سنة على كورونا: إنتشار مخيف وسلالات جديدة (1)  

كلما حاولت إنهاء هذه المقالات المُخصّصة لواقع جائحة كورونا "في ذكرى مرور سنة على بداية إنتشار هذا الفيروس التاجي"، في مدينة ووهان الصينية في كانون الأول/ديسمبر 2019، تطالعني وكالات الأنباء بتقارير جديدة تجعلني في حيرة من امري وتدفعني إلى تحديث النص لجعله يُجاري التطورات العلمية اليومية.

سوف يتناول الجزء الأول من هذه المقالات، آخر المعطيات والإحصاءات الدقيقة المتوفّرة حالياً (حتى تاريخ اليوم) من مصادر عالمية موثوقة مثل “منظمة الصحة العالمية” و”جامعة جون هوبكينز الأميركية” او “المركز الأوروبي لرصد او مراقبة الأمراض والوقاية منها” حول واقع الجائحة لناحية اعداد الإصابات والوفيات في مختلف انحاء العالم، ثم سأحاول ان اتكلّم في الجزئين الثاني والثالث منها عما احدثته او من المُمكن ان تُحدثه “الطفرات الجينية المُتتالية” من تغييرات في شكل، تركيب، نظام عمل وإنتقال الفيروس، خاصة وان جميع الخبراء يُجمعون ان هكذا فيروسات مُكوّنة من الحمض النووي الريبوي RNA هي عرضة لطفرات جينية مُتكررة كلما تكاثرت بحيث يقول بعض الخبراء انهم احصوا حتى الآن اكثر من 12 ألف طفرة جينية مختلفة وانّ الكثير منها حصل بشكلٍ صامت دون اية مشاكل، ولكن الطفرات الأخيرة التي حصلت في السلالة البريطانية و/او الجنوب افريقية كانت لها آثار كبيرة، اهمها زيادة إمكانية إنتشار الفيروس ونقل العدوى بنسبة تتراوح بين ٤٠ و٧٠ ٪؜ وهذا ما يُعتبر مؤشر خطورة كبيرة.. واخيراً ماذا سيكون لكل ذلك من آثار على فعالية الأدوية واللقاحات المُستعملة لعلاج إلتهابات كوفيد-١٩ والسعي للحدّ من إنتشاره المُخيف.

ووفق آخر التقارير الصادرة عن “جامعة جون هوبكينز” الأميركية، يتبين أن فيروس كورونا قد قضى حتى تاريخ كتابة هذه المقالة على حياة 1.8 مليون نسمة، وتسبّب بإصابة حوالي 83 مليون إنسان في شتى أنحاء العالم.

وحسب آخر تقارير المركز الاوروبي لمراقبة الأمراض والوقاية منها (European Center for Disease  Prevention and Control) خلال الفترة ما بين 31 كانون الاول/ديسمبر 2019 و30 كانون الأول/ديسمبر 2020 (50 أسبوعاً)، سجّلت القارة الأميركية أعلى الأرقام برصد 33.866216 حالة (زيادة بنسبة 11% لعدد الحالات الجديدة وبنسبة 12% في عدد الوفيات). وأتت القارة الأوروبية في المركز الثاني بتسجيل 23.813330 حالة (38% من الحالات الجديدة). واحتلّت آسيا المرتبة الثالثة بتسجيل 17.232546 حالة وأفريقيا المرتبة الرابعة بتسجيل 2.511635 حالة من الحالات المكتشفة.

وقد سجلت الولايات المتحدة الأميركية الرقم الأعلى في العالم بـ 20.190923 حالة. لتحلّ بعدها على التوالي الهند 10.267283 حالة، البرازيل 7.619970 حالة، روسيا 3.131550 حالة، فرنسا 2.604595 حالة، بريطانيا 2.432888 حالة، تركيا 2.194272 حالة، ايطاليا 2.083689 حالة، اسبانيا 1.921115 حالة، وأخيرا ألمانيا 1.710992 حالة.

كذلك هناك ارتفاع كبير في عدد الإصابات عند الأشخاص البالغ عمرهم 65 سنة وما فوق في 10 دول من دول الإتحاد الأوروبي. كذلك الأمر على صعيد نسبة الوفيات في 17 دولة من دول أوروبا.

اما في جنوب شرق آسيا، فتُشير المعطيات الى تراجع الجائحة في معظم دوله منذ منتصف ايلول/سبتمبر 2020 بنسبة 13% للحالات الجديدة المُشخّصة وبنسبة 12% لأعداد الوفيات. ولكن بعض الدول مثل سريلانكا وماليزيا وتايلاند واندونيسيا وباكستان تشهد حالياً إرتفاعاً كبيراً في عدد الإصابات منذ منتصف تشرين الأول/أكتوبر 2020. كذلك الأمر بالنسبة لليابان التي تشهد هذه الأيام إرتفاعاً ملحوظاً في عدد الحالات.

