بسمة عبد العزيز, Author at 180Post

800-4.jpg

دار النقاشُ بين عدد من الأصدقاء والصَّديقات حول إمكانات الذِّهاب إلى أحد المَشاتي التي تتمتَّع بجوٍّ مناسب، مع حلول فصل الخريف. فضَّل بعضُهم التوجُّه جنوبًا لمدن الصعيد، بينما أراد آخرون السَّفرَ لإحدى مُحافظات البحر الأحمر؛ لكن الاستطرادَ في الكلام أوضح أن الفريقين كليهما إنما يُعبِّران عن أمنيات لم يَعد تحقيقها في المُستطاع ولا عجب؛ فقد تخلَّى كثير الناس عن عاداتهم مع تدهوُر الأوضاع الاقتصادية، واكتفوا من طقوسهم بالكلام والذِّكرى. 

d469df09cb6d1d2fc3cd535abdea7fce.jpg

اقتربت السَّيدةُ على استحياء من العَربة المُتوقِّفة فى الظِلّ. انحنت قليلًا وهَمست تسأل عن وظيفة. قالت إنها عملت من قبل فى مَشغَل خياطة، ثم تركته بعد أن أغلق أبوابُه إلى إحدى شَركات الأمن؛ ولم تلبث الشَّركةُ أن طردَت العمالَ الذين طالبوا بعقُود لا تُبخِسهم حقوقَهم فى التأمين والمَعاش والحُصول على الإجازات العادية، واستقدمت آخرين لا مطالب آنية لهم.

750-14.jpg

رفض بائع الروبابيكيا أن يأخذَ الغطاءَ القديم ولو دون مُقابل. فاوضَته المرأةُ من شُرفتِها؛ لكنه سألها عن مُكيِّف أو شاشةٍ أو حتى كُتُب. اغتاظت وزَعقت: يعني أعمل إيه؟ فرد مُشيحًا بذراعه: ارمه في المَقلَب القَّريب. 

paris-dechets-greve-retraite-reforme.jpg

في أحد النقاشات الصَّريحة المُوجِعة، تطرَّق الجالسون إلى أحوالِ معظم البلدان العربية؛ إذ تتعرَّض مدنها وضواحيها وعواصمُها واحدة تلو الأخرى للهَجمات البربريَّة، وتُستبَاح حدودُها من العدوّ الإسرائيليّ دون خِشية، ودون أن يُرى منها ردٌّ حاسم. كان الغضب باديًا على الوجوه وحاضرًا في نبرات الصَّوت؛ لكنَّ الحسرةَ بدت أكبر وأمضى، وبينما جعلَ البعضُ يندب الحالَ، وينعى ما أظهرت أمةُ العَرب من تخاذُل وضَعف وهوان؛ راح آخرون يُلوحون بمزبلةِ التاريخِ؛ التي ستحتوي عما قريب جملةَ المواقفِ المُخزِية والصَّفحات المَشمولة بالعار.

800-5.jpg

في قعدة بصالون النادي، اجتمع عدد من الأشخاص الذين جاوز أغلبهم سن المعاش؛ يتبادلون الأخبار والمُستجِدَّات. انبرى أصغرهم عمرًا يقول إن الكثير من عملائه طلبوا تسييل محافظهم. جاء موقعي على مقربة من المجموعة ووصلتني الأصوات المتقاطعة في وضوح؛ صوتٌ يؤكد أن العملاء على حقّ فلا ضمانات بشأن الآتي، وآخر يسأل عن معنى الكلام، وثالث يستفسِر عن النتائج، ورابع يعترف بأنه فعلَ المِثل؛ فالأحوال من سيءٍ إلى أسوأ ووجود المالِ اللازم لتسيير الحياة ما انفجرت الأزمة؛ أمرٌ لا غِنى عنه.

750-16.jpg

في حكاياتِ من عاشوا عمرًا مديدًا رواية أو أخرى عن مكان سكنوه؛ وكان في وقته بمنزلة منفى. صحراء لا يحدُّها شيء ولا يُرى فيها حيٌّ. رمالٌ مُمتدَّة بلا عمران ولا حتى نبات.

720-1.jpg

شاء مَجرى الأحداث أن يتحوَّل قانونُ الإيجارات القديمة حال إصداره إلى مَوضوع السَّاعة. أينما ذَهَبْت؛ صادفت من يؤكد أنه لن يترك البيتَ الذي عاش فيه عمرَه إلا جثة، ومن يُقسِم أنه لن يخرج من البابِ ولو هُدِمت البنايةُ فوق رأسه. الناسُ في غضبٍ ودهشةٍ مما صارت إليه الأمور، والعقلاءُ يكتبون ويحذرون؛ لكن الخبرات المتراكمة قد أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك؛ أن حال الرفض والسُّخط لا تتجاوز أغلب الأحوال زوبعةً صغيرة في فنجان، وأن النفوس سرعان ما تهدأ وتستسلم؛ بينما تنفرط الأيدي المُتشابكة لتبحثَ مُنعزِلة عن مَنجى فرديّ تتشبَّث به. 

IMG_8110.jpeg

قالت صديقةٌ مُقربةٌ تعمل أستاذةً جامعية، إن السائقَ الذي يتولّى قيادةَ عربتها، والذي اعتادت أن تُوكِل إليه بعضَ المهام الإضافية ثِقةً في أدائه واعتمادًا على حُسنِ تقديره؛ حزينٌ على غير طبعِه، صامتٌ منذ فترة. سألته عما به وألحَّت في السؤال؛ فأجابها بأن ولدَه الشاب الذي يُعاني عِلةً نفسية مزمنة، قد احتاج للحجزِ في إحدى المَصحَّات، وأن الأمرَ مُتكرر؛ لكنه ذهبَ به هذه المرَّة ثم عادا سويًا.

800-8.jpg

صادفت أزمةً تتعلق بأحد الأقسام القديمة في مستشفى عام. دوراتُ المياه تتعرَّض للسَّدد مرة تلو الأخرى دون أن يتمكنَ المُشرفون على المكان من العثور على حَلٍّ جِذري. بعد مُداولات ونقاشات تبيَّن أن المواسيرَ شِبه مغلقة وأن البالوعاتِ صارت بدورها ضيقة.

800-33.jpg

سألتني المُوظفة عن الرَّقم القومِي. سَكت قليلًا ثم أمليتها إياه. نظرت في وَجهي مَدهوشة ورجتني التأكد؛ فمن ذا الذي لم يَزل حريصًا أو حتى قادرًا على تخزين أيِّ معلومة في ذاكرته؟ من الذي لا يستعين بوَسيلة مُسِاعدة تُسهِّل له المهمَّة وتخفِّف عنه عناءَ التركيز؟