ما زالت حادثة إقتحام الكابيتول عنوان صدمة كبيرة للولايات المتحدة الاميركية والاميركيين، إذ أنه تم إختراق واحدة من أعرق المؤسسات الاساسية للنظام الديموقراطي الأميركي وبالتالي المس بهيبة الأجهزة الامنية والإستخباراتية وكل أجهزة الحماية بعد دخول عدد كبير من مناصري ترامب وهم يحملون السلاح ويمارسون العنف بكل اشكاله داخل مبنى الكابيتول.
هذا المشهد من الصعب على الاميركيين وحتى على العالم نسيانه، لما يشكله مبنى الكونغرس من رمزية للديموقراطية الاميركية، ولما نقلته الصور من عنف مفرط تمت ممارسته بحضور عدد من النواب، وما رافق ذلك في موضوع تحميل المسؤوليات وعلى رأسهم الرئيس السابق ترامب الذي كان يود الحديث في هذه المناسبة الا أنه عاد والغى كلمته .
ما حصل كان أيضاً تعبيراً فجاً عن واقع الانقسام الاميركي الحاد الذي راح يتزايد مع ولاية ترامب عبر الحملات العنصرية في بعض المناطق ضد السود وبروز مجموعات من اليمين المتطرف ودعاة تفوق العرق الابيض، وهو ما أدى لاحقاً الى صعود حركة “حياة السود مهمة” بعد مقتل المواطن جورج فلويد وخروج الملايين في الشوارع للمطالبة بالعدالة والحرية .
اليوم وبعد مرور عام على الهجمة على الكابيتول وبعد وصول الديمقراطي بايدن الى الرئاسة، يبدو ان حالة الانقسام داخل اميركا لم تتراجع، وهو ما عبّر عنه أكثر من مسؤول اميركي بدعوته الى وحدة الاميركيين وأيضاً من خلال ما عبر عنه بعض مناصري ترامب الذين يتهمون الديموقراطيين وحتى وكالة الـ”اف بي آي” بأنهم كانوا وراء ما حصل في مبنى الكابيتول ولا يزالوا مقتنعين بفوز ترامب، كما يبدو انه حتى الحزب الجمهوري لم يستطع الخروج من عباءة ترامب الذي لا يزال مسيطرا على الحزب وشعبيته ترتفع شهراً تلو آخر، وهو يهيىء نفسه لخوض الانتخابات المقبلة في 2024.
تدل الذكرى الاولى لغزوة الكابيتول على “التروما” التي يعيشها الاميركيون بفعل ما شكّلته لهم تلك الحادثة من محطة تاريخية بالنسبة لصورة أميركا وصورة الأميركيين، وبالتالي لن يكون من السهل تجاوزها لا سيما اذا ما كانت هذه “التروما” قد انتقلت الى الديموقراطيين ولكن عبر الهاجس الترامبي او “التروما الترامبية”
في المقابل، كانت لافتة للإنتباه الكلمة التي أطلقها بايدن للمناسبة وتعمد فيها عدم ذكر اسم ترامب واستعاض عن ذلك بعبارة “الرئيس السابق” برغم اتهامه مباشرة بما حصل وبالكذب عندما قال إليكم الحقيقة: “أنشأ رئيس سابق للولايات المتحدة الأميركية ونشر شبكة من الأكاذيب حول الانتخابات، لأنه يرى مصلحته أكثر أهمية من مصلحة بلاده ومصلحة أمريكا. ولأن غروره المكسور يهمه أكثر من ديموقراطيتنا أو دستورنا”. ووصف بايدن كيف جلس “رئيس سابق” في “غرفة الطعام الخاصة خارج المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، يشاهد كل شيء على التلفزيون ولا يفعل شيئاً لساعات بينما تتعرض الشرطة للاعتداء وتعيش في خطر، ومبنى الكابيتول في البلاد تحت الحصار”.
كلام بايدن يدل على ان طيف ترامب لا يزال يحوم حول البيت الأبيض لا سيما مع اقتراب الانتخابات النصفية هذه السنة، وبعد خسارة الديمقراطيين اخيراً مقعد حاكم ولاية فرجينيا لمصلحة غلين يونغكين الجمهوري، وهو ما اعتبره الجمهوريون مؤشراً لسيطرتهم على مجلس النواب في الانتخابات النصفية المقبلة.
ولم يقتصر الأمر على خسارة مقعد بل ثمة إنعطافة دراماتيكية تمثلت بإعلان سيناتور ديموقراطي عن ولاية فرجينيا الغربية هو جو مانشين، في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي أنه لن يصوّت لمصلحة قانون “إعادة البناء بشكل أفضل“، وهو مشروع وقعه بايدن (بقيمة 2.2 تريليون دولار) لإصلاح قوانين عديدة أبرزها الرعاية الصحية، وأدى ذلك إلى إفقاده الأكثرية في مجلس الشيوخ المنقسم إلى نصفين تماماً!
بايدن الذي عزا سبب عدم تسمية ترامب في خطابه إلى كونه لا يرغب في تحويل الذكرى الى معركة سياسية معاصرة لانها أبعد من ذلك، وجّه كلامه إليه بالقول “ليس مجرد رئيس سابق. إنه رئيس سابق مهزوم، وخسر بفارق أكثر من 7 ملايين من أصواتكم. انتخابات كاملة وحرة ونزيهة”.
تدل الذكرى الاولى لغزوة الكابيتول على “التروما” التي يعيشها الاميركيون بفعل ما شكّلته لهم تلك الحادثة من محطة تاريخية بالنسبة لصورة أميركا وصورة الأميركيين، وبالتالي لن يكون من السهل تجاوزها لا سيما اذا ما كانت هذه “التروما” قد انتقلت الى الديموقراطيين ولكن عبر الهاجس الترامبي او “التروما الترامبية”.