غريغ ميلر، هو مراسل استقصائي لصحيفة “الواشنطن بوست”، يقيم في لندن. حاز مرتين على جائزة “بوليتزر” للصحافة. وهو مؤلف كتاب “المبتدئ” الذي يناقش ما يسمى “الدور الروسي” في الإنتخابات الرئاسية الأميركية في العام 2016، والتي فاز فيها الرئيس السايق دونالد ترامب ضد المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون.
نشر “وثائق باندورا” ليس فقط مجرد عمل مهني، على أهميته؛ الأمر يتصل بالقدرة على الحصول على وثائق بالتفصيل حول كيفية عمل شركات (الأوف شور) التي تقدم خدمات مالية سرّية وتشكل ملاذات ضريبية، والثروات السرّية لبعض أكثر الشخصيات نفوذاً وقوة على أرض هذا الكوكب.
ويكتسب الحديث عن ممتلكات الملك عبدالله الثاني في هذا التوقيت بالذات أهمية إستثنائية، ذلك أن الرجل كان هدفاً لمحاولة إنقلابية كشفت عنها الصحافة الغربية قبل شهور قليلة، وتبين أن جهات عديدة تتقاطع في الأهداف من وراء محاولة خلع عبدالله الثاني لمصلحة ولي العهد السابق الأخ غير الشقيق الأمير حمزة بن الحسين.. ومن بين هذه الجهات كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة وحكومة بنيامين نتنياهو في إسرائيل، فضلاً عن الإدارة الأميركية السابقة، وتحديداً جاريد كوشنير صهر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
يأتي كشف الوثائق أيضاً في لحظة إقليمية يحاول فيها الأردن لعب دور إقليمي، في ساحات عديدة، منها سوريا والعراق ولبنان والسلطة الفلسطينية، فضلاً عن إستمرار حالة التناغم بين القيادتين الأردنية والمصرية.
ماذا يقول تقرير “الواشنطن بوست” الذي أعده غريغ ميلر؟
“بينما كانت تتدفق مليارات الدولارات من المساعدات الأميركية على الأردن على مدى العقد الماضي، كانت هناك حسابات مالية سرّية تتسرب في الاتجاه المعاكس، حيث أنفق العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، الملايين لشراء منازل باهظة الثمن من أجل إقامة إمبراطورية عقارية في المملكة المتحدة والولايات المتحدة.
باستخدام شبكة واسعة من “حسابات الأوف شور” (offshore accounts)، ذات المعاملات المبهمة والسرّية، اشترى عبدالله عقارات فخمة على سواحل أميركية وبريطانية بأموال لا يزال مصدرها غير واضح، وفقاً لمجموعة من الوثائق المالية التي تم الحصول عليها حديثاً، والتي يطلق عليها اسم “وثائق باندورا” (*).
وبين العامين 2014 و2017، أنفقت الشركات المرتبطة بالملك عبدالله ما يقرب من 70 مليون دولار على ثلاثة منازل متجاورة تطل على المحيط الهادئ في جنوب ولاية كاليفورنيا، وفقاً للوثائق وملفات أخرى، مما شكل أحد أكبر المجمعات الخادعة في جيب المشاهير في ماليبو في ولاية كاليفورنيا الأميركية.
ووسط محيط المنازل الثلاثة يوجد قصر مساحته 14000 قدم مربع على طراز البحر الأبيض المتوسط، يحتوي على سبع غرف نوم وتسعة حمامات، وصالة رياضية، ومسرح، ومنتجع صحي خارجي، ومسبح لا متناهي – كلها تقع على أكثر من 3 فدادين من الممتلكات الساحلية الرئيسية.
سبق ذلك عملية شراء مماثلة في العاصمة واشنطن، وتحديداً في حي جورج تاون الراقي، حيث تُظهر الوثائق أن عبدالله أنفق ما يقرب من 10 ملايين دولار لشراء شقق سكنية فاخرة مع إطلالات واسعة على نهر بوتوماك. ويُقال إن هذه الشقق لها علاقة بنجل الملك ولي العهد الأمير الحسين الذي كان يدرس في جامعة جورج تاون في ذلك الوقت.
تزامنت عمليات الشراء في الولايات المتحدة مع موجة شراء دولية. استحوذ عبدالله أيضاً على ما لا يقل عن ثلاث شقق سكنية فخمة بملايين الدولارات في لندن، وهي عقارات جمعها مع عقار رابع يمتلكه بالفعل لإنشاء مجمع سكني متراص بالقرب من قصر باكنغهام. وهذه الممتلكات يُضاف إليها مسكنان في منطقة كنسينغتون ومنزل ريفي بالقرب من قلعة وندسور.