وشهدت القارة الأفريقية تراجعاً كبيراً للجائحة في شهري تموز/يوليو وآب/أغسطس 2020، ثم حالة إستقرار نسبية في شهري ايلول/سبتمبر وتشرين اول/أكتوبر 2020، قبل أن تشهد حالياً إرتفاعاً قياسياً في عدد الحالات وذلك منذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر، حيث يُسجّل ارتفاع لعدد الحالات بنسبة 40% وللوفيات بنسبة 43%.

بالنسبة لدول اوقيانيا، فإن استراليا ونيوزيلّاندا تشهدان “حالة إستقرار وشبه سيطرة كاملة” على الجائحة لأسباب غير معروفة قد يكون من ضمنها بُعد هذه الدول عن دول العالم الأخرى ومساحاتها الشاسعة وقلّة الكثافة السكانية فيها خاصة في استراليا.

أما دول الشرق الأوسط، فإنها تشهد حالياً تراجعاً طفيفاً في عدد الإصابات، برغم ان الصورة هناك لا تزال متناقضة وضبابية الى حدّ ما، حيث نُلاحظ تقدّم الفيروس في بعض الدول مثل إيران والأردن وفلسطين والإمارات.

السلالة الجديدة

منذ إكتشاف أوّل حالة من “السلالة الجديدة” من فيروس كورونا في المملكة المتحدة والتي أشار الأطباء البريطانيّون أنفسهم إلى انها قد تكون ظهرت لأوّل مرة على أراضيهم في منتصف ايلول/ سبتمبر 2020، بدأت تنتاب الأوساط الطبّية والعلمية مخاوف من فقدان السيطرة على هذه الجائحة، خاصة في ظل رصد طفرات جينية جديدة عليها، وبالتالي سلالات جديدة قد تكون اكثر خطورة وسرعة في الإنتشار، مثل تلك التي ظهرت فعلياً في جنوب افريقيا او في نيجيريا او الهند من دون التثبت حتى الآن من صحة هذه المعلومات ومن مدى خطورة هذه السلالات الجديدة.

في الوقت نفسه، صار متعارفاً أنّ هذا الفيروس إكتُشِفَ في اكثر من دولة مثل: السويد (مريض قادم من بريطانيا)، هولندا، الدانمارك، استراليا، النمسا، بلجيكا، فرنسا، اسبانيا (مريض عائد من بريطانيا مع 3 من أفراد أسرته)، ايطاليا، المانيا (سيدة قادمة من بريطانيا إلى مدينة المانية لا تبعد سوى 50 كيلومتراً تقريباً عن ستراسبورغ عاصمة الإتحاد الأوروبي)، سويسرا، روسيا، ايسلندا، إيرلندا، سكوتلندا، اسرائيل، هونغ كونغ، سنغافورة، كندا، كوريا الجنوبية، الأردن، لبنان، الولايات المتحدة وتشيلي، بالإضافة إلى البلدان المذكورة أعلاه.

إقرأ على موقع 180  مصالح باريس تتقدم على عواطفها.. الخيار الثالث يتقدم لبنانياً

وعدا عن إلزامية الـ PCR، قررت معظم دول الإتحاد الأوروبي سلسلة تدابير قاسية جداً وصل بعضها حدّ الإغلاق الكامل لحركة الملاحة الجوية والبحرية والبرية مع بريطانيا أو على صعيد الدول نفسها لمنع تفشّي هذه السلالة الجديدة من الفيروس في هذه الدول. وفرضت دول اخرى إجراءات صارمة لمنع التجمّعات الكبيرة او حصرتها بعدد معيّن من افراد العائلة الواحدة بمناسبة عيدي الميلاد ورأس السنة. وفرضت بعض الدول منعا للتجوّل بين معظم مدنها ومقاطعاتها (ايطاليا، اسبانيا) وفي بعض فترات الليل حتى بداية الأيام الأولى من السنة الجديدة. وأعلنت السلطات الروسية أنها ستفرض “أسبوعين من الحجر الكامل” على كل القادمين من بريطانيا تحسباً لإنتقال السلالة الجديدة بشكل واسع إلى روسيا.

تبادل إتهامات

وما زاد من حيرة العلماء ومخاوفهم ان السلالة الجديدة المُكتشفة في جنوب افريقيا تختلف بشكلٍ اوّلي عن السلالة البريطانية وتحتوي على عدد اكبر من الطفرات الجينية. لذلك، قد تكون اكثر خطورةً لأنه ثبت حتى الآن انها تُصيب اكثر الأطفال والشباب.

