“الهجوم الذي حدث هذه الليلة (ليل أمس الأول) على قاعدة التنف في منطقة المثلث الحدودي سوريا – الأردن – العراق (داخل الأراضي السورية) يرمز إلى التشدد في سياسة فيلق القدس الإيراني في سوريا، وربما الغرض منه أيضاً الضغط على واشنطن بشأن المحادثات والعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران.
العملية المباشرة ضد قاعدة تعود إلى التحالف الغربي في سوريا، وكانت تُستخدم في الأساس لمحاربة داعش، تُظهر أن الحرب الدائرة على الأرض السورية بين الأطراف المختلفة قد تغيرت في الفترة الأخيرة، بما في ذلك أنماط العمليات التي تنسبها وسائل إعلام أجنبية إلى إسرائيل في إطار المعركة بين الحروب في سوريا.
المعروف أن الأميركيين أقاموا هذه القاعدة على الأراضي السورية في إطار الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية – داعش. والمقصود قاعدة صغيرة يتواجد فيها نحو 400 عسكري ومدني أميركي وبعض العناصر من الاستخبارات البريطانية والفرنسية الذين يعملون على جمع المعلومات عن داعش في سوريا والعراق بصورة خاصة. روسيا ونظام الأسد يعارضان الوجود الأميركي في قاعدة التنف على الأراضي السورية (…). المتضررون في الهجوم غير المسبوق على التنف هم الأميركيون، ويمكن الافتراض أن الرد الأميركي لن يتأخر.
كانت قاعدة التنف تشكل موقعاً متقدماً للتحالف الغربي ضد داعش، وتحولت بعد هزيمتها إلى العمل على جمع معلومات استخباراتية وعملانية، وخصوصاً ضد الميليشيات الشيعية التي استقدمها الحرس الثوري الإيراني إلى سوريا. هذه الميليشيات بدأت بالتمركز في منطقة البوكمال على مسافة 300 كيلومتر شمال-شرقي التنف، في المكان الذي يعبر فيه نهر الفرات الحدود السورية-العراقية وتوجد فيه المعابر الحدودية الأساسية التي تُستخدم كممر بري أقامته إيران من طهران، مروراً بالعراق والصحراء الشرقية السورية، وصولاً إلى لبنان.
حتى الآن بقيت قاعدة التنف خارج اللعبة، سواء لأن القوات الأميركية الموجودة فيها عملت في الأساس على جمع المعلومات الاستخباراتية ومحاربة فلول داعش التي بقيت في المنطقة، أم لأنها بعيدة عن قواعد الميليشيات الشيعية التي أقامتها طهران.
يلمّح هجوم التنف إلى تشدد الخط الإيراني والاستعداد للدخول في مواجهة مع الأميركيين على الأراضي السورية، الأمر الذي امتنعت طهران عن القيام به في الماضي، وفقط الميليشيات العراقية التي تعمل بالوكالة عنهم تجرأت على القيام بذلك في الأراضي العراقية. السؤال المطروح: كيف سيكون الرد الأميركي على التصعيد الإيراني؟
هذه الليلة كانت المرة الأولى التي تهاجم فيها القاعدة. السبب على ما يبدو الهجمات التي شُنّت في الأشهر الأخيرة ضد قواعد الميليشيات الشيعية في دير الزور والمعبر الحدودي بين العراق وسوريا في البوكمال، والتي تدعّي وسائل الإعلام السورية أن إسرائيل نفّذتها من المجال الجوي لقاعدة التنف. وقد أدت هذه الهجمات، بحسب وسائل الإعلام السورية، وكذلك مصادر المعارضة السورية، إلى سقوط قتلى وجرحى بين عناصر الميليشيات ووسط الجنود السوريين أيضاً.
في المحصلة، يبلغ عدد الهجمات التي يقال إنها نُفِّذت انطلاقاً من المجال الجوي لقاعدة التنف 4 هجمات على نحو ستة أهداف في الأراضي السورية، بينها منشآت تابعة للميليشيات الإيرانية في مطار تي-4، وقاعدة للميليشيات في دير الزور، ومهاجمة بطاريات دفاع جوي سورية قُتل خلالها عناصر من الجيش السوري، بحسب التلفزيون السوري.
إذا كان فعلاً سلاح الجو الإسرائيلي أو قوات إسرائيلية خاصة هما اللذان هاجما، انطلاقاً من قاعدة التنف، بطاريات دفاع جوي سورية وميليشيات موالية لإيران في سوريا، فيمكن التقدير أن هذا الأمر حدث لاعتبارات تعود إلى إسرائيل. أولاً، لأن الدفاعات الجوية السورية في منطقة الصحراء الشرقية السورية قليلة جداً وبطارياتها قديمة من صنع روسي، والسلاح الموجود قديم ولا يشكل تهديداً جدياً لطائرات حديثة تهاجم المكان.
يمكن الافتراض أيضاً أن البطاريات القليلة المضادة للطائرات التي كانت موجودة بالقرب من مدينة تدمر جرى إسكاتها عندما هاجمت الطائرات المجهولة القواعد الإيرانية في المنطقة.
في الماضي نُفّذت الهجمات الجوية المنسوبة إلى إسرائيل في الأساس من اتجاه لبنان والبحر المتوسط أو من الأراضي الإسرائيلية، وكان على هذه الطائرات وصواريخ جو – أرض التي أُطلقت منها التغلب على مضادات جديدة للدفاع الجوي كثيفة جداً وكلها من إنتاج روسي وهي موزعة في وسط وغرب سوريا، وفي الأساس حول دمشق.
من المحتمل أن يكون للهجوم سبب سياسي آخر، الهجمات التي نُسبت إلى إسرائيل في وسائل الإعلام العربية والدولية في سوريا أحرجت الروس كثيراً، لأن منظومة دفاعهم الجوي التي زودوا سوريا بها لم تنجح في وقف هذه الهجمات ومنع الدمار الذي تتسبب به.
الجنرالات الروس الموجودون في سوريا ادّعوا أكثر من مرة أن بطاريات الدفاع الجوي من إنتاج روسي كبحت الهجمات الجوية الإسرائيلية واعترضت الصواريخ التي أطلقتها هذه الطائرات.. وفي المرات الأخيرة عندما شنت طائرات مجهولة هجوماً وانطلقت من اتجاه التنف ادّعى جنرال روسي في سوريا أن بطاريات الدفاع الجوي في المنطقة لم تشغّل البتة، خوفاً من ضرب طائرتين مدنيتين كانتا في المنطقة في منتصف تشرين الأول/أكتوبر.
يبدو أن الإيرانيين فهموا الوضع جيداً، لكن بخلاف الماضي قرروا مهاجمة قاعدة التنف بالمسيّرات كما فعلوا قبل عامين في السعودية. وربما الهجوم بحد ذاته يلمّح إلى تشدد الخط الإيراني والاستعداد للدخول في مواجهة مع الأميركيين على الأراضي السورية، الأمر الذي امتنعت طهران عن القيام به في الماضي، وفقط الميليشيات العراقية التي تعمل بالوكالة عنهم تجرأت على القيام بذلك في الأراضي العراقية. السؤال المطروح: كيف سيكون الرد الأميركي على التصعيد الإيراني؟ يتعين علينا الانتباه إلى أن الهجوم على التنف جاء رداً على هجمات جوية نُسبت إلى إسرائيل، وليس إلى الأميركيين أنفسهم” (المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية).
(*) راجع مقالة الكاتب الياس فرحات بعنوان: “رسالة إيرانية” إلى تل أبيب وعمّان من التنف