لا يأتي الحديث عن الزيارة البابوية من الفراغ. تم استباق الإعلان المرتقب بزيارة بدأها عميد مجمع الكنائس الشرقية الكاردينال ليوناردو ساندري الى سوريا منذ حوالي الأسبوع ومن المقرر أن تختتم يوم غدٍ (الأربعاء). زيارة غنية ببرنامجها وكانت مقررة أساساً في نيسان/أبريل عام 2020، لكن تقرر تأجيلها بسبب تفشي فيروس كورونا، إلى أن جاء الضوء الأخضر مجدداً من البابا فرنسيس، بالتنسيق مع السفير البابوي في دمشق الكاردينال ماريو زيناري، فجاء الكاردينال ساندري “حاملاً تضامن البابا فرنسيس مع الجماعات الكاثوليكية في سوريا التي واجهت امتحان الحرب طيلة عقد من الزمن”.
وقد مهّد الكاردينال زيناري الذي يخدم في دمشق منذ ثلاثة عشر عاماً لهذه الزيارة لا سيما خلال الإجتماعات التي شهدها الفاتيكان، حيث قدّم تقارير شدد فيها على أن مأساة سوريا دخلت في “نفق الصمت”، محذراً من “أسوأ كارثة إنسانية يشهدها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على أرض سوريا”. وقال إن 80% من السكان السوريين يعانون من الفقر ويفتقدون إلى مقومات الحياة الأساسية. وحذر من أن العقوبات الدولية المفروضة على سوريا تلقي بأعبائها على المواطنين السوريين فيما الطبقة الحاكمة لا تتأثر نهائياً بها، وكشف أن نصف المسيحيين في سوريا قد هاجروا منذ بداية الحرب حتى الآن.
وبالفعل تجاوب الفاتيكان مع هذه التقارير وقرر إيفاد الكاردينال ساندري، وربما هي الزيارة الاطول التي يقوم بها رئيس مجمع الكنائس الشرقية (10 ايام)، والهدف منها ايصال رسالتين:
الأولى؛ قرب البابا فرنسيس وتضامنه مع سوريا الحبيبة الارض الشهيدة التي تألمت طوال سنوات الحرب.
الثانية؛ حاجة سوريا اليوم الى اثبات قدرتها على التميّز وعلى تثبيت السوريين وصمودهم في ارضهم.
ومن النادر ان يكون سفير بابوي في دولة ما يحمل رتبة كاردينالية بل يكون في أغلب الأحيان برتبة مونسنيور، ولكن البابا فرنسيس سبق ان خصّ سفيره في دمشق المونسنيور ماريو زيناري ورفّعه الى رتبة الكاردينالية، و”هذا دليل على موقعية سوريا واهميتها الروحية بالنسبة اليه”.
غير أن الاهم في زيارة ساندري ان لقاءاته شملت القيادات الروحية السورية من الطوائف كافة، وكذلك شملت معظم المدن والمناطق التي سبق أن زارها البابا يوحنا بولس الثاني في زيارته التاريخية الى سوريا في الخامس من أيار/مايو 2001 واستمرت اربعة ايام، وسبقتها زيارة الى اليونان وكان شعارها “على خطى مار بولس”.
وتشمل لقاءات ساندري عقد إجتماع بعدد من السفراء العرب والاجانب ممن قررت بلادهم ألا يغادروا العاصمة السورية برغم ظروفها الصعبة. لقاء “له ابعاد سياسية وهو بمثابة رسالة الى الدول التي لا تزال تقاطع سوريا وتقطع علاقاتها الدبلوماسية معها بوجوب انهاء القطيعة والإلتفات إلى القضايا التي من شأنها أن تُحدث فرقاً في حياة المواطنين السوريين”.
اما غير المعلن عنه في زيارة ساندري “فيتمثل في اعداد مسودة للاماكن التي سيزورها الحبر الاعظم البابا فرنسيس خلال زيارته الى سوريا والتي سيعلن عنها قريباً وستكون مفاجئة تماماً”، على حد تعبير مصادر كنسية، أشارت إلى ان الوفد الذي حضر من الفاتيكان لاعداد ترتيبات زيارة البابا إلى العراق في آذار/مارس 2021 لم يكن برئاسة كاردينال أو ساندري شخصياً، بينما أعطيت الزيارة المرتقبة إلى سوريا أهمية أكبر من خلال تكليف احد اعمدة الكرسي الرسولي الإشراف على تفاصيلها الدقيقة، “لأنها ترتدي اهمية كبيرة لجهة عودة سوريا الى وضعها الطبيعي وعودة دور المسيحيين فيها، انطلاقا من المفهوم القائم حالياً في الكرسي الرسولي وهو اعطاء الاولوية لتثبيت مسيحيي الشرق في مواقعهم (ثمة خيبة فاتيكانية من تعامل المسيحيين في لبنان مع قضاياهم ومع النداءات البابوية)”، على حد تعبير المصادر ذاتها.
وعلم أنه سيتم الكشف قريبا عن وثائق حبرية البابا يوحنا بولس الاول التي دامت 33 يوماً فقط في العام 1978، وتتضمن محضر لقائه في صيف 1978 مع البطريرك الماروني مار بطرس خريش، وفيه عبارات للبابا بولس الاول مخاطباً خريش بالآتي: “أنا مستعد للمجيء الى لبنان وان ألتقي كل الفرقاء اللبنانيين والفلسطينيين لوضع حد نهائي للازمة اللبنانية بالتوافق مع جامعة الدول العربية والامم المتحدة”. واللافت للإنتباه أن القيادات المسيحية رفضت، وقتذاك، التجاوب مع تلك الرغبة البابوية.
بكل الأحوال، تستمر دوائر الفاتيكان بتحضير برنامج زيارة البابا فرنسيس الى سوريا وثمة من يقول إن تاريخ الزيارة “اصبح محدداً.. وسيكون مفاجئاً”، ولكن السؤال الأبرز هو الآتي: اين لبنان من هذه الزيارة، وهو المعني مباشرة بأحد ابرز ملفات البحث المتمثلة بقضية النازحين السوريين ووجوب عودتهم الى سوريا؟
الجدير ذكره أن ساندري من مواليد 18 تشرين الثاني/نوفمبر 1943، وهو كاردينال أرجنتيني من الكنيسة الكاثوليكية، أصبح رئيساً لمجمع الكنائس الشرقية منذ حزيران/يونيو 2007 وكاردينالاً منذ تشرين الثاني/نوفمبر من ذلك العام، وقد خدم في السلك الدبلوماسي للكرسي الرسولي من 1974 إلى 1991. وفي 24 كانون الثاني/يناير 2020، وافق البابا فرانسيس على انتخابه نائباً لعميد كلية الكرادلة.