واللافت للإنتباه أن وزيري الصحة في بريطانيا وجنوب افريقيا تبادلا الإتهامات حول مصدر الفيروس الأخير، فكان قرار بريطانيا حاسماً بمنع حركة الملاحة مع جنوب افريقيا في معرض تحميل الدولة الأفريقية ـ ومن دون اي دليل علمي دقيق ـ مسؤولية إنتشار السلالة الجديدة التي “خرجت عن السيطرة” بحسب وزير الصحة البريطاني، ليردّ نظيره الجنوب افريقي بقوله للبريطانيين:”حلّلوا جيداً المعطيات الموجودة لديكم وستجدون ان الفيروس ظهر في لندن او في جنوب شرق بريطانيا ومنها انتقل الى مختلف دول العالم”… وهذا ما تُؤكّده مُعظم التقارير لأن كل الحالات التي تمّ إكتشافها خارج بريطانيا تعود لأشخاص مُقيمين في بريطانيا او مرّوا فيها لفترات قصيرة او طويلة قبل أن يتوجهوا الى بلدانهم الأصلية.

اللقاح والسلالة الجديدة

في 27 كانون الأول/ديسمبر 2020، بدأ إعتماد لقاح شركتي “فايزر” الأميركية و”بيونتك” الألمانية في دول الإتحاد الأوروبي، بعد أن وافقت “إدارة الدواء في الإتحاد الأوروبي” على مُباشرة عمليات التلقيح، وذلك بعد ان تجاوز عدد الحالات في أوروبا وحدها العتبة الرمزية لـ 25 مليون اصابة منذ بداية إنتشار الجائحة. وحتى تاريخ بدء كتابة هذه المقالة ايضاً هناك عدة دول بدأت بعمليات توزيع اللقاحات بشكل واسع وهي: الولايات المتحدة الأميركية، كندا، بريطانيا، الصين، روسيا، الإمارات، على أن تكون الأولوية للمسنّين والأطقم الطبيّة والتمريضية ولمن يُعانون من امراض مُزمنة ومستعصية.

في هذه الأثناء، أعلنت اليابان عن إغلاق حدودها بشكلٍ مؤقّت بوجه كل الأجانب الذين لا يقيمون في اليابان، وذلك بعد أن تمّ اكتشاف 949 حالة من السلالة الجديدة في يوم واحد في طوكيو بتاريخ 26 كانون الأول/ديسمبر 2020، على أن يستمر الإغلاق من 28 كانون الأول/ديسمبر 2020 وحتى نهاية شهر كانون الثاني/يناير 2021.
وهذه أعلى حصيلة للإصابات تُسجّلها اليابان منذ بداية إنتشار الوباء والتي بلغ عدد المصابين فيها حتى الآن 226596 حالة، في المقابل، رفضت السلطات الروسية إعتماد سياسة الإغلاق التامّ، برغم أن الجائحة قضت على أرواح  أكثر من 56 ألف مواطن منذ بداية انتشار كورونا حتى الآن.

في الوقت ذاته، وفي النصف الشرقي من الكرة الأرضية، أعلنت السلطات الصينية منذ ثلاثة أيام عن إعادة إعتماد الإغلاق والحجر الكامل على أحد أحياء العاصمة “بكين” بعد أن تمّ إكتشاف 5 حالات جديدة من فيروس كورونا، وذلك بعد يوم فقط على إكتشاف حالتين جديدتين مُقيمتين. وطال الإغلاق في الوقت ذاته مدينتين صينيتين ثانيتين. وأعلنت السلطات الكوبيّة أنه على كل القادمين إلى كوبا إجراء فحص الPCR، قبل “72 ساعة من وصولهم إلى البلاد”، وذلك اعتباراً من 8 كانون الثاني/يناير 2021.  ذلك بعد أن سجّلت الجزيرة الكوبية أعلى نسبة إصابات هناك في الأيام الأخيرة.
في هذا الوقت، أعلنت سلطات المكسيك وتشيلي وكوستاريكا عن بدء عمليات التلقيح في 24 كانون الأول/ديسمبر 2020 بعد أن وصلتهم الدفعات الأولى للقاح “فايزر”/”بيونتك”.
يُشدد المسؤولون والخبراء في الدول الأوروبية وخاصة فرنسا وبلجيكا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا على ضرورة إجراء كميّات اكبر من الفحوصات الجينية وتحليل الحمض النووي للفيروس المنتشر والمتفشّي على اراضيها، كما هو الحال في بريطانيا، بهدف الكشف عن الطفرات الجينية التي لا مهرب منها وبهدف كشف السلالات الجديدة او المُختلفة التي قد تظهر من فيروس كورونا.

Print Friendly, PDF & Email
د. طلال حمود

رئيس ملتقى حوار وعطاء بلا حدود وجمعية ودائعنا حقّنا

Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  كورونا يعيد الإعتبار للقيم الإنسانية