنا. يُنذِرُنا فلا نبالي، يَتَطايَر فوق أمكنتنا، وفي طيّات أعمارنا، وعلى مسافة زفرة رحيل يَلفُّنَا بها. إنها “العمياء المزركشة” التي أغّرَتنا بغموضها. بألعابها المكشوفة والمستترة، وحوَلتنا إلى مصائد غير متناظرة، وأفسحت لنا دفاتر صداقة قاتلة. لكن ذلك، لم يمنع عيوبنا القاتلة والأكثر فتكاً من ذاك الوباء أن تَبَان. إنه وباء عجرفتنا المريضة، وثغرات عقولنا المُتأهّبة لإزدراء أية مصاعب وصعوبات تطرأ وتستديم.

نلمس الوجع، وندوس عليه، نضع الإصبع على نزف الجراح، لكننا نرش الملح. نصرخ “وادولتاه” من انهيار قياسي لعملتنا الوطنية، لكننا نكتفي بالنحيب والندب واللمعات الذكية على وسائل ووسائط التواصل. نتلهى بنوادر تشبيحات فلان وفلان. نتمترس خلف عصبياتنا وزواريبنا وما أكثرها.

لا نَكفّ عن أننا شعب متميز فريد التركيبة، ورسل حضارة، وننسى أن للتميُّز والتمايز سمات وصفات لا تدنو من الساكتين عن أرزاقهم المنهوبة، وأن الرسل للحضارات لا يقبعون في عيش القطيع، ناهيك عن الفرادة الكاذبة، والتركيبة المُتكسّرة الركائز والجدران.

لقد أقعَدَ وباء كورونا الإدراك في وعينا، وَأقّعدّنَا أنفُسَنا عن أننا “الشعب المتميز”، ولو بحفنة وقاية، وصرخة وعي، ورمشة تغيير، وسطوة حضور، وكمشة صدق، وحفنة تراب لا يطأها طامع وغاصب وكاذب بوعود “ع مدّ النظر” لا ولن تعبُر الأطلسي

 من هذه العجرفة، وتلك التأهُّبات القاتلة فينا، ما يجعلنا نعّلو على مَكّمن أوجاعِنا، فيعلو النقيق لا غير، وتفتك بنا بضع صرخات لإثبات الحضور لا أكثر، ونزدهي بتفوقنا على مصائب الآخرين بطمس مصائبنا بتداول النفاق والإكثار من النق.

أعجبتنا  “العمياء المزركشة” بِزَخَم إنتشارها، تَوَسُّعها، إمساكها بنا، بقدرتها على تحنية رقابنا. فرضت التوَجُّس وليس الحيطة. القلق وليس الحذر. التنبه لوجودها وليس لتَجَنُّبِها، الوعظ اليومي لمهالكها وليس لتفويت فرصة انقضاضها علينا. نَصُّب كراهيتنا لها، وتصُبُّ علينا ارتجاف حلولها ضيفاً لا نتمناه، جليساً غير أنيس ولا مؤنس، مُبلبلة لاستدارات رؤوسنا.. فمن أين أتت؟ أو ستأتي أو سَتحّط رِحَالها؟

ولكن من هِي؟ وكيف لها هذه القدرة على جعّلِنا بلهاء؟ بيننا وبينها فسحة لقاء بغير اتفاق.

لقد أقعَدَ وباء كورونا الإدراك في وعينا، وَأقّعدّنَا أنفُسَنا عن أننا “الشعب المتميز”، ولو بحفنة وقاية، وصرخة وعي، ورمشة تغيير، وسطوة حضور، وكمشة صدق، وحفنة تراب لا يطأها طامع وغاصب وكاذب بوعود “ع مدّ النظر” لا ولن تعبُر الأطلسي.. والأسانيد كثيرة في هذا الميدان المُشبَع بالأوبئة!

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  لبنان ما بعد الإنهيار.. الجوع، الخدمات، البدائل
منى سكرية

كاتبة وصحافية لبنانية

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
free online course
إقرأ على موقع 180  أوميكرون إنتشار أسرع.. مخاوف أقل ولكن