انطباعات Archives - 180Post

566566565656556565.jpg

كلُ ما سأكتبه الآن، أكتبه للغد. أكتبه بالدرجة الأولى لفلذات كبدي، سارة وكيندة وعلي، لو قُدّر لهم البقاء، إذ مرّ حين من الوقت - بعد أن سجّلت موقفي من الأحداث - قلّ فيه اقتناعي بجدوى الكتابة في ظلّ ما يقرّره أهل الميدان والقرار، وما يكتبون مشهده ويتركون أثره في عقول ونفوس المراقبين. لكن، للزّمن حقّه، وللنّاس سرديّاتهم الذّاتية، ولي واجب استكمال موقفي ورؤيتي، وحقّ على الأولاد أن يعرفونها تمام المعرفة، تماماً كما حقّهم بالمغايرة في الرأي بعد سعيٍ منهم للمزيد من المعرفة والاطلاع والتّحقّق.

ram.png

أظن أنني نطقت بهذه الكلمات، أو همست بها لنفسي، في كل مرة ركبنا الترام وأنا جالس في حجر أمي في رحلتنا الأسبوعية إلى بيت العائلة في مرجوش. كان المشوار طويلاً، بل وأطول من حقيقته بالنسبة لطفل لا تهدأ حركته ولا يتوقف فضوله برغم أو بسبب انحباسه في حجر أمه وكلاهما محرومان من رؤية معظم ما يدور خارج صالون الحريم في مركبة الترام.

wafaa.jpg

في العاشرة والنصف صباحاً، رنّ هاتفي. عندما لمحتُ الرقم على الشاشة، سرى الرعب في أوصالي. ماذا تريد تمارا في هذه الساعة، والمفترض أن تكون أثناءها في الصفّ؟! "ماما إنْتُو بالبيت؟". سألتني مُستفهمةً لتعود وتسأل، عمّا إذا كنّا نستطيع استقبال أهل رفيقها فادي القابعين داخل سيّارتهم في الشارع.

da7ie.jpg

بين 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 و27 تشرين الأول/أكتوبر 2024، مسافات ومشاعر وأيام وكثيرٌ من الكلام بدأته بانحياز واضح لـ"طوفان الأقصى"، وامتلأت أملًا بقرب موعد تحرير الأسرى في السجون الإسرائيلية، لكن تبين أننا لم نكن نعلم أنّ الغرب المسيحي المُتصهيّن يُمكن أن يُغطي حرب إبادة إسرائيلية مفتوحة من هذا النوع.

3.jpg

أبدأ بأمي وأبي ليس لأنها عادة كل من يكتبون سيرهم ولكن لأنني عشت بالفعل أذكر لهما الفضل كلما دخل غريب إلى بيتي أو أجلسوني إلى جانب من يكبرني أو اجتمع قوم على مائدة طعام فلا أجلس قبل أن يكتمل جلوس الجميع. أذكر لهما الفضل حتى يومي هذا كلما اشتركت أو أشركوني في مناقشة فكاد صوتي يعلو درجة أو درجتين فوق درجة ما بعد الهمس، أو كلما كلفت نفسي أو كلفوني بنقل حرفي لرسالة. أشهد، بمبالغة بسيطة، أنني لم أتفاجأ بمعظم النصوص من كتاب السيدة ويست بعنوان الإتيكيت ونحن على وشك الالتحاق بالدبلوماسية المصرية.

18.jpg

 أحن إلى موقع نشأتي وأيامي هناك. ولدت بعيداً عن الجبل وقضيت بعض سنوات طفولتي ومراهقتي في أرجاء سفحه. الجبل هو المقطم أما السفح فهو حي الحسين وما وراء المسجد وصولاً إلى الحسينية ومروراً ببيت القاضي وحارة قصر الشوق والجمالية وضمنها حارة الورّاق التي هي مسقط رؤوس عدد من العائلات التي اشتغلت بصناعة الورق والكتب والمكتبات.

Slotboom.jpg

في حياتي كما في حياة كل إنسان أيام لا تنسى. من أيامي العديدة التي لا تنسى مائة يوم قضيتها في سنتياجو عاصمة دولة شيلي. ليست بالمهمة البسيطة التعريف بدولة من الدول ولكنها في حالات معينة تصبح من أحلى المهام وأقربها إلى مزاجي وعواطفي. من هذه الحالات حالة دولة شيلي. غير خاف على من يعرفونني أن إيطاليا والنمسا والأرجنتين ولبنان والصين وتونس هي أيضا من تلك الحالات، ففي كل منها بشر ومدن وقرى وشوارع وأزقة نشأت علاقة قوية ربطت بيني وبينها مخلفة ذكريات لأيام لا تنسى أو صعب أن تنسى.