المخاوف.. والإنقسامات!
بشكل عام، أنفق الملك أكثر من 106 ملايين دولار في شراء عقارات مملوكة لشركات وهمية مسجلة له وحده، وليس للعائلة المالكة أو المملكة الأردنية. معظم هذه العقارات تم شراءه خلال السنوات العشر الماضية، أي بالتزامن مع تدهور الأوضاع الاقتصادية في الأردن، وتزايد الإحباط العام في المجتمع الأردني جراء تفشي الفساد المشتبه به في محيط الملك، وتزايد عدم الاستقرار السياسي الذي بلغ ذروته هذا العام بمؤامرة انقلاب مزعومة، عندما تم اعتقال الأخ غير الشقيق للملك (الأمير حمزة) و18 آخرين في حملة قمع كشفت الانقسامات الداخلية التي تهدد قبضة عبدالله على السلطة أكثر من أي وقت آخر في فترة حكمه التي تستمر منذ عقدين من الزمن، وهذه الوثائق المسربة ستُعزز المخاوف بشأن مآلات الفساد، كما يقول بروس ريدل، وهو مسؤول كبير سابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية وخبير في شؤون الأردن.
قد لا يكون إنفاق عبدالله غريباً بالمعايير الباهظة لملوك الشرق الأوسط. و”ربما كل مشترياته المسرفة قد لا تساوي قيمة فاتورة تسوق واحدة ينفقها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في فترة ما بعد ظهر يوم واحد، الذي قيل إنه أنفق ذات مرة 450 مليون دولار على لوحة ليوناردو دافنشي (تبين لاحقاً أنها مزورة وليست الأصلية) ليعرضها في يخته الخاص”، بحسب مسؤول أميركي سابق، تحدث إلى “واشنطن بوست” شريطة عدم الكشف عن هويته، مشيراً إلى حساسية العلاقات الأميركية ـ السعودية.
لكن على عكس ممالك الخليج الغنية بالنفط، فإن الأردن من أفقر البلدان في الشرق الأوسط. ليس لديه احتياطيات كبيرة من النفط والغاز، والأراضي الصالحة للزراعة قليلة جداً، وإمدادات المياه غير كافية، ولديه ميناء بحري واحد في منطقة بعيدة ولا تساعد في أن يكون هذا الميناء ذي فائدة اقتصادية كبيرة.
“أسباب أمنية”!
في العام الماضي، تلقى الأردن 1.5 مليار دولار من الولايات المتحدة وحدها، وهذا يجعل من المملكة الأردنية ثالث أكبر متلقٍ للمساعدات الخارجية الأميركية، بعد إسرائيل وأفغانستان. ويقول مسؤولون أميركيون إن هذا “التمويل” يتم تتبعه ومراقبة كيفية صرفه بجدية شديدة، في محاولة تأكيد منهم أنهم لم يجدوا أي دليل على أن أياً من هذه الأموال تُصرف في غير الغرض الذي من أجله مُنحت للحكومة الأردنية.
محامو الملك لم ينكروا أن الملك لديه ممتلكات أجنبية خارج المملكة، لكنهم في الوقت نفسه يدافعون بقوة عن ما يُصرون على أنها “ممتلكات للإستخدام الشخصي”. وفي رد على طلب للتعليق تقدمت به “الواشنطن بوست”، قال محامو الملك إن المعلومات المتعلقة بممتلكاته ليست دقيقة أو حديثة. وقالوا إن جميع ممتلكاته في الخارج تم شراؤها من خلال ثروته الشخصية التي يستخدمها أيضاً لتمويل مشاريع تعود بالنفع على المواطنين الأردنيين.
وتكشف “وثائق باندورا” استخدام عبدالله شركات “الأوف شور” (ملاذات ضريبية) “لأسباب أمنية”. وجاء في رد مكتب المحاماة أن عبدالله وأسرته “يتعرضون لتهديدات من جماعات إرهابية وغيرها من الجماعات المزعزعة للاستقرار. وإذا ما عُرفت ملكيتهم لممتلكات معينة سيشكل ذلك تهديداً واضحاً لأمن وخصوصية [عبدالله] وأسرته”، مضيفاً أن “البائعين أنفسهم قد يطلبون أسعاراً متضخمة إذا عرفوا بهوية الشاري”.
