
كثيرون هم الرجال الذين أثّروا في مجرى حياتي. بعضهم خلف آثارا أثّرت لساعات وأيام. بعض آخر ترك بصمات لا تمحى. بعض ثالث مر مرورا عابرا ولكن بآثار عميقة. كثيرون عبروا عبورا خامدا، لا حس ولا خبر.
كثيرون هم الرجال الذين أثّروا في مجرى حياتي. بعضهم خلف آثارا أثّرت لساعات وأيام. بعض آخر ترك بصمات لا تمحى. بعض ثالث مر مرورا عابرا ولكن بآثار عميقة. كثيرون عبروا عبورا خامدا، لا حس ولا خبر.
لم تجف دمعتي بعد لكثرة ما ودّعتُ من أحبة في العام الماضي وبداية العام الحالي؛ تلك الدمعة ذرفتها أيضاً عند وداع زياد الرحباني الذي لا أعرفه شخصياً، برغم حضوري أغلب مسرحياته، وأكاد أجزم أنّي لم أرهُ خارج الخشبة، إلا مرّات قليلة رأيته خلالها ماشياً في شارع الحمرا.
غريبٌ وغزيرٌ ما فعلته الأيام بحياتي، وغريبٌ وغزيرٌ ما فعلته أنا بأيامي. قضيتُ عصر يوم أمس ومساءه والليل الرابط بين يومين، وأنا أفكر في مجمل الأيام- منذ اليوم الذي قرّرت فيه الدولة المصرية تعييني مُلحقاً دبلوماسياً في سفارتها في العاصمة الهندية، نيودلهي.
مارستُ السعادة في كل مرحلة من مراحل عمري، ولكني مارستها مختلفة وأنا أكبر الجماعة سنا، وبخاصة حين اجتمع السن بمكانة رأس العائلة. حدث هذا أول مرة قبل أعوام قليلة عندما رتبنا، أنا والعائلة، قضاء وقت نوعي فاخترنا بيتا في الجونة استأجرناه لمدة أربعة أيام. هناك، وبصفتي صاحب الدعوة اخترت أن ألعب أدوار ولي الأمر والراعي والمراقب والمستمتع بالطقس الرائع في آن واحدة.
بعد غياب امتد ليومه الخامس عدت إلى بيتي، عدت لأنام في فراش أعرفه ويعرفني، عدت لأتعامل مع حمام أحترم قواعده ويحترم تفاصيلي، عدت إلى مكاني وأشيائي وإلى مخابئ أسراري وملفات أوراقي. عدت والسعادة تصحبني.. أحاطت بي يوما بعد يوم بل ساعة بعد ساعة، لم تسمح لي بممارسة غضب أو شك أو ملل أو ضيق. بفضلها تغلبت على وساوس تصنعها عادة وتطلقها ظروف وخفايا وتجارب السن المتقدم.
إنها والله لنقلة كبرى. سنوات وأنا أكتب في هذا الباب من صفحة الرأي بالشروق يوميات عن تطورات أو أحداث في حيواتي الماضية، حياة الطفولة وحياة المراهقة وحياة الشباب وحياة تنقلت فيها بين الدبلوماسية والعودة للدراسة والصحافة والعمل السياسي العربي، عن هذه وتلك نقلت بعض ثمار تنقلي بينها وبين ثقافات لا اتفاق أو توافق بينها إلا ما ندر.
التقيت وأصدقاء قدامى وتشعَّب الحديثُ في أكثر من اتجاه، ثم راحت الأغلبية تتبادل الآراء بشأن المَهْرَب المناسب؛ ما وقع انفجارٌ نوويٌّ وانبعثت الإشعاعات. جاء اللقاءُ قبل توقُّف الحرب بين إيران والكيان المُحتل، وقد اتخذ الكلامُ طابعَ الهذر والتنكيت وتعالت القهقهاتُ بما جاوزَ حجمَ المَخاوف التي انتشرت في الأجواء؛ فما كان من أحد الرِّفاق أصحاب الحِسِّ السَّاخر سوى أن أعلن عن لا مبالاته؛ دافعًا بالمثل الشعبيّ الشهير: "ضربوا الأعوَر على عينه"؛ فهتف الباقون في صوت واحد: "قال خسرانه خسرانه".
كنتُ صغيراً أتعلم عندما تلقيت في هدوء وبارتياح وبالتدريج أول دروس في الوطنية، وكنت شاباً متعلماً ومعلماً ومسئولاً عندما تلقيت في صخب وبعنف أول دروس التشكيك فيها.
حكايتى مع تونس طويلة وناعمة وصافية صفاء سماء الربيع التونسى، تخللتها أيام عاصفة ومطيرة ولكنها أيام الاستثناء الذى يثبت القاعدة. حكايتى كانت من جزءين الأول منهما قصير ومثير والثانى طويل وممتع ومثمر.
تصغرني بعامين. اتصلت بها في السابعة صباحا لتوثيق معلومة تقع ضمن ذكريات طفولتنا. ردت على اعتذاري عن الاتصال المبكر بأنها، كما حال من في سنها، تستيقظ قبل بزوغ الشمس. سألتها، ثم سألت خالتها، وهي في مثل عمرها، عن مناسبات في طفولتنا تتذكرها أكثر من غيرها.