نصرالله والحريري.. الإشتباك أم صناعة الأمل؟
Harissa, LEBANON: Christian Lebanese Forces (LF) supporters form with the hands the group's sign during a rally in the Maronite cathedral in Harissa in the Christian heartland, north of Beirut, 24 September 2006. LF leader Samir Geagea scoffed at Hezbollah's claims of victory in its devastating conflict with Israel at the rally attended by tens of thousands staged as a memorial for "martyrs" of his party members killed during Lebanon's 1975-1990 civil war. The rally came two days after Syrian-backed Shiite group Hezbollah held a giant demonstration in Beirut to celebrate "victory" in the July-August war with Israel. AFP PHOTO/MARWAN NAAMANI (Photo credit should read MARWAN NAAMANI/AFP via Getty Images)

يطل غداً رئيس تيار المستقبل سعد الحريري على جمهوره لمناسبة الذكرى الـ 16 لإستشهاد والده ويطل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الثلاثاء المقبل لمناسبة ذكرى القادة الشهداء (عباس الموسوي، راغب حرب وعماد مغنية).

لم يعرف الوطن العربي منذ زعامة الرئيس جمال عبد الناصر وهجاً لقائد، كما كان حالُ الأمين العام لحزب الله بعد التحرير ثم انتصار المقاومة اللبنانية عام 2006 في حرب الـ 33 يوماً. ذهبت عائلاتٌ عربية كثيرة من بيروت حتى نواكشوط الى تسمية أبنائها باسم السيد حسن نصرالله. رُفعت صورُه في الساحات وتقدّمت راياته التظاهرات. صارت عبارته الشهيرة :”انظروا اليها تحترق” شعاراً لتحوّل مفصلي في الصراع المرير مع اسرائيل. تململ قادةٌ عربٌ كثيرون من هذا الوهج فتم تسويقُ شعار:”الهلال الشيعي” لشيطنة المقاومة ومذهبتها.

في الوقت نفسه، لم يعرف قائدٌ لبنانيٌ أيضا، حضوراً وعلاقاتٍ دولية متنوّعة وانتشاراً داخلياً وعربياً، بقدر ما كان عليه حالُ الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فهو في يوم واحد، كان يستطيع تناول فطوره مع الرئيس جاك شيراك وغداءه مع رئيس وزراء باكستان، وعشاءه عند الرئيس حسني مُبارك. ولم يعرف لبنان رئيس حكومةٍ قدّم كل تلك المنح التعليمية لآلاف الطلاب، وأيقظ بيروت من تحت الركام، وأيقظ معها الاحلام، وأنعش الحركة الاقتصادية وآمالاً كثيرة في لبنان بعد حربه الأهلية الطويلة والدامية، برغم انقسام اللبنانيين بين مؤيد بعمق له ومشكك بأهداف مشاريعه.

كان لذاك الوهج الشيعي-السُنّي احتمال جعل لبنان فعلاً الدولة الأكثر قوة سياسياً وأمنياً واقتصادياً بالتعاون مع العمق المسيحي السياسي والمالي والثقافي، لو أن الأمور سارت على طريق تنفيذ الأحلام ولم تغرق في أتون الأوهام. ولو لم يتم اغتيال الحريري قبل انتصار 2006 بنحو عام.

جاء اغتيالُ الحريري ووهجِه  أيضا بعد عامين على غزو العراق. في تلك السنوات التي سبقت وأعقبت الاغتيال، وما سبقها من اعتداءات ارهابية على برجي التجارة في نيويورك عام 2001، انقلب المشهدُ رأساً على عقب: أطلّت الفتنة السُنيّة-الشيعية برأسها القبيح، وصار الاسلام بمجمله تحت مجهر الادارة الاميركية بقيادة جورج بوش الابن الذي نصّب نفسه داعيا للخير ضد ما أسماه “محور الشر”. فكان نصيبُ لبنان من الفتنة أكثرها.

المنطقة العربية مُستعدة دائما لفخاخ الفتن، هي تسقُط فيها مع كل زمن، فيُصبح شحذُها بدعم حليف خارجي أهم من الوطن، وتزداد على الشعوب المآسي والمِحَن، من العراق ولبنان الى سوريا والبحرين واليمن.