وتظهر الوثائق أن عبدالله، 59 عاماً، أمضى سنوات في تجميع شبكة من ما لا يقل عن 36 شركة واجهة (أوف شور) وصناديق ائتمانية وكيانات أخرى، وذلك بمساعدة محاسبين ومحامين في ولايات قضائية تشمل سويسرا وبنما وجزر فيرجن البريطانية. وتحدد مذكرة لإحدى الشركات (Alcogal) أن “عبدالله الحسين” هو أحد عملائها، وعنوانه “قصر رغدان”، اي قصر الملك في العاصمة الأردنية عمان.
وقد قام الملك عبدالله بزيارات قصيرة فقط إلى الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، بما في ذلك رحلة هذا العام تضمنت توقفه في واشنطن العاصمة وايداهو. وقال المسؤولون الأميركيون الذين يعرفون عبدالله إنه مولع بساحل كاليفورنيا.
عميل واحد
وتكشف “وثائق باندورا” عن المدى غير المعتاد الذي ذهب إليه الفريق المالي لحماية أسرار عبدالله. ففي العام 2016، ضغط مستشار مالي لعبدالله لمراجعة اللغة في مذكرة “شروط العمل” مع شركة المحاماة Alcogal لتقييد متى ولمن سيتم الكشف عن اسم الملك، وفقاً للوثائق. التغييرات كان قد طالب بها أندرو إيفانز، وهو محام مستشار مقره سويسرا ويشارك في إدارة أموال الملك.
عندما أشارت مسودة الاتفاقية إلى أنه قد يتعين مشاركة اسم الملك في ظل ظروف معينة مع السلطات في جزر فيرجن البريطانية، كتب إيفانز في تعديلات لا تزال مرئية على المسودة: “من فضلك، هل يمكنك تحديد من تغطيه السلطات؟”.
طالب إيفانز بعدم تخزين السجلات التي تحتوي على أسماء “العملاء ذوي الحساسية غير العادية” على أنظمة الكومبيوتر، ولكن على الورق فقط. وقال في إشارة واضحة إلى عبدالله “لدينا حاليًا عميل واحد فقط يناسب هذه الفئة”.
بعد ذلك بعام، أي في عام 2017، جادل المعاملون الماليون لعبدالله حول كيفية تفسير قوانين الشفافية المالية الجديدة في جزر فيرجن البريطانية، كما تظهر رسائل البريد الإلكتروني. تطلب القوانين، التي تم سنها في أعقاب تحقيق أوراق بنما، من الشركات التي تسجل الشركات تزويد سلطات جزر فيرجن البريطانية بأسماء “المالكين المستفيدين النهائيين” للشركات – أي المالكين الحقيقيين ـعلى أن ييتم الاحتفاظ بالأسماء في “بوابة” آمنة بحيث يمكن لمسؤولي جزر فيرجن البريطانية مشاركة المعلومات مع وكالات إنفاذ القانون الأجنبية التي تتابع التحقيقات في الاحتيال أو الجرائم المالية الأخرى.
وأظهرت الوثائق أن إيفانز تحرك بسرعة لنقل شركات عملائه، بما في ذلك الشركات التابعة لعبدالله، إلى عناوين شركات جديدة في بنما. وانزعج إيفانز عندما طلب منه ضباط الامتثال في Alcogal تقديم دليل على من يملك الشركات حتى أثناء إعادة تسجيلها في مكان آخر.
كتب إيفانز مرة أخرى قائلاً: “من فضلك، هل يمكنك شرح سبب طلبك” لهذه المعلومات، مجادلاً أن ذلك يقوض جهوده في ضمان السرية. وعندما اقترح إيفانز أن يستخدم Alcogal اسم شركته السويسرية بدلاً من اسم عبدالله، رفض المحامون ذلك.
ليس من الواضح من الوثائق كيف تم حل هذه المسألة. تثير الملفات أسئلة حول امتثال Alcogal للمعايير الدولية التي تتطلب مزيداً من العناية الواجبة عند التعامل مع حسابات الأشخاص “المكشوفين سياسياً”. تهدف المعايير إلى فرض مزيد من التدقيق على حسابات المسؤولين الحكوميين أو الشخصيات السياسية التي قد تكون ممتلكاتهم الخارجية مؤشرا على الفساد.
