“نفسٌ” فرنسي لمائة فنان لبناني دعماً لنشاطهم الإبداعي

جائحة كورونا بكل تداعياتها؛ الإنهيار الإقتصادي والمالي في لبنان؛ إنفجار مرفأ بيروت؛ وأزمة سياسية مفتوحة. هل يحتاج اللبنانيون إلى مآسٍ جديدة للإختيار بين صمود مفتوح على المجهول أو هجرة مشرعة أيضاً على البداية المجهولة؟

برغم التحوّل الكبير الذي شهده القطاع الفني في كل أنحاء العالم بسبب تداعيات فيروس كورونا وتأثيره السلبي المتفاقم حتى اليوم على معظم النشاطات الثقافية الحضورية من مسارح ومعارض ومتاحف وصالات سينما وحفلات غنائية ومهرجانات وغيرها من ندوات ثقافية وأمسيات؛

وبرغم سرعة اندماج الفنانين والمبدعين في المشاركات الافتراضية وابتكارهم اساليب جديدة تعتمد على التواصل الالكتروني لعرض أعمالهم الفنية؛

وبرغم مأساة إنفجار مرفأ بيروت التي قلبت حياة اللبنانيين رأسا على عقب، وأدت إلى تضرّر معظم الصالات والمعارض والمسارح الثقافية والفنية ولو بشكل متفاوت، تبعاً لقربها المكاني من الانفجار (تدمير كامل) أو بعدها المكاني (تدمير جزئي أو تضررها)؛

وبرغم الأزمة الاقتصادية التي يرزح اللبنانيون تحت وطأتها منذ 18 شهراً؛  أطلت مبادرة نوعية قدمها المعهد الثقافي الفرنسي كجزء من المبادرات الدولية  التي تهتم بدعم الفنانيين اللبنانيين الشباب  في محاولة لتخفيف المعاناة الإستثنائية التي يعيشونها. عن هذه المبادرة، تحدثت إلينا مديرة المعهد الثقافي الفرنسي السيدة ماري بيسكاي على الشكل الآتي:

-هل يمكن تعريف القراء على هذا المشروع؟

 يهدف  مشروع  “نفس” (“التنفس” باللغة العربية) إلى تمكين 100 فنان/ فنانة في لبنان من الحفاظ على نشاطهم الإبداعي في اطار التبادلات الثقافية وذلك عبر توفير “إقامات” لاستقبال فنانين من لبنان في فرنسا بدءاً من شهر آذار/ مارس 2021 الحالي وحتى شهر آذار/ مارس 2022، وبالتالي فتح الباب أمام الكتّاب، السينمائيين، الموسيقيين، مصممي الأزياء، مصممي المجوهرات، الرسامين والنحاتين والمسرحيين وغيرهم من المبدعين في المجالين الثقافي والفني لتقديم اقتراحاتهم.

-ما هي خلفية هذا المشروع؟

في سياق العلاقة الثقافية المشتركة بين فرنسا ولبنان، بدأ المعهد الفرنسي ملاحظة تراجع المشهد الفني اللبناني منذ 2020، بسبب تأثيرات الأزمة الاقتصادية والمالية والصحية، ولذلك فكرنا بتغيير اسلوب الدعم الفرنسي للقطاعات الفنية اللبنانية، لكن بعد حدوث انفجار المرفأ وما شكّله من صدمة للمجتمع اللبناني بشكل عام وللقطاع الفني بشكل خاص، بدأنا نركّز على دعم المبدعين بعد أن اصبح  انجاز وعرض أعمالهم الفنية صعباً. بمعنى آخر، أغلقت المسارح والمتاحف والمراكز الثقافية والفنية أبوابها بفعل تراكم الأزمات وأصبح المستقبل غامضاً أمامهم.

ما هي تفاصيل المشروع؟

المشروع هو جهد تعاوني مشترك لكل من المعهد الثقافي الفرنسي وزارة الثقافة الفرنسية ووزارة الخارجية الفرنسية بحثاً عن حلول توفر دعماً كبيراً للمبدعين في لبنان. يعتمد برنامج “نفس” على اجزاء ثلاثة يمكنها توفير امكانيات عديدة لاقامة اللبنانيين في فرنسا حسب قطاعاتهم الفنية وأماكن اقامتهم ومدّتها.

الجزء الأول من البرنامج يعتمد على شبكة المراكز الثقافية، وهي عبارة عن ثمانية عشر مركزاً تنتشر على كافة الأراضي الفرنسية، وهذه المراكز تعنى باستقبال الشخصيات التي تنخرط في المجالات الفنية كافة ومن مختلف انحاء العالم ومن ثم تنظيم لقاءات بينها وبين الجمهور الفرنسي المحلي وبالتأكيد متابعة تأثير ردودّ فعل هذا الجمهور على اسلوب عمل الفنان وكيفية تطويره وتحسينه لمواكبة الأذواق الجديدة التي يمكنها متابعة أعماله، علماً أن إقامات الفنانين اللبنانيين ستكون حسب اختصاصاتهم ومتناسبة مع التنوع الفني والثقافي للاقاليم الفرنسية.