لا داعي لذكر كل ما حصل في هذه الحقبة، فهو من صُنع أهل المنطقة وليس من المريّخ. لكن ماذا الآن:

  • غداً الأحد سيُلقي الرئيس سعد الحريري الذي ورث جزءاً من مال والده وكل ّعلاقاته على طبق من ذهب. وهو بعد جولته الى مصر والامارات وفرنسا وتركيا، عاد أكثر تشدّدا بمواقفه حيال تأليف الحكومة، وقال ان لا تنازلات ولا تغيير في الموقف. لعلّه كان بحاجة لهذه الجولة كي يستعيد شيئا من الدعم، ويستعيض عن الغياب السعودي المقلق.
  • يوم الثلاثاء المقبل يُلقي الأمين العام لحزب الله خطاباً، سيكون الاطلالة رقم 25 له منذ عام تقريبا بين خطاب وكلمة متلفزة وحوار. واذا كان لهذه الاطلالة علاقة بذكرى الشهداء، الا أنها تأتي في ذروة انسداد الأمل بتأليف حكومة، وبعد تعرّض الحزب لسلسة من الاتهامات الاعلامية والسياسية المركّزة في أعقاب اغتيال الناشط السياسي والناشر لُقمان سليم.

كيف سيرد السيد نصرالله على المشكلة الأهم حاليا في الوطن، أي عقم تأليف الحكومة؟ هل سيدافع عن الرئيس عون وتياره، على اعتبار انه ليس المسؤول الوحيد عن هذا التعطيل وان خصومه الكثيرين في الداخل والخارج يعيقون ذلك؟

يقول أمين عام تيّار المستقبل أحمد الحريري ان ما قاله الرئيس سعد الحريري في قصر بعبدا أمس (الجمعة) هو غيضٌ من فيض ما سيقوله في ذكرى 14 شباط. فهل أن سعد الحريري سيرفع مستوى الاتهام السياسي لمن يعتقد انه يعرقل التأليف، أي الرئيس ميشال عون ورئيس التيار الوطني جبران باسيل، وسيؤكد على ثوابت المبادرة الفرنسية، وعلى أن المعرقلين يتحمّلون مسؤولية انهيار البلد؟ أم يكتفي بتقديم نفسه ضحية لما يُحاك؟

اذا رفع الاتهام، فهو حتما سيلقى ردا مباشرا وقاسيا من القصر الجمهوري اذا كان اتجاه الأمور هو للتصعيد وتبادل الاتهامات بالمسؤوليات.

من جهة ثانية، فان تيار المستقبل حمّل بشكل غير مباشر حزب الله جزءا من مسؤولية اغتيال لقمان سليم قائلا في بيانه ان هذا الاغتيال”​ في احدى قرى الجنوب​ جريمة مدانة ‏برسم الدولة​ والقوى المحلية المعنية بامن القرى الجنوبية”، ثم ذهب نائب رئيس تيار المستقبل مصطفى علّوش الى اتهام مباشر بقوله:”من المنطق اتهام حزب الله باغتيال لقمان سليم”.

لكن حتى الآن، لا يبدو أن الحريري راغب بأي اتهام سياسي للحزب لأن ذلك سيقطع كل الجسور، والرجل كما الحزب بحاجة الى التعاون في هذه المرحلة لا إلى التنافر.

هل يردّ السيد نصرالله على الاتهامات في  خطابه، فبيان الاستنكار الذي وزّعه حزب الله بعد هذه الجريمة، لم يوقف كرة ثلج الاتهام التي شابهت تلك التي قيلت بعيد اغتيال الحريري، والذي لمفارقات التاريخ وعجائبه جرى في شهر شباط/فبراير نفسه عام 2005. قد يرد على موجة الاتهام لتصويب الأمور وشرحها خصوصا ان السفيرة الاميركية تعمّدت الدخول الى الضاحية قبل أيام للمشاركة في التشييع، او يتجاهل الأمر.

إقرأ على موقع 180  الحرب المريرة.. تآكل الردع من العاروري إلى "الضربة الكبرى"!

لكن كيف سيرد السيد نصرالله على المشكلة الأهم حاليا في الوطن، أي عقم تأليف الحكومة؟ هل سيدافع عن الرئيس عون وتياره، على اعتبار انه ليس المسؤول الوحيد عن هذا التعطيل وان خصومه الكثيرين في الداخل والخارج يعيقون ذلك؟ من هم تحديداً هؤلاء الخصوم؟ فهذه بحد ذاتها مشكلة. هو حتما سيدافع عن عون، لكنه ليس راغبا بتحميل الحريري المسؤولية.

ثمة فرصة محلية واقليمية ودولية قائمة الآن، للتوافق، لو ضاعت، فان البلد الذي ضاع اقتصاديا وماليا، سيغرق في أتون لعبة الشوارع ومشاكل الأمن التي تخدم الجميع الا لبنان

ثم لا شك ان توقيت خطاب نصرالله بعد يومين على خطاب الحريري، سيعطيه هامشا واسعا، لرفع مستوى حماية العهد، أو للحديث الهادىء عن التسويات المطلوبة.