ولم يستجب إيفانز لطلبات التعليق المرسلة إليه عبر البريد الإلكتروني. وقال للصحافيين المشاركين في مشروع باندورا في سويسرا، إنه متقاعد الآن وأكد أنه تلقى طلبات للتعليق لكنه رفض الإجابة على الأسئلة.
ملك “متهور”!
حسابات الملك عبدالله والملكة رانيا على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهرهما غالباً وهما يرتديان ملابس أنيقة، أو يجلسان على إحدى دراجاته النارية Harley-Davidson ، أو يقفان لالتقاط الصور في القصر أو في مقاعدهما على متن طائرة خاصة، لكنهما يظهران أيضاً في زيارة مع القرويين، ويقومان بجولة في المدارس والمستشفيات، ويشاركان في المناسبات الخيرية..
في عام 2018، اندلعت احتجاجات في عمَّان إثر قرار ملكي برفع الضرائب وفرض زيادات في الأسعار كجزء من إجراءات التقشف. خشي الاقتصاديون من أن البلاد تتجه نحو الإفلاس – فقد قفزت نسبة ديونها إلى الناتج المحلي الإجمالي من 60 إلى 93 في المائة بين عامي 2011 و2015.
ووصف مسؤول أميركي كبير سابق خدم في عمَّان سلوك عبدالله بأنه “متهور”. وقال: “إنه لأمر مروع أن تقوم بشراء امبراطورية منازل في الخارج عندما تكون لديك قضايا أساسية تتعلق بإبقاء شعبك واقفاً على قدميه”.
يذكر أن الولايات المتحدة قدمت للأردن أكثر من 22 مليار دولار من المساعدات منذ الخمسينيات من القرن الماضي، وارتفعت المساعدات إلى أكثر من مليار دولار سنوياً في السنوات الأخيرة. ولا تشمل هذه الأموال 1.7 مليار دولار قدمتها الولايات المتحدة لمساعدة اللاجئين في الأردن منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا عام 2011″.
أموال الخليج
وتشير وثائق وزارة الخارجية الأميركية إلى أن الأموال الممنوحة للأردن دفعت تكاليف الطرق والمدارس ومصادر المياه الجديدة، فضلاً عن تعليم آلاف الأردنيين في الكليات والأكاديميات في الولايات المتحدة. على مستوى أكثر جوهرية، يهدف السخاء الأميركي إلى ضمان بقاء الأردن حليفاً وركيزة للاعتدال الديني والسياسي في الشرق الأوسط غير المستقر.
في العقود الأخيرة، وقف الأردن إلى جانب الولايات المتحدة أو دعمها بشكل مباشر من خلال الحروب في العراق، والعمليات السرية لوكالة المخابرات المركزية ضد القاعدة وداعش، والتدخلات في سوريا، والجهود المبذولة لتسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وأعرب مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون عن شكوكهم في أن أي جزء كبير من المساعدات الأميركية للأردن قد تم تحويله، مستشهدين بالعواقب السلبية المحتملة على الأردن إذا تم ضبطه وهو يغش في أكبر مصدر للدعم الدولي.
يتلقى الأردن أيضاً مئات الملايين من الدولارات كل عام من دول في الشرق الأوسط، بما في ذلك الكويت والإمارات، وأحيانا السعودية.
وقال مسؤولون وخبراء أميركيون في شؤون الأردن إن هناك شفافية أقل بكثير بشأن الأموال الخليجية. وأضافوا يبدو أن عبدالله يتمتع بقدر كبير من الحرية في ما يتعلق بالتمويل، ويستخدم الكثير منه لمكافأة العائلات البارزة على ولائها ودعمها السياسي له.
وبحسب مسؤول سابق في المخابرات الأميركية، عمل مع الأردن، فإن “الأموال من الخليج تكاد لا تُعلن على الملأ. بعض ذلك تم فحصه وهو يصل إلى الملك عبدالله – وليس إلى المملكة الهاشمية”.
لا تقدم وثائق باندورا أساساً منطقياً لشراء العقارات، لكن عبدالله بدأ التحرك بقوة للحصول على أصول خارج المملكة عندما بدأ الحكام في أماكن أخرى في المنطقة في الانهيار خلال ثورات الربيع العربي.
في عام 2011، مع بدء تلك الانتفاضات الشعبية، أنفق عبدالله الملايين على عدد من عمليات الشراء في منطقة قريبة من قصر باكنغهام والتي تعد واحدة من أغلى أسواق العقارات في وسط لندن.
