عند تصفح الإعلام الأميركي، نجد سيلاً من المعلومات تطال الملياردير الأميركي بيل غيتس مؤسس شركة مايكروسوفت ومؤسسته الخيرية Bill and Melinda Gates Fondation، بانه خطط منذ زمن طويل للقضاء على حوالي ١٥ بالمئة من سكان الولايات المتحدة، اي حوالي ٦٥ مليون نسمة، ومن ثم وتحت ذريعة اللقاح، تُزرع شريحة الكترونية في اجسام من يتم تلقيحهم من اجل تتبّعهم ومراقبتهم وتغيير نمط حياتهم.
ما زاد الطين بلة هو تصريح غيتس في ١٨ آذار/مارس 2020 وجرى تحريفه او استعمال شق منه يسمح بالإستنتاج انه قد تكون لديه نوايا في مراقبة الأميركيين مع وصول اللقاح. وقد قال يومها :”انه ستكون لدينا معطيات رقمية تسمح لنا بمعرفة من شفي كلياً من المرض او من حصل على فحوصات منذ فترة قصيرة وذلك عند حصولنا على اللقاح الفعّال”.
ولوحظ إنضمام عدد من كبار الإعلاميين ورجال السياسة المرموقين وبعض مستشاري دونالد ترامب السابقين مثل Laura Ingraham إلى جوقة الإتهام. الأخيرة اتهمت بيل غيتس بمحاولة مراقبة الأميركيين عن طريق الشريحة الإلكترونية. هذا المناخ الإتهامي سرعان ما إنتقل إلى الضفة الأخرى من الأطلسي وكُتبت عدة مقالات باللغة الفرنسية حول الموضوع تحت عنوان “هل انتم مستعدون لتكونوا متتبّعين بواسطة هذه الشرائح الإلكترونية المزعومة في اللقاح”؟
إضطر بيل غيتس للخروج عن صمته، نافياً هذه الأخبار وقائلا بأنَّه تطوّع منذ تركه شركة ميكروسوفت في العام ٢٠٠٨ لمحاربة الفقر والأمراض وتأمين اللقاحات في كل دول العالم، وخاصَّةً الفقيرة منها والافريقية منها تحديداً. وقد بدأ بالفعل بهكذا مهمات منذ ذلك التاريخ عبر مؤسسته الخيرية التي ذكرناها والتي تبلغ ميزانيتها حوالي ٤٥ مليار دولار، علما أن ثروته تقدر بنحو 100 مليار دولار. وما عرّضه للمزيد من الإشاعات إلى درجة إتهامه بقيادة المؤامرة انه ومع إندلاع ازمة كورونا، تبرّع بمبلغ ٢٥٠ مليون دولار لمكافحة ازمة كورونا ودفع مبالغ لمنظمة الصحة الدولية وساهم في دعم سبعة مختبرات تلعب دوراً كبيراً وفعّالاً في تطوير اللقاحات.
وفي موازاة الحملة التي تعرض لها بيل غيتس، راج الحديث في الولايات المتحدة عن نظرية “دفتر اللقاحات غير المرئي”، وهي نظرية تعمل على تطويرها إحدى مراكز الأبحاث في ولاية Massachusettes وتقوم على “إستعمال النانو تكنولوجي” للسعي لتطوير جهاز صغير جداً (Nanoparticules) يقوم الأطباء بحقنه تحت الجلد وهو ما سيحمل كل المعلومات المتعلّقة بكل اللقاحات التي تلقّاها الشخص وجدولة وتواريخ هذه اللقاحات وما الى ذلك من معلومات. وما أثار الشكوك عند من حملوا وسوّقوا لنظرية المؤامرة ان غيتس يموّل ويدعم هذا المركز.
وقد سارع غيتس للرد على الإتهامات، وقال ان تطوير هذه الدفاتر او الشهادات اللقاحية هو مشروع لا يهدف ابداً لمراقبة او متابعة الأشخاص لأغراض غير طبية بل انه سيستعمل فقط كباسبور او كإجازة سوق سيارة غير مرئية تعطينا معلومات اذا ما كان الشخص قد تعرّض للإصابة بفيروس كورورنا ام لا. واضاف ان الشهادة اللقاحية التي يتكلمون عنها ما هي سوى مادة مثل “الحبر” تُحقن تحت الجلد وهي قابلة للقراءة او المُساءلة بواسطة الهواتف الذكية من الجيل الجديد. وسوف يُستعان بها لمعرفة ما اذا كان الشخص تلقّى ام لا مجموعة اللقاحات المطلوبة منه. وهو برنامج كانت مؤسسته الخيرية قد بدأت به من العام ٢٠١٦ اي قبل سنوات من تاريخ ظهور فيروس كورونا. وان ذلك سوف يكون مفيد جداً لمعرفة التاريخ اللقاحي – خاصة عند الأطفال – في الدول الفقيرة جداً او في الدول النامية لأنه سيخفف من ضياع المعلومات وسيجعل كل الأطفال في تلك الدول يتلقون لقاحاتهم بطريقة دقيقة مع مراقبة مستدامة مما يمنع بعض الأطفال من التسرّب او عدم الحصول على اللقاحات الضرورية وهذا من من شأنه ان يُخفِّف بشكل كبير من نسبة الوفيات الكبيرة والمُقدّرة بحوالي مليون ونصف المليون طفل في تلك الدول.
