انطباعات Archives - 180Post

750-16.jpg

للرصيف، قبل أن ينكمش أو يختفي، ذكريات طيبة. أتذكر نفسي في شارع فاروق، طفلا أجلس على كتفي والدي أو عمي غير الشقيق لوالدي، أستمتع بموكب "المحمل" وجنود على ظهور جمال وأحصنة، كلهم وكلها في ألوان زاهية، والموسيقى العسكرية تزيدني متعة. أتذكر أيضا رجالا من الحي الذي أسكنه مع عائلتي الصغيرة يحملوني ونحن على رصيف شارع خيرت لنشاهد موكب الملك فاروق متوجها إلى مسجد السيدة زينب لأداء فريضة أو لمناسبة لا أتذكرها الآن.

CM_Israel-calling_0.jpg

كنتُ يومها خارج المنزل ولفت انتباهي زحمة سيارات الإسعاف بأبواقها وأضوائها وأعدادها وكلها تُنذر بحدث كبير. عدتُ إلى المنزل لأُصعق بخبر تفجير أجهزة "البيجرز" التي يستخدمها آلاف العاملين في قطاعات حزب الله المدنية والعسكرية بما فيها الطبية والتمريضية والإنقاذية.

666.jpg

قالت: "صحيح يا أستاذي، لقد كتبت بالفعل عن الميادين". سألت: "ومتى كان"؟ أجابت: "كتبت في أيلول/سبتمبر من العام الماضي". أثارت الإجابة في نفسي فضولا. عدت أسألها: "لماذا هذا الحنين المتجدد إلى الميادين". ولأسألها أيضا ولنفسي، "ولماذا في سبتمبر"؟

700.jpg

كثيرون يخطئون إن ظنوا أن المسنين أقلية بسمات متشابهة وتصرفات نمطية ومطالب أو رغبات متقاربة وطموحات وتطلعات متدنية أو منعدمة، أو أنهم أقلية فى المجتمع بعقول متدهورة الصلاحية، وبقلوب خاشعة أو مستسلمة وصبر سريع النفاذ، أو أقلية بقدرات على تحمل الآلام والصدمات العاطفية ولكن ضعفت حتى تآكلت. عندى الأدلة على أنها فى غالب الأحوال أقلية حكيمة عند اتخاذ قرارات هامة، وأقلية تتحمل بمسئولية وصلابة مصير الخاضعين لها والسائرين فى ركابها بالعرف أو بالعقود والقوانين، تتحملها أيضا بالحب.

800-2.jpg

كثيرون هم الرجال الذين أثّروا في مجرى حياتي. بعضهم خلف آثارا أثّرت لساعات وأيام. بعض آخر ترك بصمات لا تمحى. بعض ثالث مر مرورا عابرا ولكن بآثار عميقة. كثيرون عبروا عبورا خامدا، لا حس ولا خبر.

800-23.jpg

لم تجف دمعتي بعد لكثرة ما ودّعتُ من أحبة في العام الماضي وبداية العام الحالي؛ تلك الدمعة ذرفتها أيضاً عند وداع زياد الرحباني الذي لا أعرفه شخصياً، برغم حضوري أغلب مسرحياته، وأكاد أجزم أنّي لم أرهُ خارج الخشبة، إلا مرّات قليلة رأيته خلالها ماشياً في شارع الحمرا.

0d1976cb367cd8f47bfa1c804f477a51.jpg

غريبٌ وغزيرٌ ما فعلته الأيام بحياتي، وغريبٌ وغزيرٌ ما فعلته أنا بأيامي. قضيتُ عصر يوم أمس ومساءه والليل الرابط بين يومين، وأنا أفكر في مجمل الأيام- منذ اليوم الذي قرّرت فيه الدولة المصرية تعييني مُلحقاً دبلوماسياً في سفارتها في العاصمة الهندية، نيودلهي.

736.jpg

مارستُ السعادة في كل مرحلة من مراحل عمري، ولكني مارستها مختلفة وأنا أكبر الجماعة سنا، وبخاصة حين اجتمع السن بمكانة رأس العائلة. حدث هذا أول مرة قبل أعوام قليلة عندما رتبنا، أنا والعائلة، قضاء وقت نوعي فاخترنا بيتا في الجونة استأجرناه لمدة أربعة أيام. هناك، وبصفتي صاحب الدعوة اخترت أن ألعب أدوار ولي الأمر والراعي والمراقب والمستمتع بالطقس الرائع في آن واحدة.

750-1.jpg

بعد غياب امتد ليومه الخامس عدت إلى بيتي، عدت لأنام في فراش أعرفه ويعرفني، عدت لأتعامل مع حمام أحترم قواعده ويحترم تفاصيلي، عدت إلى مكاني وأشيائي وإلى مخابئ أسراري وملفات أوراقي. عدت والسعادة تصحبني.. أحاطت بي يوما بعد يوم بل ساعة بعد ساعة، لم تسمح لي بممارسة غضب أو شك أو ملل أو ضيق. بفضلها تغلبت على وساوس تصنعها عادة وتطلقها ظروف وخفايا وتجارب السن المتقدم.

800-22.jpg

إنها والله لنقلة كبرى. سنوات وأنا أكتب في هذا الباب من صفحة الرأي بالشروق يوميات عن تطورات أو أحداث في حيواتي الماضية، حياة الطفولة وحياة المراهقة وحياة الشباب وحياة تنقلت فيها بين الدبلوماسية والعودة للدراسة والصحافة والعمل السياسي العربي، عن هذه وتلك نقلت بعض ثمار تنقلي بينها وبين ثقافات لا اتفاق أو توافق بينها إلا ما ندر.