بحلول نهاية العام 2011، أنفق عبدالله حوالي 13 مليون دولار للحصول على مجموعة من الشقق في زاوية واحدة من إيتون بليس، وفقاً للوثائق. وقد يكون السعر الإجمالي الذي دفعه أعلى، لأن السجلات البريطانية تُظهر أن ملكية واحدة فقط تم نقلها إلى شركة واجهة.
في عام 2012، تحول عبدالله إلى السوق الأميركية، حيث أنفق أكثر من 6.5 مليون دولار على شقق سكنية على ضفاف النهر في جورج تاون. وتداخلت هذه المعاملات مع وصول ولي العهد الأمير حسين، إلى واشنطن لبدء الدراسة في جامعة جورج تاون، حيث حصل على درجة البكالوريوس في التاريخ الدولي في عام 2016. كما التحقت ابنتا عبدالله بالجامعة في واشنطن في السنوات اللاحقة.
من الفقر إلى الوفرة
الثروة التي تنعكس في هذه المعاملات السرّية تتناقض مع الأصول الفقيرة لعائلة عبدالله.
وفي هذا الخصوص يقول بروس ريدل، الضابط السابق في “سي آي إيه” ومؤلف كتاب عن تاريخ العلاقة بين الولايات المتحدة والأردن نُشر الشهر الماضي: “بدأ الهاشميون فقراء معدمين تقريباً”، وأكدوا هذه الخلفية المتواضعة طوال 46 عاماً من حكم الملك حسين، والد عبدالله.
ويضيف أن والدة الملك حسين “باعت دراجته عندما كان يكبر لأنهم كانوا بحاجة إلى المال. لست متأكداً من أن عبدالله عاش في فقر مثل والده، لكنه كان إبن الجيل اللاحق”.
بعد وفاة الملك حسين عام 1999، يبدو أن بعض الممتلكات وعائدات بيع بعض العقارات ذهبت إلى الملكة نور، زوجته الرابعة، وفقاً للسجلات العامة والتقارير الإخبارية المعاصرة.
أثار هذا الترتيب التكهنات في المملكة حول مدى توارث عبدالله – ابن زوجة الحسين الثانية، الأميرة منى، والذي تم تعيينه وريثاً قبل أيام فقط من وفاة والده – عندما اعتلى العرش.
في حين أن انتقاد عبدالله نادر في المناخ السياسي القمعي في الأردن، قال مسؤولون وخبراء أميركيون في سياسات الشرق الأوسط إنه يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه متسامح مع الفساد، إن لم يكن متواطئاً فيه، والذي أصبح مصدراً متزايداً للاستياء وسط التباطؤ الاقتصادي في البلاد.
أدت عمليات الإغلاق بسبب فيروس كورونا إلى خنق الاقتصاد الذي يدعمه عادة ملايين السياح، وشكل عدم الرضا العام عن معالجة الحكومة للأزمة خلفية لمؤامرة الانقلاب المزعومة هذا العام. وكان من بين المعتقلين الأخ غير الشقيق لعبدالله، الأمير حمزة بن حسين، الابن الأكبر للملك حسين والملكة نور.
وفي مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع نشره على الإنترنت أثناء احتجازه، قال حمزة إن رفاهية الأردنيين العاديين “وُضعت في المرتبة الثانية من قبل النظام الحاكم [الذي] قرر أن مصالحه الشخصية ومصالحه المالية وفساده هو أكثر أهمية من حياة وكرامة ومستقبل أكثر من 10 ملايين شخص يعيشون هنا”.
بمجرد انتهاء التهديد المزعوم لحكمه، لجأ عبدالله إلى إشارات الإصلاح المألوفة. أعلن عن تشكيل لجنة لدراسة التغييرات الانتخابية التي من شأنها أن تمنح المزيد من السلطة للشعب الأردني وشن حملة أخرى على الفساد. في حزيران/ يونيو، أعلنت الحكومة عن خطة لتجديد خزائن المملكة من خلال تعقب الأصول المخفية عن سلطات الضرائب في البلاد في الحسابات الخارجية” (…).
(*) وثائق باندورا، هو تحقيق صحافي يستند إلى أكثر من 11.9 مليون وثيقة تكشف عن تدفقات الأموال والممتلكات والأصول الأخرى المخبأة في النظام المالي الخارجي. حصل الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، الذي نظم التحقيق، على مجموعة من المعلومات السرية، هي الأكبر من نوعها.