شكّل القانون الإنتخابي الجديد عنصر تحفيز للعديد من الأحزاب والقوى والشخصيات اللبنانية التي قررت خوض السباق الانتخابي بعد عقود طويلة من النضال في سبيل اعتماد النسبية. في الربيع المقبل، ستجري الانتخابات النيابية في ظل القانون الإنتخابي إياه، لكن في ظل تحولات عديدة أبرزها حركة الانتفاضة الشعبيّة في ١٧ تشرين الاوّل/أكتوبر عام ٢٠١٩ وما تمخّض عنها من تبدل في مزاج الرأي العام المناهض للمنظومة الحاكمة، في ظلّ أسوأ أزمة اقتصادية إجتماعية مالية يواجهها لبنان منذ مائة سنة.
بعد عامين على انطلاق انتفاضة 17 تشرين/أكتوبر، لم تتمكن القوى المنضوية فيها من بلورة نفسها سواء من خلال صياغة برنامج سياسي بديل أو من خلال قيادة موحدّة. والمتعارف عليه أنّ دخول المعترك الانتخابي يتطلّب معارضة منظمّة ومتماسكة، وهذا ما لم تتوافر شروطه خلال العامين المنصرمين. فهل يمكن للمعارضة الشعبية أن تنظّم صفوفها في غضون أشهر قليلة تفصلنا عن الإستحقاق الإنتخابي وهي التي لم تستطع فعل ذلك طيلة عامين منصرمين؟
وإذا كانت حماسة بعض قوى المعارضة للمشاركة، اقتراعاً وترشيحاً في انتخابات عام ٢٠١٨ مردّه الى القانون الانتخابي، فهذا الأخير تبيّن أنّه نسبي في الشكل، ولكنه أكثري في المضمون، ويتضمن شوائب عديدة يمكن الاطلاع عليها في تقرير مفصّل صدر عن الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية – لا فساد، في أيلول/سبتمبر ٢٠١٨.
في حقيقة الامر، فإنّ السلطة تُحكِم سيطرتها على جميع مفاصل العملية الانتخابية في ظلّ عدم احترام مبدأ توفير فرص متساوية في الانفاق الانتخابي، كما في الاعلام والاعلان الانتخابيين. إضافة الى هذا الامر، ستستغلّ قوى السلطة الازمة الاقتصادية الخانقة التي يرزح تحتها معظم اللبنانيين لتقديم خدمات ورشى انتخابية، وهذه المرّة ستكون عبارة عن بونات بنزين وجرّات غاز ودفع بدلات نقل طلاب المدارس وتسديد قروض مصرفية مستحقّة، ويتخوّف العديد من المراقبين من أن تكون البطاقة التمويلية باباً أساسياً للرشى الانتخابية. من دون أدنى شكً، ستعمد قوى السلطة الى استغلال حاجيات المواطن البديهية وذلك لنيل صوته في صندوقة الاقتراع.
دعوة إلى جميع القوى والمجموعات المنضوية تحت مظلة “١٧ تشرين” أن تكون في عداد هيئة تأسيسية تأخذ على عاتقها كتابة دستور جديد للانتقال الى الجمهورية الثالثة، وتحديد آليات الضغط الشعبيّ الفعّال لاستفتاء العامة حوله وباب الابتكار مفتوح هنا لابتداع أساليب مواجهة والتأسيس لمقاومة شعبية – اجتماعية ضدّ هذا النظام
وسط هذه الظروف، تدخل قوى المعارضة الى ساحة المعركة بـ: ١- موازين قوى مختلّة؛ ٢- موارد ضعيفة إذا ما قورنت بموارد القوى السلطوية؛ ٣- قانون انتخابي غير عادل.
في ضوء هذه الثغرات، لماذا علينا أن نشارك السلطة في مشهدية انتخابية ستساعدها في اظهار نفسها أمام المجتمع الدوليّ بأنها سلطة ديموقراطية.. وصولاً إلى إستعادة مشروعيتها الداخلية؟
ما العمل اذاً؟
ليس فعل مقاطعة الإنتخابات النيابية هو فعل مهزومين ولا خيار اليائسين. في كثير من الاحيان، تتحوّل المقاطعة الى فعل سياسي إذا تمكن الداعون اليها من تنظيم آليات هذا السلوك الإنتخابي وصياغة الرسالة الأساسية خلفه.
إن مناسبة كتابة هذا المقال هي دعوة إلى جميع القوى والمجموعات المنضوية تحت مظلة “١٧ تشرين” أن تكون في عداد هيئة تأسيسية تأخذ على عاتقها كتابة دستور جديد للانتقال الى الجمهورية الثالثة، وتحديد آليات الضغط الشعبيّ الفعّال لاستفتاء العامة حوله وباب الابتكار مفتوح هنا لابتداع أساليب مواجهة والتأسيس لمقاومة شعبية – اجتماعية ضدّ هذا النظام. اذاً، وعبر هذا الطرح، تكون المعارضة قد وضعت قواعد لعبة جديدة، وتنتقل الى مرحلة الهجوم السياسيّ بدلاً من تكرار دور المشاهد المتفرج على اللعبة، من دون أن تكون في موقع التأثير في رسم أطرها وقواعدها. كما يمكن لهذه الهيئة أن تطرح وقبيل انطلاق المسار الانتخابي، حراكاً شعبياً يحمل عنوانيْن (وهما بالمناسبة كانا في صلب شعارات انتفاضة ١٧ تشرين) الا وهما: خفض سنّ الاقتراع من 21 الى ١٨ عاماً، والمطالبة بقانون انتخابي قائم على النسبية خارج القيد الطائفي، وأن يكون لبنان دائرة انتخابية واحدة.
وفي الختام، أوّد تسجيل ملاحظتين:
- ماذا ستفعل كتلة نيابية مؤلفة من ٥ الى ١٠ نوّاب إذا كانت قوّة النظام أصلاً خارج حدود المجلس النيابي؟ هذا إذا افترضنا أنّه بإمكان المعارضة تحصيل هذا الرقم من المقاعد.
- ماذا إذا كانت بعض فئات المعارضة – التي بالمناسبة البعض منها محظوظ أكثر من غيره بدخول البرلمان بسبب المال والاعلام – على شاكلة السلطة أو ديكوراً تجميلياً لها، على غرار بعض القوى والشخصيات التي بدأت بالترويج لنفسها باكراً؟
لأجل كلّ هذه الاعتبارات، فلنبقى خارج إطار المشهد الانتخابي. إلى المقاطعة الإنتخابية دُر.