فصل الخطاب:  

 على أهمية كل ما سيقوله الرئس الحريري الأحد، والسيد نصرالله الثلاثاء  وهما سيعكسان ملامح المرحلة المقبلة، فان اللبنانيين ينتظرون في الواقع التالي:

  • هم يريدون أملاً ابتعد حتى ما عاد يُرى لا بالعين المجردة ولا حتى بالمجهر.
  • هم يئسوا من الخلافات السياسية ومن الصراع العوني ـ الحريري الذي يخفي وراءه صراعات أوسع محليا واقليما ودوليا.
  • المؤيدون سيصفقون لهذا الخطاب وذاك الخلاف، بسبب الموروث العاطفي والانتماء المذهبي والايديولوجي والسياسي، لكنهم حتما، يتشاركون جميعا في الهم والبؤس والفقر والمرض والقلق على مصيرهم ومستقبل أولادهم وعلى بقاء الوطن برمّته.
  • ما عاد اللبنانيون يريدون سماع الاتهامات والتبريرات. هم فقدوا الايمان بالسياسة والسياسيين. ويريدون حلولا تُقال وتُنفّذ.
  • لا يهم المواطن العادي أكان الوزير شيعيا او سنيا او مسيحيا او درزيا أو أرمنيا، هم يريدون وزيرا يؤمن قوت يومهم بكرامة، والحد الأدنى من طبابتهم بكرامة، ويعيد اليهم شقاء العمر الذي صار دولارت معتقلة في المصارف. هم يريدون شيئا من تعليمهم وكهربائهم ومائهم وهواتفهم بثمن معقول.
  • لم يعتد لبنان على اسرائيل، وانما هي اعتدت وجارت وقتلت وما تزال تخترق سماء الوطن كل يوم، فكان طبيعيا أن يثور ابناء الأرض الطبية من الجنوب حتى البقاع ويطردوها، ومن الطبيعي أن يبقى لبنان قويا لصد اختراقات اسرائيل اليومية. لا أحد عنده ذرة كرامة يناقش في هذا الأمر، لكن في لبنان مَن كبُرت في داخله رغبة التطبيع بسبب اليأس من الأوضاع. هذه ستكون كارثة على الحزب والمقاومة لو توسّعت وصار لها دعاتها ومؤسساتها واعلامها وشعبيتها. كلما تأخرت الحلول ستزداد هذه الدعوات التي تتغذى بمناخ اقليمي ودولي معروف.
  • لا يوجد لبناني عنده ذرة ضمير يكره الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي أنعش آمالا تنموية ونهضوية عريضة، حتى ولو أن البعض عارض خططه واتهمه بالتأسيس لانهيار الليرة وبناء اقتصاد وهمي. لكن تركة الرئيس الشهيد تضيع، وكثيرا ممن سيستمعون الى خطاب سعد الحريري غدا، ما عادوا مقتنعين بجدوى الكلام ما لم يتبعه مشروع واضح وآلية للتنفيذ. غير ذلك سيكون كارثة على تيار المستقبل والحريري نفسه.
  • الناس جاعوا وضاعوا، هم يريدون أملا، يحتاجون الى من يربّت على أكتافهم، لا الى جيوش الكترونية تثور ضدهم كلما اعترضوا.
  • الأوضاع الاقليمية والدولية ما تزال شديدة الغموض، لا أحد غير الله يعرف كيف ستتطور. سقط لبنان مراراً بأوهام التطورات الخارجية. كثيرٌ من الذين راهنوا على تلك المتغيرات، خسروا وساهموا بخسارة لبنان وانتهاء وظائفه وافقار شعبه وايقاظ الفتن النائمة.
  • الناس في لبنان يريدون من يقول لهم: هذا مشروعي للحل، وهذا برنامجي للتنفيذ، فيمسح دمعة امل ثكلى، ويزيل همَّ اب مهجوس بتأمين قوت أولاده، وعذابَ مريض يحتضر على ابواب المستشفيات، وقلقَ موظف يعرف أن أمامه فقط أشهر قليلة فقط قبل أن يضم الى قوافل العاطلين عن العمل في بلد تخطى فقره عتبة الستين بالمئة.

أيها السيد والرئيس، حبّذا لو تجتمعان، وتذهبان مع رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى القصر الجمهوري، فتُعلنون جميعاً من هناك بداية حل لبناني داخلي بمشروع واضح وبرنامج تنفيذي واضح. أقفلوا الأبواب على كل الخارج، مهما كانت نوايا ذاك الخارج صافية او مشبوهة، وقدّموا للناس مشروعا من انتاجٍ لبناني لحل معقول ومقبول.

ثمة فرصة محلية واقليمية ودولية قائمة الآن، للتوافق، لو ضاعت، فان البلد الذي ضاع اقتصاديا وماليا، سيغرق في أتون لعبة الشوارع ومشاكل الأمن التي تخدم الجميع الا لبنان.

Print Friendly, PDF & Email
سامي كليب

صحافي وكاتب لبناني

Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  لبنان بعيون عربية