وقد دافع ايضاً مسؤولون في مؤسسته الخيرية عن مشاريعه قائلين ان غيتس يسعى لإبتكار طريقة للتعرف على الفقراء والمشرّدين والأشخاص الذين لا يحملون او ليس لديهم اوراقاً ثبوتية مثلاً. وقالوا ان هذه الخطوة سوف تسمح بالتعرّف على هوية الآلاف من هؤلاء المشردين في المدن الفقيرة او الأحياء والضواحي الفقيرة القريبة او المحيطة بها.. وقد اختاروا مدينة Austin في ولاية تكساس للبدء بهذا مشروع.
غير أن المتوجسين من غيتس لم ولن تقنعهم أجوبته، بل ذهبوا بعيدا وقالوا انه سيستعمل اللقاح من اجل “تخفيض عدد سكان البشرية”، ويستعمل هؤلاء مقالة انتشرت في الولايات المتحدة في ٢١ كانون الثاني/يناير ٢٠١٦ ومفادها ان غيتس يريد ان يُخفّض عدد البشر في العالم عن طريق اللقاحات! ونبشوا له تصريحا قديما يعود للعام ٢٠١١ لشبكة CNN يقول فيه: انه مع إختراعنا للقاحات جديدة ومع تأكّدنا ان كل الأطفال الذين يحتاجونه سوف يحصلون عليه، سيكون بوسعنا تخفيض الوفيات عند الأطفال، محاربة او الحد من النمو البشري، وسنحافظ بذلك على الإستقرار وعلى البيئة!
وما عزَّز الشكوك تصريحه الشهير في سنة ٢٠١٠ والذي يقول فيه ان البشرية اليوم تبلغ ٦.٨ مليار نسمة وسترتفع الى ٩ مليار قريباً. واذا قُمنا بعمل جيد على اللقاحات والتأمين الصحي والخدمات الطبية، فسوف نكون قادرين على تخفيض هذا النمو بنسبة ١٠ الى ١٥ بالمئة!
آخر إستطلاعات الرأي في الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة تتبنّى بقوة نظرية المؤامرة التي يؤيدها ١٩ ٪ من الناخبين الديموقراطيين و٤٤ ٪ من الناخبين الجمهوريين
وإستخدمت ضد غيتس تصريحات له يقول فيها إن احد اهداف مؤسسته الخيرية هو التوصل إلى تباطؤ في نمو الأعداد البشرية لأن ذلك بحسب اقواله سوف يُحقِّق بعض التوازن وسيسمح لمن يبقون على قيد الحياة من الفقراء والجوعى في العالم بالحصول على خدمات صحية افضل وعلى حصص اكبر من الغذاء العالمي المتوفّر!
وهنا يظهر التناقض المُبين في كلامه فكيف سيحمي الأطفال بواسطة اللقاحات وكيف سيُخفِّف من نمو عدد البشر وهي نقطة ضعف قوية في خطاباته اخذت جدلاً كبيراً في الأوساط العلمية ونصحه البعض لماذا لا تلجأ لتشجيع اساليب منع الحمل في تلك البلدان بدل تشجيع اللقاحات ولكن لا اجوبة مقنعة من طرفه حتى الآن! وما زاد في الحيرة حوله وحول اهداف مؤسسته الخيرية ان مقالات عدة نُشرت في اميركا واوروبا تقول ان الهند منعت مؤسسته من العمل على اراضيها بسبب توزيعها لقاحات تسببت بتسمم ووفاة عدد كبير من الأطفال في الهند في سنة ٢٠١٧، علما أن الحكومة الهندية التي تحققت من الموضوع اعلنت ان لا علاقة لمؤسسة غيتس بالموضوع الذي جرى توظيفه ضدها بشكل غير مُحقّ وأشارت إلى ان غيتس كان بريئا من اية اذية لحقت بالأطفال الذين توفُّوا لأسباب لا علاقة لها باللقاح الذي دعم توزيعه!
عندما سألت إحدى شبكات التلفزة الصينية بيل غيتس عن كل تلك الحملات التي تطاله قال بالحرف الواحد: انه من البديهي ان شخصاً مثلي سخّر نصف ثروته تقريباً (٤٥ مليار دولار) لأجل تقديم الخدمات الصحية والسعي لمكافحة كل انواع الأمراض المعدية في العالم ولتطوير لقاحات لعدة امراض منها ايبولا والإيدز وغيرها وغيرها.. ان يتعرّض لهكذا إشاعات او حملات مُغرضة.
وفي آخر إطلالة تلفزيونية له في 24 تموز/يوليو، قال غيتس إن “كل ما نستثمر به في العمل الإنساني هو للتقدّم البشري ومحاربة الأمراض والفقر والمجاعة في العالم”.
نحن نكتفي بعرض ما قيل ضد غيتس وما قاله هو دفاعاً عن النفس وعن مؤسسته. لذلك، علينا ان ننتظر وأن نراقب وأن نبحث وندقق.. والتاريخ وحده الكفيل بكشف الأهداف النبيلة او الخبيثة التي خطط لها الرجل من وراء ضخ كل هذه الاموال في العمل الإنساني في سابقة تاريخية تُسجّل له دون غيره حتى تاريخ اليوم.
ثمة مفارقة أختم بها مقالتي مفادها أن آخر إستطلاعات الرأي في الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة تتبنّى بقوة نظرية المؤامرة التي يؤيدها ١٩ ٪ من الناخبين الديموقراطيين و٤٤ ٪ من الناخبين الجمهوريين!
(*) سباق دولي لإكتشاف لقاح لكورونا.. والنتائج واعدة