الجزء الثاني يرتبط بعمل المعهد الفرنسي في باريس مع الكثير من المؤسسات الفنية الفرنسية ومنها مؤسسات خاصة وعامة، مثل المسارح والمدينة الدولية  للفنون في باريس “cite internationale des arts de Paris” التي تعمل على “تأمين اقامة سكنية ومرافقة مهنية يتخللها تقديم النصائح والمشورات والاقتراحات من متخصصين وخبراء ومهتمين  بالمجالات الفنية من خلال توفير الوقت للفنانين اللبنانيين لاكتشاف تقنيات وأفكار واساليب عمل جديدة في مجالاتهم.

الجزء الثالث يرتكز على تنسيق المعهد الثقافي الفرنسي في لبنان مع مؤسسات فرنسية لديها خبرة في العمل مع السياق اللبناني ودعم المشاريع الفنية الخاصة والفردية. على سبيل المثال، قدمت رسّامة لبنانية اقتراحاً لكتاب هزلي وحصلت على دعم من المعهد للاقامة في فرنسا وتطوير مشروعها.

-كيف سيشكّل مشروع “نفس” عاملاً جاذباً للشباب اللبناني برأيك؟

جمعينا نعرف الضغط الذي يعيشه اللبنانيون، اليوم، ولا سيما الشباب، وفكرة المشروع وحتى تسميته “نفس” تهدف إلى اعطاء أمل جديد ونفس جديد، يشكل دافعاً للمبدعين اللبنانيين للمضي قدماً في مسيرتهم، ومن خلال هذا المشروع تدعم فرنسا التنوع وحرية التعبير، ما يعكس تطلعات قطاعات كبيرة من اللبنانيين، من جميع الطوائف والمناطق.

ولعل أهم ما في هذا المشروع هو انتاج تبادلات وتجارب فنية دائمة بين المشهدين الفنيين الفرنسي واللبناني، في جميع قطاعات الإبداع المعاصر، من خلال عقد لقاءات وحوارات بين الفنانين اللبنانيين وخبراء فرنسيين، ما يمنحهم وقتًا ثمينًا للتفكير والتجريب وإنشاء وإثراء خبراتهم الفنية. كما أنها ستكون بمثابة رافعة في مسيرة الفنانين من خلال تسهيل وصولهم إلى شبكات مهنية جديدة وجماهير جديدة.

إقرأ على موقع 180  سلاح الدولار.. لا يُميِّز بين صديق وعدو!

-من هم منظمّو هذا المشروع؟

تضافرت الجهود العملية والمادية لكل من وزارة الثقافة الفرنسية (MCC) ووزارة الخارجية الفرنسية (MEAE) وشبكة المراكز الثقافية للقاءات بالتعاون مع المعهد الفرنسي في باريس وبالتنسيق المباشر مع المعهد الفرنسي في لبنان لاتمام هذا البرنامج.

هل هناك شروط للمشاركة؟

لا توجد شروط حول السن. يمكن مشاركة المبدعين من كل الأعمار ومن جميع أنحاء لبنان، ومن جميع التخصصات الفنية (الفنون المرئية، والكوميديا، والسينما، والرقص، والموسيقى، والمسرح، وفنون الشوارع، والأزياء/ التصميم، والكتابة، والحرف اليدوية، وما إلى ذلك). ويمكن للمهتمين تقديم طلباتهم عبر الموقع الاكتروني للمركز الثقافي الفرنسي: (https://institutfrancais-liban.com/blog/programme-de-residences-nafas-troisieme-appel-a-candidatures-arts-en-residence/)

-هذا المشروع يتزامن مع إستمرار جائحة كورونا، هل هناك اجراءات خاصة؟

بالتأكيد هناك اجراءات، وسيتم تنفيذ هذا البرنامج بأقصى قدر من اليقظة في ما يتعلق بالحالة الصحية. يظل عقد الإقامات خاضعًا للشروط والتعليمات الصحية في تاريخ بدء الإقامة. بكل الأحوال، اتمنى ان نتغلب على جائحة كورونا وأن يصبح الوضع في لبنان أحسن وأن يعود البلد إلى صورته الجميلة وأتمنى أن يحظى مشروع “نفس” بنفس النجاح الذي حققه مشروع “فيلا القمر” في بداية هذه السنة والذي سمح لثلاثة مشاريع فرنسية  فائزة في الاقامة في مركز المعهد الثقافي الفرنسي في بلدة دير القمر في قضاء الشوف لانجاز مشاريعهم الفنية بالتعاون مع الفنانين اللبنانيين والسكان المحليين.

جميعنا يعرف أن لبنان أصبح مقبرة لأحلام الشباب والمبدعين والعقول النيرة ومن استطاع منهم سبيلاً غادر البلد خالي الوفاض بحثاً عن بداية جديدة، ومن لم يستطع، لا زال يغلق عيناه أمام مشهد الزجاج المتناثر وأذناه تطنان بدوي الانفجار المرعب وأنفاسه تعبق برائحة الأمونيوم والذل، وعلى رغم الشلل الذي أصاب حياتهم، تأتي هذه المبادرات الدولية لتعطيهم دفعاً جديداً للمضي قدماً، حتى تعود بيروت عاصمة الثقافة والفن والحياة.

Print Friendly, PDF & Email
مايا ياغي

صحافية لبنانية

Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  توماس فريدمان: لو قُدِّرَ لكماماتنا أن تتكلم