بسمة عبد العزيز, Author at 180Post

paris-dechets-greve-retraite-reforme.jpg

في أحد النقاشات الصَّريحة المُوجِعة، تطرَّق الجالسون إلى أحوالِ معظم البلدان العربية؛ إذ تتعرَّض مدنها وضواحيها وعواصمُها واحدة تلو الأخرى للهَجمات البربريَّة، وتُستبَاح حدودُها من العدوّ الإسرائيليّ دون خِشية، ودون أن يُرى منها ردٌّ حاسم. كان الغضب باديًا على الوجوه وحاضرًا في نبرات الصَّوت؛ لكنَّ الحسرةَ بدت أكبر وأمضى، وبينما جعلَ البعضُ يندب الحالَ، وينعى ما أظهرت أمةُ العَرب من تخاذُل وضَعف وهوان؛ راح آخرون يُلوحون بمزبلةِ التاريخِ؛ التي ستحتوي عما قريب جملةَ المواقفِ المُخزِية والصَّفحات المَشمولة بالعار.

800-5.jpg

في قعدة بصالون النادي، اجتمع عدد من الأشخاص الذين جاوز أغلبهم سن المعاش؛ يتبادلون الأخبار والمُستجِدَّات. انبرى أصغرهم عمرًا يقول إن الكثير من عملائه طلبوا تسييل محافظهم. جاء موقعي على مقربة من المجموعة ووصلتني الأصوات المتقاطعة في وضوح؛ صوتٌ يؤكد أن العملاء على حقّ فلا ضمانات بشأن الآتي، وآخر يسأل عن معنى الكلام، وثالث يستفسِر عن النتائج، ورابع يعترف بأنه فعلَ المِثل؛ فالأحوال من سيءٍ إلى أسوأ ووجود المالِ اللازم لتسيير الحياة ما انفجرت الأزمة؛ أمرٌ لا غِنى عنه.

750-16.jpg

في حكاياتِ من عاشوا عمرًا مديدًا رواية أو أخرى عن مكان سكنوه؛ وكان في وقته بمنزلة منفى. صحراء لا يحدُّها شيء ولا يُرى فيها حيٌّ. رمالٌ مُمتدَّة بلا عمران ولا حتى نبات.

720-1.jpg

شاء مَجرى الأحداث أن يتحوَّل قانونُ الإيجارات القديمة حال إصداره إلى مَوضوع السَّاعة. أينما ذَهَبْت؛ صادفت من يؤكد أنه لن يترك البيتَ الذي عاش فيه عمرَه إلا جثة، ومن يُقسِم أنه لن يخرج من البابِ ولو هُدِمت البنايةُ فوق رأسه. الناسُ في غضبٍ ودهشةٍ مما صارت إليه الأمور، والعقلاءُ يكتبون ويحذرون؛ لكن الخبرات المتراكمة قد أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك؛ أن حال الرفض والسُّخط لا تتجاوز أغلب الأحوال زوبعةً صغيرة في فنجان، وأن النفوس سرعان ما تهدأ وتستسلم؛ بينما تنفرط الأيدي المُتشابكة لتبحثَ مُنعزِلة عن مَنجى فرديّ تتشبَّث به. 

IMG_8110.jpeg

قالت صديقةٌ مُقربةٌ تعمل أستاذةً جامعية، إن السائقَ الذي يتولّى قيادةَ عربتها، والذي اعتادت أن تُوكِل إليه بعضَ المهام الإضافية ثِقةً في أدائه واعتمادًا على حُسنِ تقديره؛ حزينٌ على غير طبعِه، صامتٌ منذ فترة. سألته عما به وألحَّت في السؤال؛ فأجابها بأن ولدَه الشاب الذي يُعاني عِلةً نفسية مزمنة، قد احتاج للحجزِ في إحدى المَصحَّات، وأن الأمرَ مُتكرر؛ لكنه ذهبَ به هذه المرَّة ثم عادا سويًا.

800-8.jpg

صادفت أزمةً تتعلق بأحد الأقسام القديمة في مستشفى عام. دوراتُ المياه تتعرَّض للسَّدد مرة تلو الأخرى دون أن يتمكنَ المُشرفون على المكان من العثور على حَلٍّ جِذري. بعد مُداولات ونقاشات تبيَّن أن المواسيرَ شِبه مغلقة وأن البالوعاتِ صارت بدورها ضيقة.

800-33.jpg

سألتني المُوظفة عن الرَّقم القومِي. سَكت قليلًا ثم أمليتها إياه. نظرت في وَجهي مَدهوشة ورجتني التأكد؛ فمن ذا الذي لم يَزل حريصًا أو حتى قادرًا على تخزين أيِّ معلومة في ذاكرته؟ من الذي لا يستعين بوَسيلة مُسِاعدة تُسهِّل له المهمَّة وتخفِّف عنه عناءَ التركيز؟

750-1.jpg

درجنا على أن نتحدث عن كوننا مَطمَعًا. شواطئُنا وسواحلنا مَطمَع، أراضينا المُنبسِطة مَطمَع، النهر مَطمَع والوادِ الخصبُ مَطمَع. أبنيتنا القديمة وتاريخُنا مَطمَع، وخنوُعنا ذاته هو أكبر مَطمَع. المَطمَع وَصفٌ يوحي بعض المرات بالضَّعف والاستكانة؛ ولو أن المَوصوفَ قويٌّ، عزيزٌّ، صعبُ المنال؛ ما حقَّ عليه ذاك التوصيف الذي تعزى إليه فترات مُطوَّلة من الاحتلال والاستغلال، وتشيد عليه نظرية المؤامرة الدائمة. 

801.jpg

أثلج مَهبَط الصواريخ الإيرانية على تل أبيب وغيرها من مدن يحتلها الكيان الصهيوني صدور الكثيرين. أشفى بعضًا من الغليل وعدَّل مؤشرات البوصلة من السخرية والاستهزاء إلى المؤازرة والتشجيع. انتقاءُ الهدف بدقة وتحقيق الإصابة المباشرة كانا من عوامل الإعجاب برغم محاولات إخفاء الخسائرِ من جانب العدو، والشعور الغامر بالقهر على خلفية ما يجري بفلسطين كان سببًا في سَهَر المقهورين؛ يتابعون الجديدَ ويتمنون الأثقلَ وطأة وأثرًا ويُحلِّقون بأمنياتهم بعيدًا. 

1548b4917e53e35166a42d1ac38304c2.jpg

التقيت خارجَ البلادِ صديقًا قديمًا مرَّ ما يناهز عقدان من الزَّمان مُذ رأيته. عرفت أنه ترك فصيلًا سياسيًا كان قد انضمَّ إليه؛ مُفضلًا أن يستقلَّ بأفكاره وأن يحتفظَ بحريَّته ورؤيته؛ على أن يتبعَ الآخرين وقد اختلفَ معهم.